


عدد المقالات 307
لم تخلُ المواقف الدولية حيال الأزمة المصرية من حيرة وبلبلة وارتباك. الأكثر دلالةً كان تقافز الإدارة الأميركية طلوعاً ونزولاً حسب بورصة التنديد في ميادين القاهرة. لدى واشنطن اقتناعات وانحيازات أبقتها مكتومة وعكفت على مراقبة مسار الأحداث. فعلت ذلك خلال ثورة 25 يناير 2011 إلا أن موقفها الحقيقي ظهر من خلال أداء القوات المسلحة التي أصبح معلوماً أنها دفعت حسني مبارك خطوةً خطوةً على طريق التنحّي. أما في 30 يونيو فكان الجيش شريكاً للشارع المناهض للرئيس منذ ما قبل الاحتشاد في الشارع، ثم في برمجة استخلاص العبر وتحديد المهلة الزمنية، وصولاً إلى تحقيق الهدف: عزل محمد مرسي، في سيناريو قريب من تنحية مبارك لكن بـ «علانية» بارزة. أصبحت المنازلة صعبة ومعقّدة: إما أن ينكسر الجيش، وإما أن تنكسر جماعة «الإخوان المسلمين». وضعٌ مستحيل آخر يشبه كل الأوضاع التي عاشتها مصر بعد 25 يناير، وتجلّت بأكثر صورها بلاغة في الانتخابات الرئاسية بين مرشحين ترفضهما كتلة الناخبين الوسطيين فتوزعت أصواتها بينهما على مضض، فكلاهما شكّل خياراً غير مناسب لمصر في تلك اللحظة، لحظة الخروج من نظام سقط لدخول نظام يلزمه وقت كي يتبلور. لم تكن مصر راغبة في رئيس من «الفلول»، ولم تكن جاهزة لرئيس من «الإخوان». لعل هذا هو التشخيص الأكثر دقة لما عاد فتفجّر بعد سنة. كان ممكناً تفادي الانفجار لو أن الحنكة أسعفت الرئيس المنتخب وجماعته للإقدام على أحد أمرين: إما الإنجاز الملموس والسريع في وقف الانهيار الاقتصادي، وإما استباق احتمالات التعثر بائتلاف سياسي واسع يشارك في الحكم ويتقاسم المسؤوليات ويوفّر الشبهات والاتهامات بـ «خطف الثورة» أو «سرقتها» أو حرفها عن أهدافها.. طبعاً هناك أسئلة كثيرة تُطرح:... والشرعية، ماذا عنها، ألم تُنتهك؟ وتصرف الجيش، أليس انقلاباً عسكرياً؟ والملايين التي تقابلها ملايين، أقل أو أكثر، لماذا يؤخذ بجانب منها دون الجانب الآخر؟ ومؤيدو الرئيس المعزول أليسوا أيضاً مصريين، أليس من حقهم الدستوري المطالبة بإعادته إلى منصبه؟ والاعتقالات وإقفال القنوات الإعلامية، وأخيراً المقتلة أمام دار الحرس الجمهوري، أليست هذه ممارسات قمعية وإجرامية خالصة؟.. لتقابلها أسئلة مضادة: ألم يكن معلوماً أن الشعب لن يترك الشارع قبل أن يتأكد بأن أهداف ثورته تحققت في معظمها الأهم؟ أوليست الشرعية «تعاقداً» لا يفكّ إلا بالانتخابات فلماذا رفض مطلب الانتخابات المبكرة ولماذا لم يجرِ التعامل معه؟ لماذا لم تعتبر تنحية مبارك انقلاباً مع أنها جاءت بـ «مجلس عسكري حاكم» طوال 17 شهراً فيما يعتبر عزل مرسي انقلاباً رغم تأكيده عزوف الجيش عن الحكم؟ والاعتقالات ألم تقابلها اعتقالات، و «الحزب الوطني» ألم يُعاقب بالحلّ والإلغاء، والملايين الذين تعلّقت مصائرهم به أليسوا أيضاً مصريين؟ الجدل يمكن أن يطول إلى ما لا نهاية، لكنه سيبقى مجرد جدل. يمكن أن يُلام الجيش على الإخراج الذي اختاره لتدخله، وعلى السيناريو الذي اعتمده لعزل الرئيس، وعلى الاعتقالات وإقفال القنوات الإعلامية. ثم إنه رغم تضارب الروايات يبقى مسؤولاً عن إطلاق النار وقتل العشرات أمام دار الحرس الجمهوري. لكن ثمة جانباً آخر من الصورة ينبغي تظهيره، فالصحيح أنه ما كان على الجيش أن يتدخل أصلاً، والأصح أنه ما كان على الحكم أن يترك المواجهة في الشارع تصل إلى هذا الحدّ طالما أن لديه كل ما تتيحه السياسة وامتنع عن استخدامه طوال الأزمة التي اشتعلت عملياً غداة الإعلان الدستوري في 22 نوفمبر 2012. لم يكن للمغالبة إلا أن تنفجر دموياً. والأرجح أن كلاً من الجيش والحكم كان مطالباً بعمل استباقي، فلو بادر الحكم لكان أقفل على الجيش، ولما لم يبادر أفسح له المجال. لقائل أن يقول هنا إن مصر دخلت مرحلة ديمقراطية تكرّست بالانتخابات وبعودة الجيش إلى ثكنه، وبالتالي كان يجب ترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها. للتكاذب يمكن القول نعم هذا صحيح. للتصارح يجب القول لا، هذا غير صحيح. إذ لم يكن سرّاً أن هذه «الديمقراطية» كانت تجربة، بدأت متعثّرة واستمرّت عليلة وانتهت معطوبة. فالكل أساء إليها، والأخطاء زرعت خلال ولاية المجلس العسكري ونضجت خلال رئاسة مرسي، وكانت أخطاء ظاهرة للعيان، بل أقدم هذا الطرف وذاك عليها انطلاقاً من سعيه إلى مصالحه الذاتية الضيّقة بمعزل عما تتطلبه المصلحة العامة التي توختها الثورة ولم تكن لديها مفاهيم جاهزة لها. السؤال المطروح الآن: إلى أين من هنا؟ سيكون من الصعب إعادة العجلة إلى الوراء، إلى ما قبل الـ30 من يونيو، كما أن صعوبات كثيرة تكتنف المضي في تسييرها كأن شيئاً لم يكن. صراع الإرادات فرض نفسه بقوة من دون أن يحدد مخرجاً واضحاً نحو الاستقرار، والفترة القصيرة التي استعيد فيها العمل السياسي لم تتح ظهور فئات وسيطة ذات مصداقية تعمل على التقارب وحلحلة الإشكالات. فعلى سبيل المثال كان ضرورياً وجود (أو إيجاد) مثل هذه الأطراف الوسيطة لإزالة العوائق أمام تلبية المعارضة دعوات الحوار المتكررة من الرئيس المعزول. لذلك تجد الأطراف جميعاً نفسها أمام امتحان وطني دقيق لا يمكن اجتيازه إلا من طريقين لا بدّ أن يلتقيا في النهاية: أولاً، الاعتراف بالحقائق كما هي. وثانياً، المرور بمرحلة انتقالية ثانية للعودة إلى الاحتكام لصناديق الاقتراع على أسس جديدة وبتحالفات أكثر لمّاً للشمل. فمصر لم تعد قابلة لأن تحكم ثانيةً من حزب واحد أياً تكن هويته.
لفت المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، بعد صمت أربعة أشهر منذ استقالته، إلى أن هذه الاستقالة كانت قراراً متأخراً. هو لم يقل ذلك، لكن تركيزه على الإحباط الذي سبّبه هجوم خليفة حفتر على...
في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، قيل الكلام الأخطر والأسوأ للتحذير من جريمة إسرائيلية يجري ارتكابها علناً. إذا كان هذا المجلس بمثابة مرجع «قضائي»، باعتبار أن الشعوب تشكو إليه ما تعتبره مظلمة تقع بها، أو...
هل كانت شهادة جون بولتون لتغيّر كثيراً في محاولة تنحية دونالد ترمب؟ يحاول مستشار الأمن القومي السابق الإجابة في مذكراته عن الفترة التي أمضاها في المنصب، المفارقة من جهة أن بولتون يصف رئيسه بأنه غير...
فجأة تحوّلت التماثيل والنصب التذكارية من معالم تاريخية ومفاخر تاريخية وجواذب سياحية، إلى رموز خزي وعار وموضع إدانة ومساءلة، أصبحت آيلة للإزالة ليس من أمام الأنظار فحسب، بل أيضاً من الذاكرة والسجلات، وحتى من التعليم...
لم يخطئ دونالد ترمب أبداً بالنسبة إلى معاييره الشخصية، حتى في مقاربته لواقعة مصوّرة، مثل قتل الشرطي الأبيض ديريك شوفين المواطن الأسود جورج فلويد؛ إذ أذهل الرئيس الأميركي مواطنيه جميعاً بتعامله الفظّ مع ردود الفعل...
ما يظهر على السطح رفضٌ واستنكارٌ دولي لعملية ضم إسرائيل 30 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ما يحدث تحت السطح أن حكومة الائتلاف اليميني باشرت إجراءات الضمّ هذه على الأرض، ولا تنتظر الموعد...
وسط عشرات المسلسلات الدرامية في الموسم الرمضاني، وسوادها الأعظم رديء، كان من الطبيعي أن يبرز واحدٌ من خارج السباق، ومن الواقع المعاش لا من قصص متخيّلة أو مقتبسة. أُعطي أسماء عدة، لكن أفضلها كان «صراع...
لكي يخرق وزير الخارجية الأميركي الحظر «الكوروني» ويسافر إلى إسرائيل، ذهاباً وإياباً من دون توقّف، لا بدّ أن ثمّة شديداً قوياً يتطلّب ضبطاً، رغم أن طبيعة العلاقة بين إدارة دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو لا تعاني...
مع رئيس الوزراء الجديد يفتح العراق صفحة غير مسبوقة، منذ سقوط النظام السابق، ذاك أن مصطفى الكاظمي لا ينتمي إلى أي حزب عقائدي ديني، كما كان أسلافه إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد...
السؤال مطروح غرباً وشرقاً، سواء باسترشاد ما يُعتقد أن مكافحة الصين لوباء «كورونا» كانت نمطاً نموذجياً لم يتمكّن العالم الغربي من اتباعه، ولذا فقد تبوأ المراتب الأولى في أعداد الإصابات والوفيات، أو ما يمكن أن...
ملامح كثيرة للتغييرات المقبلة بدأت تتراءى أمام العيون وفي المخيّلات وفي دروس المحنة الفيروسية على كل المستويات الفردية والجماعية، بغضّ النظر عما إذا عانى الشخص أو لم يعانِ فقداً في عائلته أو صداقاته، وعن مدى...
لن تختلف تقديرات الخسائر كثيراً في حال «كورونا» عما هي في أي حرب عالمية. ولا يمكن توجيه اللوم لجهة أو لأحد بالنسبة إلى الوباء، رغم أن الانفعالات اندفعت هنا وهناك إلى مزالق سياسية وعنصرية شتّى،...