الأنبار ترسم خارطة العراق

ليست الأنبار مجرد مدينة عراقية، فهي محافظة مترامية الأطراف تبلغ نحو ثلث مساحة العراق، كما أنها امتداد طبيعي للعراق مع ثلاث دول عربية هي الأردن والسعودية وسوريا، بالإضافة إلى كونها تضم بين ثناياها الديمغرافية، أكبر العشائر العراقية التي تتوزع بالإضافة إلى الأنبار في العديد من المدن العراقية الأخرى وهي عشائر الدليم، يضاف إلى كل هذا وذاك أنها كانت المدينة التي طالما خرجت خيرة علماء العراق في مختلف تخصصاته، كما أن لهذه المحافظة رمزيتها التي لا يجب أن تغيب عن أية قراءة واقعية ومنطقة للوضع في العراق اليوم. الأكيد أن الجبهة التي فتحها المالكي مع عشائر الأنبار لن يكون قادرا على التحكم في توجيه نهاياتها وأيضا تحديد مآلات الأمور فيها، فالأنبار وبعد ما يقارب الثلاثة أسابيع وهي تقاوم جبروت وطغيان المالكي وترد قواته التي تسعى لاقتحام الفلوجة وأيضا تسعى للسيطرة على بعض المناطق في وسط مدينة الرمادي. بعد معارك الأسابيع المنصرمة، تيقن المالكي أن قواته شبه منهارة وأن هناك حالات تمرد كبيرة في جيشه بمجرد أن يعرفوا أنهم سينقلون إلى جبهة الأنبار، وهو أدرك ذلك مبكرا، وعرض التفاوض بشكل علني أو تحت الطاولة، غير أن زيارة وزير خارجية إيران جواد ظريف إلى بغداد غيرت وجهة المالكي وعاد يرعد ويزبد، حيث تشير بعض المعلومات إلى أن ظريف أبلغ المالكي ضرورة حربه على الأنبار تحت شعار الحرب على الإرهاب، واعدا إياه بمده بما يلزم من دعم لوجستي لحسم المعركة لصالحه. جبهة المالكي معروف إلى ما تبغي وتطمح، فالانتخابات المقبلة لنوري المالكي هي المغنم الأكبر الذي يريد المالكي نيله عقب هذه الصولة، فبعد أن أيقن أنه لا ولاية ثالثة في ظل انتخابات تجري بالحد الأدنى من الظروف الواجب إجراؤها، فتح جبهة الأنبار، تحت شعار المعركة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد، وبدا يجمع حوله الشيعة خاصة وأنه لم يكتف بذلك بل زاد بأن فجر العديد من السيارات المفخخة في بغداد وتحديدا في أحيائها الشيعية، حتى إن المتابع ليتساءل، كيف للقاعدة وداعش أن تقاتل المالكي في الأنبار وأيضا تتمكن من تفجير كل هذا الكم الهائل من السيارات في بغداد؟ عموما، باتت اللعبة مكشوفة غير أن الشيء الذي ما زال غير مكتشف وغير معروف النهايات هي مطالب سنة العراق، فهم اليوم وفي أثناء خوض معركتهم ضد المالكي وجبروته، بحاجة إلى وضع تصور لمطالبهم ما بعد هذه المعركة، لأن معركة سنة العراق اليوم ليست معركة سلاح وحسب وإنما أيضاً معركة سياسة. ربما بات الحديث عن إقليم سني يحفظ لأهالي هذه المحافظات كرامة أبنائهم، مسموعا أكثر من أي وقت مضى، وربما بات هو الخيار الأكثر مناسبة، خاصة أن المالكي استبق ذلك بأن أعلن عن تسمية تلعفر الموجودة في محافظة الموصل وتسكنها أغلبية تركمانية شيعية محافظة، وذات الشيء فعله مع طوزخورماتو في صلاح الدين. قد لا تنجح خطة المالكي بإعلان المحافظتين الجديدتين ولا تمر عبر بوابة البرلمان، غير أنها تكشف خوفا متصاعدا وفعليا لدى المالكي وفريقه من إعلان السنة لإقليمهم الخاص، لأنه يعرف حينذاك أن جزءا كبيرا من مخططاته ستفشل وتذهب أدراج الرياح، وربما سيعجل مثل هذا الإقليم بسقوط بشار الأسد بعد أن تقطع عليه الحبل السري الذي يمده بالدعم عبر بوابة العراق. نعم معركة الأنبار لن تكون عسكرية وحسب وإنما هي سياسية أيضاً وبامتياز، والكرة الآن في ملعب السنة، علماء ومفكرين وساسة ومثقفين، للتعجيل بإعلان إقليمهم، وتثقيف أبنائهم بأن الإقليم لا يعني الانفصال، وإنما هو نظام إداري يمنع عنهم قمع المالكي وجنده. معركة الأنبار اليوم ترسم خارطة سياسية جديدة للعراق، بدأت مع تفاعل الكثير من المحافظات السنية المنتفضة مع دعاوى الإقليم، وبالتالي فإن المقبل من الأيام ربما سيحمل مفاجآت لم يكن يتوقعها المالكي وفريقه السياسي.