alsharq

عبدالوهاب بدرخان

عدد المقالات 307

العالم ليس في أمان.. بين أوباما وبوتن

16 سبتمبر 2013 , 12:00ص

أضحت الأزمة السورية خلفيةً لتنافس مفهومين لـ «النظام الدولي» يدّعي كل منهما أنه، بلا شك، الأفضل بل الأكثر احتراماً للقانون الدولي. ولا شيء مؤكداً. فعلى العكس، كثيرون استنتجوا أن «الحرب الباردة» استعيدت بنسخة معدّلة قوامها أن يتبادل طرفاها الابتسامات والتحديات، بحسب الظروف، فيما يخوضان حرباً ساخنة جداً ودامية جداً، لكن بالوكالة. فلا جنود لهما في مرمى النار، ولا في حقول القتل بالغازات السامة، وطالما أن هناك شعوباً يقتتل أبناؤها فإنها تتيح لهما استدراج المكاسب والمصالح في المنازلة الكبرى، بأقل الجهد والأكلاف والخسائر. شكّلت المواجهة حول استخدام السلاح الكيماوي فرصة لاستكشاف مدى التزام المجتمع الدولي ما يقول إنها قِيمه. تبادل قطبا العالم اتهامات بالكذب والتلفيق. تبنّى الأميركي موقفاً لا يخلو من «الأخلاقية الإنسانية»، حتى أنه استحثّ بوارجه الحربية إلى المتوسط لتأكيد جدّية عزمه على معاقبة النظام السوري الذي لم يتردد في تجاوز «الخط الأحمر» وإعمال سلاح الإبادة في من يفترض أنهم أبناء شعبه. في المقابل، التزم الروسي نهج الإنكار للوقائع لإنكار مسؤولية حليفه النظام السوري، رغم علمه بأنه وحده يملك هذا السلاح وتقنيات استعماله، بل أسهم مع آخرين في بناء ترسانته منها. بدا الموقفان متعارضين تماماً، وخيّم مناخ حربي لـ «مهمة إنسانية» على المنطقة، ثم تبيّن أن أياً منهما لم يكن يقصد فعلاً ما يقوله؛ إذ برهنا استعدادهما لإيجاد «صفقة». فعندما أرغم فلاديمير بوتن بشّار الأسد على قبول التخلّي عن مخزونه الكيماوي كان الروسي يؤكد بذلك أنه يتهم حليفه بمجزرة غوطة دمشق في 21 أغسطس، لكنه ليس في معرض تجريمه ومحاكمته أو معاقبته وإنما يريد نزع فتيل عمل عسكري يخالف حساباته في إدارة الأزمة السورية. ومع ذلك لن يسمح بوتن للسوريين ولا للعالم بأن يفهموا المغزى الواقعي للتنازل الذي انتزعه من الأسد، بل يقترح عليهم ما يجب أن يفهموه: ليس في الأمر جريمة هنا، ولا داعي لأن نكون معنيين بالضحايا، فالمهم منع أميركا من ضرب سوريا منعاً لضرب النظام الحليف، والأهم منع أوباما من أن يصبح محارباً وربما بطلاً. رجل سلام بوتن؟ حتى هو لا يحب أن يُنظر إليه كذلك، لكنه يجد إزاءه رئيساً أميركياً تعرّف إلى سياسة الواقع من منظور المثقف وليس من منظور رجل الاستخبارات والعمل السرّي؛ لذلك لم يتردد في إعطاء نظيره الأميركي درساً -عبر مقال في «نيويورك تايمز»- فيما يجب أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة وفي الطريقة الفضلى لتطبيق النظام الدولي. لا شك أن في نقد بوتن للمغامرات الأميركية ينطوي على جوانب حقيقية خصوصاً في ضوء النتائج المعاشة في أفغانستان