


عدد المقالات 103
في وضح النهار يضرب الرجال ذوو الزي التقليدي على آلات موسيقية صاخبة، فيلتفت المارة ويخرج ساكنو المنازل، ويلاحق الصغار الفرقة فيضيفون إلى الصخب صخبا. وتدريجيا يتزايد الجمهور وتتمدد المسيرة التي تقودها الموسيقى ولافتات عليها صور لمرشح برلماني طموح يعلن بإلحاح عن خوض الانتخابات البرلمانية الجزائرية المزمع عقدها في العاشر من مايو القادم. وكما لو كانت مهرجانا فنيا تجوب شوارع العاصمة الجزائرية ومدنها مسيرات بالطبل البلدي و «الزرنة»، وهي آلة موسيقية هوائية تعمل بالنفخ عن طريق الفم وتتألف من قصبتين وجسمها خشبي ومن الآلات المرتبطة بالتراث الجزائري. وعلى بعد سبعمائة كيلومتر شرق العاصمة وفي ولاية «سوق اهراس»، قامت رئيسة حزب الشبيبة «شلابية محجوبي» بتنظيم تجمع شعبي بآلات الزرنة، على أن مرشحين آخرين فضلوا تدشين مواقع إلكترونية، بينما أطلق أغلب المرشحين مواقع لهم عبر الفيس بوك. كما شملت الدعاية توزيع أشرطة كاسيت مسجل عليها البرنامج الانتخابي للمرشح. وكما هي عادة رجال الأعمال الطامحين في ولوج عالم السياسة في دول المنطقة العربية، توزع الهدايا والأموال على الناخبين، وتستقبل القرى والمناطق الفقيرة أثرياء ما كانوا ليقتربوا منها ما لم تكن أصواتهم سلعة مطلوبة تستحق العناء. وبينما يوزع الإسلاميون الصدقات على الفقراء، لجأ مرشحون آخرون إلى توظيف النساء الشابات والأطفال في الحملات الانتخابية.. ويتنافس في الانتخابات البرلمانية 25 ألفا و800 مرشح ومرشحة موزعين على 44 حزبا ينافسون على 462 مقعدا في المجلس الشعبي (البرلمان). يتنافس المرشحون على 21 مليون صوت انتخابي في الولايات الجزائرية الـ48. وقد شهدت الجزائر في خضم الثورات العربية موجة احتجاجات وأعمال شغب عام 2011 دفعت الرئيس بوتفليقة إلى أن يعد بإصلاحات شاملة لتجنب تعبئة مشابهة لما جرى في الدول المجاورة. هذا، وقد بدأت الجزائر حملة الانتخابات البرلمانية التي تأمل النخبة الحاكمة -التي تحكم البلاد منذ 50 عاما- أن تخفف من الضغوط التي تتراكم منذ اندلاع انتفاضات «الربيع العربي» في الدول المجاورة. والجزائر المصدرة للنفط والغاز هي الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي بقي نظامها السياسي كما هو بعد الاضطرابات التي أطاحت العام الماضي بحكام ظلوا في مناصبهم لعشرات السنين في تونس ومصر وليبيا واليمن. وسعيا لاحتواء فرص اشتعال الشارع الجزائري، تحاول السلطات احتواء رياح الربيع العربي بالترويج لنسختها الخاصة التي تفضل التحول المنظم على الثورة. ويروج التلفزيون الحكومي للانتخابات تحت شعار «ربيعنا الجزائر». ومن المتوقع أن يضم البرلمان القادم شريحة كبيرة من الأحزاب الإسلامية على غرار النمط السائد في المنطقة بعد موجة «الربيع العربي»، وربما هي المرة الأولى منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر (بمقتضى دستور 1989)، تجد السلطة نفسها أمام تحدي انتخاب برلمان يستجيب لمقاييس الربيع العربي، في محاولة للتناغم مع موجة التحولات السياسية في المنطقة. واستكمالا لحالة النهوض الإسلامي السياسي في الدول العربية، وحدت ثلاثة أحزاب إسلامية