


عدد المقالات 103
لم أكن وحدي التي لمست ألمه والغصة التي تسكن حلقه حين كان يحاول المرور في باب ضيق. أو عندما هم لارتداء ملابسه.. كان غضبه من وزنه يزداد. ومع الوقت أدركنا أن غضبه كان مع نفسه وليس مع وزنه. برغم بساطة الفكرة، فإنها أخذتنا بعيدا إلى أعماق شاب ممتلئ الجسد، يتعذب مع حمولته الزائدة لكنه أيضاً يزداد نهما للطعام كلما مرت به ضائقة أو خاصمته الحياة. الفيلم الكوميدي المصري الجديد «إكس لارج» قدَّم جرعة نظيفة من الكوميديا مغموسة بفكرة إنسانية راقية تمس كثيرين، فزيادة الوزن صارت ضيفا على كل بيت عربي.. ربما صارت ضيفا بدرجة أو أخرى على أغلب البشر في دول المنطقة. وفي العالم الذي يقترب من سبعة مليارات إنسان هناك مليار منهم يعانون من زيادة الوزن. وعلى غير العادة، لا يسخر النص من جسد بطل الفيلم وهو «أحمد حلمي». إنما اقترب من الإنسان فيه لنجد أنفسنا أمام شاب مرهف الحس، خلوق وموهوب، لكنه رغم ذلك يتغاضى عن أزمته. ذلك أنه كلما ازداد وزنا ازداد اغترابا عن نفسه ليدخل بعد مرحلة الاغتراب إلى مرحلة الغضب من ذلك الوزن وعقاب الذات عليها. وبالطبع يتركز العقاب في مزيد من الأكل الذي يترجم إلى مزيد من الوزن. وتصبح زيادة الوزن مبررا لعقاب جديد فيزداد الطعام.. وهكذا، ليبقى الإنسان أسيرا لتلك الحلقة الدائرية التي تنتظر من يكسرها. جاءت البطلة الجميلة الذكية لتكون هي المبرر لكسر الحلقة الجهنمية الدائرية التي تدفع الإنسان للاستمرار في عقاب ذاته. البطلة «دنيا سمير غانم» زميلة الدراسة في المرحلة الابتدائية التي طالما احتفظ برسائلها بين أوراقه المهمة ظهرت مرة أخرى في حياته على موقع الفيس بوك. عندما تواصل معها توقعت أن تلقى زميل الدراسة وقد صار شابا فارعا وسيما. لم تتوقعه ممتلئ الجسد. وهنا تتبلور أزمة الشاب: أين يخفي جسده؟ يجد الحل في الكذب عليها.. تماما كما نكذب جميعا إزاء مشكلاتنا المزمنة، فمن يعاني ضعفا في عمله يواجه ضعفه بالكذب على نفسه وادعاء التميز عوضا عن محاولة تطوير قدراته. والذي يعيش في علاقة مرهقة تستنزفه يعوض نفسه بالأحلام الكاذبة، فيواجه القسوة أو التجاهل بانتظار لحظات الرقة التي لن تأتي. ويستمر في الانتظار عوضا عن كسر حلقة الاستنزاف والجفاف الإنساني التي يعيشها. تستمد تلك الحلقة العدوانية قدرتها على الاستمرار من استمرار حالة الخصام التي نعيشها مع أنفسنا، فكثير منا يعيش في خصومة مع ذاته. وقد تعرض كثير من الدراسات إلى أن أغلب الشباب العرب لم يستطع الرد على سؤال «كيف تحب نفسك؟». كان السؤال ذاته مفاجأة لهم. وأعتقد أن سؤالا مهما أيضاً يجب أن يُسأل: «هل تحب نفسك؟». أو فلنَصُغه بطريقة أخرى: هل تؤذي نفسك؟ الواقع أن كثيرا منا يؤذي نفسه بأفعال شتى. تختلف مبررات الإيذاء ودرجته من إنسان لآخر، لكن علينا جميعا أن نبدأ بوضع يدنا على مظاهر إيذاء النفس.. فمن ينام أقل مما يحتاج إليه جسده فهو يؤذي نفسه.. من يقبل ضغوطا نفسية ستتركه حطاما يوما يؤذي نفسه.. من يعمل ما يكره فهو يؤذي نفسه.. من يأكل طعاما لا يحتاج إليه جسده فهو يؤذي جسده.. من يُقتِّر على روحه فلا يدعها تتنفس هواءً نقياً أو ترى جمالاً بهياً أو تشاغب أفكاراً أخرى تنعش عقله وثوابته فهو يؤذي نفسه. إن أنواع وأشكال الإيذاء لا تنتهي.. لكن علينا أن ندرك ما يخصنا منها. في الفيلم، أدرك البطل ومن حوله أن وسيلته لإيذاء ذاته كانت في التهام الطعام.. وقد تفوق السيناريو في مرات عديدة حين خرج عن الطرح التقليدي الذي يرى الرشاقة حالة لجذب إعجاب المجتمع ورضائه. بل إن الفيلم أشار بوعي إلى أن حالة الجسد ووزنه زائدا أو نحيفا هي أمر مرتبط بالإنسان ذاته، وليس بآخرين، فليس عليّ أن أُعجِب أحدا، بل عليّ أن أُعجب نفسي، وأن أتقبل شكلي وأحبه وأتصالح معه.. وإن لم أتصالح معه واغتربت عنه، فهنا يجب أن يبدأ التفاوض معه لتغييره، لكي يلبسني وألبسه؛ فالجسد والذات يجب أن يتصالحا.. وإلا بدأت دورة العقاب الدائري. مع ظهور زميلة الدراسة واكتشاف قلبه للحب للمرة الأولى بدأ يواجه نفسه في مفارقات كوميدية تارة وإنسانية مؤثرة تارة أخرى، ليكتشف كم ابتعد عن نفسه، وكم انغمس في العمل والطعام ومشكلات الآخرين، ونسي أن ينسج أحلاما وأن يسأل نفسه عما تحب وتكره.. كان قد انغمس في الاعتياد والتكرار وصار، كأغلبنا، أقرب للآلة، فظهرت هي فجأة لتعيد تذكيره بالحقيقة: إنه إنسان، يملك قلبا وروحا وكلاهما في حاجة للحب. ولكي يحب عليه أن يحب نفسه أولا.. لم يكن إنتاج الفيلم مفاجأة، فالحالة الاقتصادية الراهنة ليست خافية على أحد. وفقر إنتاجه عوَّضه موهبة أحمد حلمي وذكاء السيناريست وبساطة الفكرة وعمقها؛ فالمضمون وإن كان يبدو على علاقة مباشرة بكل من يحمل وزنا زائدا، فهو أيضاً على علاقة بجميع أنواع الوزن الزائد، فبداخلنا قد يكون هناك وزن زائد من الألم، أو وزن زائد من الإنكار، أو وزن زائد من التعنت، أو وزن زائد من القسوة.. أو -وهذا هو الأقسى- وزن زائد من الحرمان. خرجت من الفيلم راغبة في النقر على رأس الكون لإيقاظه.. لأدعوه أن يحب نفسه، ويقدرها، يخلصها من أي وزن زائد. فعليك، وعليّ، وعلينا جميعا، أن لا نبخل على أنفسنا بالحب، ولا نقتِّر عليها العطاء والوقت، ولا نُنكر احتياجنا للتخلص من الأعباء في جميع أشكالها.. علينا أن نبدأ رحلة المصالحة.. فمتى بدأت، ستفتح كل النوافذ، وتبدأ كل الأزهار في التفتح.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...