والعراق وليبيا، وحتى نقده لإدارة ملف الأزمة النووية مع إيران أو لمساعي حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يتسم بالعمق، لكن سلوكيات بوتن والسياسات التي ينسجها، سواء في الجوار الجغرافي الأقرب والأبعد لروسيا أو في تعزيز سعي إيران إلى سلاح نووي، لا تنم عن رؤية طامحة إلى «تصحيح» خطايا النظام الدولي الذي تهيمن عليه أميركا منذ عقود. كل ما يفعله هذا الرئيس الروسي حالياً هو دفع الابتزازات إلى حدّها الأقصى للاستفادة من ضعف الرئيس الأميركي وتردده، وقد بيّنت مقاربته للمسألة السورية أنه وضع سقفاً عالياً للمساومة وثمناً باهظاً للتخلي عن حليفه السوري. في المقابل راح أوباما منذ بداياته في البيت الأبيض يتموضع كرئيس ساعٍ إلى تصفية حروب بلاده. ساعده في ذلك أن ظروف الأزمة المالية والاقتصادية تملي الانكباب على مشاكل الداخل، وهو ما استحق عليه إعادة انتخابه لولاية ثانية. وقد تكون جائزة «نوبل السلام» المبكرة، حتى قبل أن ينجز أي عمل من أجل السلام، رسّخته نمط تفكيره. لا أحد ينقض فكرة تصفية الحروب، لكن التخفف منها شيء ومعالجة أعبائها وتداعياتها شيء آخر، وفي حال الولايات المتحدة هناك الكثير من النزاعات التي صنعتها أو زادت في تعقيدها على سبيل توطيد زعامتها ثم لم تتوافر لديها الإرادة لحلّها، تحديداً بسبب مفهومها للزعامة ولممارستها. ورغم أن أوباما رسم قواعد محددة للتعامل مع الملف السوري، أبرزها عدم التدخل العسكري المباشر، فإن التردد والتلكؤ لم يتوصلا إلى إنتاج سياسة بديلة كما لم يحسنا إدارة الأزمة لا لمصلحة الشعب السوري (وهي الغاية المعلنة)، ولا لمصلحة منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، ولا حتى لمصلحة أميركا وحلفائها (إلا إذا كانت هذه المصلحة تقتصر على ما تراه إسرائيل). وأظهرت التطوّرات أن النظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي هم الذين استفادوا من الأزمة وإطالتها، ولم يشاركهم سوى الجماعات الموصوفة بالتطرف والإرهاب التي ينبري الجميع اليوم لاعتبارها الخطر القادم ليس في سوريا فحسب وإنما في عموم المنطقة. والواقع أن الولايات المتحدة وروسيا تتفقان على ضرورة مكافحة هذا الخطر، لكنهما تختلفان في تحديد طبيعته ومصادره. والأسوأ أن فشلهما في تحمّل مسؤولياتهما لم يساهم فقط في صنعه بل يواصل في تغذيته بإحباط الحلول السياسية الصحيحة وتأجيلها، وكلما تأخرتا تبدوان كأنهما تشتريان وقتاً لهذه الجماعات التي لا تنفك تتكاثر وتتوسع ولم تعد تشكل تهديداً للنظام السوري فيما باتت عبئاً على معارضيه. من هنا أن بوتن وأوباما يرتكبان أفظع الأخطاء، ولعل العالم لم يعد في أمان من جراء السلبية التي يتّبعانها تجاه طموحات الشعب السوري من جهة، والتهور الذي جعلهما صانعين مباشرين وغير مباشرين للإرهاب.