جزائرية صفوفها قبيل انتخابات 10 مايو البرلمانية. وأعلنت حركة مجتمع السلم وحركة الإصلاح والنهضة عن تأسيس «تكتل الجزائر الخضراء». وستدخل الأحزاب الإسلامية الثلاثة المعترف بها رسميا معترك الانتخابات بقوائم موحدة وبرنامج واحد. وينص ميثاق التكتل على أنه يسعى إلى «مراجعة الدستور ليتلاءم مع الوضع الراهن وتطلعات الشعب الجزائري فيما يخص الحرية والعدالة وكرامة الإنسان». وبينما يتصاعد طموح الإسلاميين في السيطرة على البرلمان القادم، فإن عددا من القوى السياسية تستبعد ذلك. فالأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون ترى أن الأحزاب الإسلامية ليست قوة سياسية، وتتنبأ بعدم فوزها بالأغلبية حتى لو شكلت تحالفات فيما بينها. وتعتقد حنون أن الجزائر لن تغامر مرة أخرى بعدما فقدت ما يزيد على 200 ألف مواطن إثر اندلاع أعمال العنف عام 1992 بين مؤيدي الجبهة الإسلامية للإنقاذ والقوى الأمنية. وعلى رغم أن تجربة الإسلاميين العرب في الحكم ليست مشرقة، على الأقل في الحالتين اللتين شهدناهما في السنوات الماضية في السودان وغزة، إلا أن ذلك لم يقلل من التأييد الشعبي لهذه التيارات. وتؤكد نتائج الانتخابات في بلدان ما بعد الثورة التوقع السائد منذ فترة طويلة، وهو أن المرحلة القادمة في المنطقة العربية ستتميز بوجود الإسلاميين في السلطة بشكل أو بآخر. إن فوز الإسلاميين في الانتخابات المصرية يأتي بعد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب والذي جاء بدوره بعد فوز حركة النهضة في تونس. وفي ليبيا هناك توقعات غير بعيدة عن الواقع بفوز مشابه أو قريب للإسلاميين في حال تنظيم أية انتخابات. ويطرح إسلاميو الجزائر نفس الشعارات التي سبق وطرحها إسلاميو تونس ومصر والتي تتركز حول العودة للهوية الإسلامية للأمة العربية، مستخدمين تنوعات عديدة لشعار جماعة الإخوان المسلمين المصرية «الإسلام هو الحل». وقد تضاعف تأثير ذلك الشعار بسبب ارتباطه بتيارات عانت من الاضطهاد والسجن والملاحقات الأمنية على مدى سنوات طويلة، فتمثلت صورة الضحية في المخيلة الجمعية العامة. وقد لاقت دعوة العودة للهوية الإسلامية قبولا واسعا إثر اشتغال الإسلاميين على مسألة تخويف شعوبهم من «التغريب» ومن أشكال الحداثة الجديدة والصادمة واعتبارها تهديداً مباشراً للهوية الإسلامية والدين. وقد تفاعل ذلك التخويف خلال العقود الماضية مُبقياً مسألة الهوية في صدارة اهتمام «الشارع العربي. وقد أضاف الفشل الذريع للنخب الحاكمة في تنمية المجتمعات العربية من قوة تأثير هذا الشعار، بل وأضفى هالة انتظار غيبية تواقة للمُخلّص حامل الشعار. إن التهويل والتخويف من مسألة الهوية سوف يتكشف وسيعود إلى حجمه الطبيعي ليغتسل شعار «الإسلام هو الحل»، من حمولته الأيديولوجية، ويُختبر في مختبر الوعي الشعبي. فالحل الوحيد هو التجربة العملية والانخراط في الواقع وتنزيل الشعارات الأيديولوجية من عليائها إلى أرض التطبيق. وعندها فقط ستسير المجتمعات نحو بناء صحي ومتوازن. ومن دون شك فإن ذلك سيتطلب مرحلة طويلة وربما أيضاً مريرة. ولكنه الثمن الوحيد للخلاص.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...