alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

راقصة وإغراء من نوع جديد

19 ديسمبر 2011 , 12:00ص

يصعب عليَّ أن أسميه رقصا، إنه اختراق وإزعاج لباطن الأرض، لكأنما قصد به إيقاظ للمارد النائم بداخلها ليخرج وينقذهم، كانت الراقصة الفارهة قوية الملامح والحضور ترفع يدها بعنف وتدور فيتسع رداؤها متعدد الألوان، تدفعه بأطراف قدمها لتشكل لوحة استثنائية لراقصة تتحكم في كل عضلات جسدها وردائها والشال الأحمر المزروع ورودا على كتفيها. حين انتهى العرض وخرج كل الراقصين والراقصات لتحية الجمهور وجدت بوجوههم صمودا غريبا يفسر قوة اصطدام أقدامهم بالأرض، راقصات الفلامنكو الإناث يلقين احترامًا وتقديرًا من المجتمع الإسباني ومن السائحين، فعلى خلاف أغلب رقصات الشعوب التي تستعرض الأنوثة بقدر من الابتذال أحيانا، فإن رقصة الفلامنكو تنفي عن الإناث أي ضعف، وتجهض أي ظن بالإغواء، فهن أثناء الرقص في مهمة أشبه بالحرب، يطردن شبحا ما، تقطع أذرعهن الهواء قطعا، وتضرب أقدامهن الظلم والفقر بعنف من ذاق الظلم وقرر التمرد عليه. على المقهى العربي الطراز في غرناطة فسرت لي باحثة إسبانية سر فلامنكو إسبانيا قائلة إنه كان إحدى وسائل التعبير عن الرفض التي استخدمها الإسبان خاصة الغجر منهم، فقد سن الملك فرناند وزوجته الملكة إيزابيل قانونا يقضي على كل سكان إسبانيا بتحويل ديانتهم إلى المسيحية الكاثوليكية، وإلا كان عقابهم الرمي بالرصاص، لذلك هرب المضطهدون إلى غرناطة التي كانت تحت سيطرة المسلمين وظهر غناء ورقص «الفلامنكو» الحزين الذي يعتمد على الإيقاع وسرعة ضربات الأرجل المعبرة عن الغضب والإستياء. وبينما يزدهر الفلامنكو في الجنوب الإسباني بين متوسطي العمر ويشغل موقعا هاما في كافة المدن القديمة كما الحال في مدريد وبرشلونة، فإن الشباب الإسباني يبدو وكأنه لم يعد يكتفي بالرقص وسيلة للرفض، ففي أبريل الماضي اجتاحت مدريد ومن بعدها عشرات المدن الإسبانية مظاهرات هائلة استدعت نموذجي تونس ومصر، حيث أقام الشباب لشهرين في الميادين الكبرى احتجاجا على البطالة التي يعاني منها %20 من الشباب وفقا للإحصاءات الإسبانية الرسمية، لكن الشباب يؤكدون في كل مكان على أن البطالة تتعدى %45، وأن نصف خريجي الجامعات لا يعملون وحين تبتسم لهم الأقدار فإن المهن الهامشية هي المتاحة، لذلك خرجوا لينذروا الحكومة اليمينية الجديدة التي تخلف حكومة الاشتراكيين بعدم تهاونهم في أمر البطالة وباستخدامهم وسائل رفض عالية الصوت مزعجة بعيدا عن موسيقى الفلامنكو، إسبانيا التي تتنافس مع فرنسا في أعداد السائحين تعاني الانتكاسة التي حلت على دول الاتحاد الأوروبي ويدفع العاملون بقطاع السياحة الثمن مضاعفا، فالفنادق التي كانت محجوزة دوما وعلى مدار العام صارت مستعدة لاستقبال الزائرين في أي وقت، والإيجارات التي كانت تنافس السحاب ارتفاعا تواضعت وانخفضت للنصف. كما هي العواصم الأوروبية الكبرى يسهل فيها التعرف على وجوه عربية في وسط المدينة، وفي مدريد وقرطبة وإشبيلية التقيت بوجوه مغربية، كنت غارقة في اللغة الإسبانية ألاحق الأحرف لعلى أفهم كلمة أو بعض كلمة، لأجدني مباشرة أمام كتاب صغير يحمل اللغة العربية، تجاهلت الأصول واطلعت في كتاب جارتي في سيارة المترو لأجده أدعية إسلامية، نظرت إلي وابتسمت حين أخذنا نقرأ معا في نفس الكتاب على غير موعد، قدمت فاطمة المغربية إلى مدريد من خمس سنوات مع زوجها وابنها الوحيد، وبعد عام اختفى الزوج، عملت في تنظيف المنازل لفترة، ثم استقر بها الحال بالعمل في أحد المطاعم، نفت بشدة حين سألتها ألم تفكري في العودة إلى المغرب؟ قالت أنا أعمل عملا بسيطا، لكني لا أشعر بالخجل منه، هنا أشعر بالاحترام برغم الفقر، وفي بلادنا دائما ما يتزامل الفقر مع الإهانة. ظلت كلماتها تضرب رأسي مستعيدة وجه محمد بوعزيزي الذي أوقد النار في جسده ردا على المهانة، وفي سوريا يموت يوميا عشرات رافضين لمهانة الظلم على يد نظام يكره الرفض. فاطمة قالت لي بلغتها البسيطة وصوتها الوديع «خلاص الناس فهمت محدش بيقبل الظلم»، استعدت كلماتها حين كنت أشاهد الفلامنكو، الرقص الرافض للظلم، والذي طوره بشر عانوا من النبذ عقودا، فحين وصل بعض الغجر القادمين من شمال الهند إلى إسبانيا تعرضوا لكافة أشكال الظلم، صنعوا موسيقاهم التي امتزجت فيما بعد بموسيقى المسلمين واليهود، وبرغم أن الملك كارولوس الثالث قد منحهم حقوقا متساوية مع الشعب الإسباني فإن موسيقاهم ظلت مخلصة للتعبير عن المظلومين تتميز بالحزن وتظهر مشاق الحياة والبؤس العام. في وسط مدريد بينما كان هناك مئات الألوف من الشباب يتمرد ويرفض، كان هناك على مقربة منهم في دار الأوبرا الإسبانية عرض تاريخي لرقص الفلامنكو، كأنه يدعم الثائرين أو يربط بين الماضي والحاضر، أو يبعث لنا برسالة تقول إن للرفض أوجها كثيرة، وإن كلمة «لا» تستحق التقدير حتى وإن جاءت مع صوت النغم.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...