ليبيا في لجّة نظام دولي «متضعضع تماماً»

لفت المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، بعد صمت أربعة أشهر منذ استقالته، إلى أن هذه الاستقالة كانت قراراً متأخراً. هو لم يقل ذلك، لكن تركيزه على الإحباط الذي سبّبه هجوم خليفة حفتر على...

«ضمّ الأراضي» كجريمة يقاومها العالم بالكلام

في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، قيل الكلام الأخطر والأسوأ للتحذير من جريمة إسرائيلية يجري ارتكابها علناً. إذا كان هذا المجلس بمثابة مرجع «قضائي»، باعتبار أن الشعوب تشكو إليه ما تعتبره مظلمة تقع بها، أو...

صدمة بولتون: ترمب أقلّ تطرّفاً مما ظنّه!

هل كانت شهادة جون بولتون لتغيّر كثيراً في محاولة تنحية دونالد ترمب؟ يحاول مستشار الأمن القومي السابق الإجابة في مذكراته عن الفترة التي أمضاها في المنصب، المفارقة من جهة أن بولتون يصف رئيسه بأنه غير...

إزالة «التماثيل» بين تصحيح الحاضر ومراجعة التاريخ

فجأة تحوّلت التماثيل والنصب التذكارية من معالم تاريخية ومفاخر تاريخية وجواذب سياحية، إلى رموز خزي وعار وموضع إدانة ومساءلة، أصبحت آيلة للإزالة ليس من أمام الأنظار فحسب، بل أيضاً من الذاكرة والسجلات، وحتى من التعليم...

هل تحتمل أميركا والعالم ولاية ثانية لترمب؟

لم يخطئ دونالد ترمب أبداً بالنسبة إلى معاييره الشخصية، حتى في مقاربته لواقعة مصوّرة، مثل قتل الشرطي الأبيض ديريك شوفين المواطن الأسود جورج فلويد؛ إذ أذهل الرئيس الأميركي مواطنيه جميعاً بتعامله الفظّ مع ردود الفعل...

تغطية عربية للسطو الإسرائيلي على الضفة

ما يظهر على السطح رفضٌ واستنكارٌ دولي لعملية ضم إسرائيل 30 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ما يحدث تحت السطح أن حكومة الائتلاف اليميني باشرت إجراءات الضمّ هذه على الأرض، ولا تنتظر الموعد...

مسلسل واقعي من خارج السباق الرمضاني

وسط عشرات المسلسلات الدرامية في الموسم الرمضاني، وسوادها الأعظم رديء، كان من الطبيعي أن يبرز واحدٌ من خارج السباق، ومن الواقع المعاش لا من قصص متخيّلة أو مقتبسة. أُعطي أسماء عدة، لكن أفضلها كان «صراع...

بين واشنطن وإسرائيل مجرّد تصويب للأولويات

لكي يخرق وزير الخارجية الأميركي الحظر «الكوروني» ويسافر إلى إسرائيل، ذهاباً وإياباً من دون توقّف، لا بدّ أن ثمّة شديداً قوياً يتطلّب ضبطاً، رغم أن طبيعة العلاقة بين إدارة دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو لا تعاني...

خيار الكاظمي بالعراق في مسار صعب وواعد

مع رئيس الوزراء الجديد يفتح العراق صفحة غير مسبوقة، منذ سقوط النظام السابق، ذاك أن مصطفى الكاظمي لا ينتمي إلى أي حزب عقائدي ديني، كما كان أسلافه إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد...

ما بعد «كورونا».. هل هو فرصة لمنطق الطغيان؟

السؤال مطروح غرباً وشرقاً، سواء باسترشاد ما يُعتقد أن مكافحة الصين لوباء «كورونا» كانت نمطاً نموذجياً لم يتمكّن العالم الغربي من اتباعه، ولذا فقد تبوأ المراتب الأولى في أعداد الإصابات والوفيات، أو ما يمكن أن...

في انتظار اللقاح.. أي دروس من الجائحة؟

ملامح كثيرة للتغييرات المقبلة بدأت تتراءى أمام العيون وفي المخيّلات وفي دروس المحنة الفيروسية على كل المستويات الفردية والجماعية، بغضّ النظر عما إذا عانى الشخص أو لم يعانِ فقداً في عائلته أو صداقاته، وعن مدى...

بين فيروسات وبائية وفيروسات سياسية

لن تختلف تقديرات الخسائر كثيراً في حال «كورونا» عما هي في أي حرب عالمية. ولا يمكن توجيه اللوم لجهة أو لأحد بالنسبة إلى الوباء، رغم أن الانفعالات اندفعت هنا وهناك إلى مزالق سياسية وعنصرية شتّى،...