


عدد المقالات 604
التسويف وإضاعة الوقت والمماطلة كلها عناوين عريضة في وصف الموقف الإثيوبي من أزمة سد النهضة وهو محل أزمة ثلاثية الأبعاد بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، وإن كانت بدرجات متفاوتة نابعة من شعور كل طرف بأهمية مشروع بناء السد بين من يعتبره أحد مشروعات القرن التي ستنقل إثيوبيا نقلة تنموية ضخمة وتساهم في ازدهار اقتصادي غير مسبوق، وبين من يرى أن تأثيراته على الحقوق التاريخية في مياه نهر النيل مسألة حياة أو موت خاصة أن توابعه قد تساهم في نقص حصة مصر من المياه مصدر الحياة في ظل دخول مصر منذ سنوات مجال الفقر المائي. أما السودان فهو حائر بين الطرفين يحكم موقفه الحرص على الجوار الجغرافي ولكن انزعاجه من السد ليس على المستوى المصري، ويصبح السؤال المطروح إذا كانت المماطلة تحقق مصالح إثيوبيا كما هو واضح فماذا عن مصر وحكومتها؟ التي صدرت للشعب المصري بأن الأزمة في طريقها للحل عندما تدخل فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووقع اتفاق مبادئ مع الطرفين السوداني والإثيوبي، ولم يكن الأمر على هذا النحو إطلاقا، بل كان بداية لسلسلة لم تنته من الأخطاء -التي تصل إلى حد الكوارث- تدفع مصر ثمنها حتى الآن ولسنوات قادمة. آخر التطورات على الصعيد السياسي للأزمة اجتماع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين على هامش مشاركتهما في أعمال الأمم المتحدة الأخيرة وتوقع الجميع أن يحدث تحريك للمياه الراكدة في ملف الأزمة مع الكلام الجميل والتصريحات الوردية التي أطلقها المسؤول الإثيوبي من قبيل التأكيد على التزام بلاده بما تم الاتفاق عليه في إعلان المبادئ وأنها لم تغير التزاماتها وأن الموضوع سيكون ضمن أولويات الحكومة الجديدة وأن سد النهضة سيكون نموذجا للتعاون بين الدول الثلاث وتم الاتفاق في اللقاء على أن يتم عقد اجتماع للجنة الوطنية المشكلة من الدول الثلاث في الأسبوع الأول من الشهر الحالي وأرسل وزير الري المصري دعوات الاجتماع لنظريه السوداني والإثيوبي فلم يرد أي منهما، وللخروج من هذا الحرج روجت الأجهزة المعنية في مصر أنه تم تأجيل الاجتماع لانشغال أديس أبابا بالانتخابات البرلمانية في تبرير ساذج وكأن ذلك لم يكن في حسبان كل من الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي عندما اتفقا على الموعد وبدا البحث عن موعد جديد يقال إنه في نهاية هذا الشهر دون تحديد ليوم معين رغم أن الاجتماع مخصص فقط للبحث في الخلافات المثارة ببن مكتبين هولندي وفرنسي تم التوافق عليهما للقيام بالدراسات الخاصة بمدى تأثير مشروع السد على الاحتياجات المائية لمصر في ظل انسحاب المكتب الهولندي نتيجة إصرار إثيوبيا على تولي الفرنسي المهمة وله سابق أعمال في أديس أبابا وقد يكون ذلك مبررا لتبنيه وجهة نظرها على أن يكون هو المكلف بالملف على أن يحدد بعض المهام للهولندي. وحقيقة الأمر أن التنازلات المصرية بدأت مبكرا منذ يوم توقيع عبدالفتاح السيسي على وثيقة إعلان المبادئ في الخرطوم وزيارته إلى أديس أبابا وإلقاء خطاب أمام البرلمان الإثيوبي يومها روج الإعلام المصري لصورة قيادات الدول الثلاث على أنها نهاية سعيدة لأزمة خطيرة وأن ذلك تم بفضل جهود الرئيس المصري ودفاعه عن حقوق بلاده ولم يكن الأمر بهذه الصورة، بل العكس هو الصحيح لدرجة أن وزير الري السابق الدكتور نصر علام وصف ما حدث بأنه «انبطاح» كما أن أحد الدروس التي يتعلمها السياسيون أن النوايا الطيبة لا تفيد في أمور المصالح الدولية خاصة إذا تعلق الأمر بمشروعات على مستوى سد النهضة يومها أدرك المفاوض الإثيوبي حاجة الجانب المصري إلى تحقيق أي إنجاز يمكن تسويقه داخليا دون أدنى تأثير على مخططات إثيوبيا في السير في المشروع فلم يكن لديها مانع وحقيقة الأمر -وفقا لخبراء في القانون الدولي والري- فقد قدمت مصر في ذلك الإعلان العديد من التنازلات وتعاملت بجهالة شديدة وارتكبت أخطاء كارثية ندفع ثمنها حاليا ومستقبلا وهي أكثر من أن تعد أو تحصى ومن ذلك: أخطأت مصر أولا بالموافقة على بند اعتبار إثيوبيا صاحبة سيادة كاملة على مواردها المائية رغم أن نهر النيل محل النزاع مياه مشتركة وتقتصر سيادة أديس أبابا على مياها الداخلية. أخطأت مصر ثانيا عندما وافقت على وصف نهر النيل بأنه عابر للحدود والأصح أنه نهر دولي، فالوصف الأول في صالح إثيوبيا ويضر بمصالح مصر. أخطأت مصر ثالثا بعدم المطالبة بوقف بناء السد والعمل فيه لحين انتهاء الدراسات الخاصة به وها هي النتيجة، من المتوقع أن تنتهي المرحلة الأولى من السد في أكتوبر القادم، بل انتهت إثيوبيا من بناء %٥٠ منه وما زالت مصر تبحث في عقد الاجتماع الأول للمكاتب المكلفة بدراسة تأثيراته. أخطأت مصر رابعا عندما لم تضع تعريفا واضحا لفكرة الضرر الجسيم المنصوص عليه في إعلان المبادئ مما يجعله عرضة لتفسيرات مختلفة. أخطأت مصر خامسا عندما لم تترجم فكرة الاستخدام العادل والمنصف للمياه ولم يتم الاتفاق على كمية هذا الاستخدام. أو النص على الحقوق الثابتة لمصر في حصتها من المياه. أخطأت مصر سادسا عندما وافقت على أن تحديد مدة عام ونصف للانتهاء من الدراسات والتوافق حول سياسات التشغيل المبدئي والتخزين ولكنها لم تحدد موعد بدء تلك الدراسات مما أتاح الفرصة إلى مزيد من إضاعة الوقت في تحديد المكاتب المكلفة بتلك الدراسات وحل الخلاف بين المكتبيين اللذين تم التوافق عليهما. أخطأت مصر سابعا عندما اعتمدت على الدعاية والإعلام لخداع الرأي العام المصري بأخبار كاذبة من نوعية أن الصين سحبت استثماراتها وأن الشركة الإيطالية توقفت عن التنفيذ بل هناك من روج لوجود تصدعات في جسم السد ووصل الأمر بأحد ما يطلق عليهم «خبراء استراتيجيين» أن يقول إن السد سينهار لحاله من تدفق المياه وإن السودان سيغرق وإن مصر ستملأ بحيرة ناصر. أخطأت مصر ثامنا عندما لم تفرق بين البحث الجدي عن الحقوق وبين الترويج لمشروعات داخلية تعرف الحكومة أنها ذات طابع دعائي ففي الوقت الذي تتحدث فيها عن دخول مصر مجال الفقر المائي وتعتبر ذلك هو الأساس الذي تخوض به المواجهة مع إثيوبيا حول السد نجدها تتحدث عن مشروع لاستصلاح ٤ ملايين فدان تواضعت قليلا فوصل الرقم إلى مليون ونصف مؤخراً وقد يقول قائل إن ذلك سيتم باستخدام المياه الجوفية والدراسات تؤكد حدوث انخفاض حاد في مناسيب تلك المياه خاصة في الخزان الجوفي النوبي في الصحراء الغربية منذ بداية استغلاله في الستينيات وحتى الآن. لقد جربت مصر المسار الفني عن طريق اللجنة الوطنية بين الدول الثلاث فلم تنفع والأمور تراوح مكانها. وجربت أيضاً المسار السياسي عن طريق تدخل قيادة البلدين فلم يجد ولم يعد أمامها سوى التأكيد على أن المطلوب ليس هدم السد ولكن تعديل عمليات الملء والتشغيل وتقديم مبادرة والضغط باتجاه الموافقة الإثيوبية عليها تطالب بالتوقف عن إنشاء السد عند حد معين على أن تستمر دراسات اللجنة الوطنية فإذا أثبتت الدراسات أن السد يضر المصالح المصرية فتلتزم إثيوبيا بسياسات تشغيل لتقليل هذا الضرر وتعويض مصر عن ذلك ولو ثبت العكس فيتم تعويض إثيوبيا كما يمكن فتح الباب أمام وساطات دولية وهناك من أبدى استعداده لذلك. أما اجتماع اللجنة الوطنية حتى إذا تم في موعده خلال هذا الشهر فلن يجدي نفعا!! usama.agag@yahoo.com •
لا أدري إذا كانت تصريحات المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، حول حقيقة ما جرى منذ هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الغادر على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل من العام الماضي، نوعاً من إبراء...
عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل أكثر من مائة وخمسين عربي في مصر والسودان، فنحن في حاجة إلى الاصطفاف والحذر، والحرص في التناول والتعامل أثناء التعامل مع ملف سد النهضة، وعندما تكون القضية تخصّ شريان الحياة،...
هاهي أميركا تجني ثمار ما زرعته في العراق، فبعد أكثر من 17 عاماً من غزوها العاصمة بغداد، تجد نفسها مجبرة على الدخول في حوار استراتيجي مع حكومة الكاظمي؛ للاتفاق حول شكل وحجم قواتها هناك، بعد...
إن أي مراقب محايد وحريص على التجربة الديمقراطية الوليدة في أعقاب أنجح نماذج الربيع العربي، لا بدّ أن يقرّ ويعترف بأن هناك أزمة حقيقية تعاني منها تونس، وبداية الحل في الاعتراف بوجودها، والاتفاق على آليات...
عندما يجتمع «الهوان» العربي، و»التخبّط» الفلسطيني، مع «الدعم» الأميركي، وموقف «إبراء الذمة» الأممي والأوروبي، فالنتيجة أن المشروع الإسرائيلي لضمّ 30% من الضفة الغربية -وهو قيد التنفيذ- في يوليو المقبل سيمرّ، وعلى الجميع أن يتنظر خطوة...
بكل المقاييس، فإن شهري يونيو ويوليو المقبلين هما الأخطر في مسار أزمة سد النهضة، وسيحددان طبيعة العلاقات المصرية السودانية من جهة، مع إثيوبيا من جهة أخرى، وكذلك مسار الأحداث في المنطقة، وفقاً للخيارات المحدودة والمتاحة...
أسباب عديدة يمكن من خلالها فهم الاهتمام الاستثنائي من جانب الكثيرين من المعلّقين والكتّاب -وأنا منهم- بقضية سدّ النهضة، والأزمة المحتدمة على هذا الصعيد بين مصر وإثيوبيا والسودان، ومنها أنها تتعلّق بحاضر ومستقبل شعبين عربيين،...
بعد عدة أشهر من استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، كان الخيار الأول لمن يخلفه هو مصطفى الكاظمي رئيس الاستخبارات العراقية، ولكنه تحفّظ على قبول التكليف، ووسط عدم قبول كتل شيعية له؛ ولكنه أصبح...
المتابعة الدقيقة لمسيرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تؤكد أن الرجل لم ولن يتغير؛ فقد ظهر بشكل كوميدي لأول مرة في فبراير 2014، داعياً الليبيين إلى التمرّد على المؤتمر الوطني العام المنتخب من قِبل الشعب الليبي،...
أزمات لبنان الحقيقية تبدأ وتنتهي عند المحاصصة السياسية والطائفية، يضاف إليها الرغبة في التسييس والتأزيم، مع تمترس كل طائفة وتيار وحزب سياسي وراء مواقفه، دون الرغبة في اللجوء إلى التسويات السياسية، أو لقاء الآخر عند...
لن تخرج الاحتمالات الخاصة بتمرير الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن هذه الاحتمالات؛ إما أن ينجح الرجل فيما فشل فيه سابقاه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، ويصل إلى التشكيلة المناسبة ليتم تمريرها عبر مجلس...
لا أسامح نفسي على إطراء شخصية مثل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يقع في إطار إقرار واقع وقراءة في مسيرة الرجل، الذي استطاع عبر سنوات طويلة، أن يستخدم أدواته بصورة جديدة، ليحتفظ بالموقع طوال...