


عدد المقالات 307
لم تتطرّق مجموعة دول الثماني، خلال اجتماع وزرائها في لندن الأسبوع الماضي، إلى قضية تزداد خطورة في سوريا. إذ إن استخدام قوات النظام أسلحة كيماوية بات جزءاً من واقع العمليات العسكرية. صحيح أن وتيرته لا تزال متقطعة ومتباعدة، وأن الكميات محدودة، لكن الواضح أن النظام برمج استخداماً تجريبياً يستطيع نفيه والمجادلة بأن أي اتهامات توجّه إليه ليست سوى مبالغات من المعارضة ومن الخصوم الدوليين. في أحد الأيام مطلع شهر مارس كان النبأ الأول عن قصف كيماوي قد صدر بلسان مسؤول من النظام، وقبل مرور ساعتين على الواقعة عقد وزير الإعلام مؤتمراً صحافياً لتأكيد ما حصل، متهماً قوات المعارضة، ولم ينسَ طبعاً اتهام تركيا وقطر. لكنه تحدث عن واقعة واحدة في خان العسل في حلب، وأغفل قصفاً آخر في العتيبة جنوب شرق دمشق، ولم يشر إلى وقائع مشتبه بها في حمص. لماذا ركّز على موقع خان العسل، الذي ما لبث النظام أن طلب رسمياً من الأمم المتحدة أن ترسل خبراء للتحقيق فيها؟ لو كان خان العسل في مناطق سيطرة المعارضة لما كان عرف النظام بما حصل تحديداً أو لما اهتمّ أو لكان تجاهل الأمر-كما فعل بالنسبة إلى العتيبة وحمص أو دوما وعدرا والنشائية- لكن خان العسل تقع تحت سيطرة قواته، ما يجب أن يعني أنه لن يرمي الكيماوي على «أنصاره»، ولذلك تأهب لاستثمار القضية دولياً. فهي تخدم رواياته المتفرقة عن «الإرهابيين» الذين يقاتلهم، وفوق ذلك أنهم «إرهابيون» مزوّدون سلاحاً كيماوياً، وهو أحد أسوأ أنواع الصداع الأمني التي تؤرق الدول الغربية وأجهزتها. غير أن القصص التي تفبركها مخيّلات موظفي البروباغندا للدفاع عن النظام ووحشيّته ليست دائماً واقعية. إذ ينسون أن أجهزة استخبارية كثيرة تراقب السلاح النووي في سوريا، وأحد أبرز مهماتها أن ترصد تحركاته، أي أنها لن تتساهل إطلاقاً مع وصوله إلى أيدي مجموعة في المعارضة. ومن جهة أخرى، مع افتراض أن المعارضة تملك سلاحاً كهذا -وهو مستبعد- فإنها لا تقصف عادة مناطق معروفة بأنها سكنية مدنية، بل تركز على المواقع العسكرية. لكن هل يجوز اتهام النظام بقصف منطقة تابعة لقواته؟ هناك احتمالان: الأول أن الطريقة التي تصرف بها النظام أثارت الشكوك، خصوصاً سرعة اكتشاف «الحقيقة» وسرعة استغلال الحدث. والثاني أن قصف خان العسل ربما كان «خطأً»، ولما اكتشفه اصطنع مسرحية توجيه الاتهامات ولو أنه اكتفى بتجريم المعارضة لبدا ذلك مفهوماً أما اتهامه تركيا وقطر فجعل الرواية بالغة الركاكة. هذا لم يمنع الأمم المتحدة من التقاط طلب دمشق التحقيق، وسرعان ما شكّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (مقرها لاهاي) فريقاً من الخبراء المتخصصين ووفّرت لهم المعدّات اللازمة للتحقيق، وتجمع أعضاء الفريق في قبرص للسفر. ومن المرّات النادرة لم يكن هناك أي خلافات بين أعضاء مجلس الأمن لتأييد المهمة. لكن دمشق نفسها ما لبثت أن عرقلت هذا التحقيق، كيف؟ لم يكن متصوّرا أبداً أن يقتصر العمل للتدقيق في «مزاعم» طرف واحد، وبالتالي لا بدّ من توسيع التحقيق. هنا اعترض النظام، فهو من يحدد المواقع التي يمكن للمحققين زيارتها، واعترضت روسيا أيضاً، ولم يعد معروفاً مصير المهمة. لكي يستقبل فريق المحققين كان النظام استعدّ لإغلاق المنطقة وترتيب «مسرح الجريمة» سواء بالمواد المطلوب رصدها أو بالشهادات التي يجب أن يدلي بها مواطنون مختارون بعناية، فضلاً عن المصابين بالقصف، وكان سيقدّم التسهيلات كافة، ويفترض أن تكون المواد المستخدمة من الأنواع غير المعروف أن النظام يملكها، وهكذا فهو يريد تحقيقاً تحت السيطرة، ومن دون أي مفاجأة، وعدا أن النظام لا يوافق على ذهاب المحققين إلى أية منطقة أخرى، بطلب من المعارضة، يريد أيضاً إثبات أنه الجهة الوحيدة «الشرعية»، لكن الأهم عنده أن التحقيق خارج إشرافه سيعود عليه بمفاجآت يفضل أن يجهضها مسبقاً، حتى لو كلّفه ذلك خسارة المناورة التي خطط لها. أخطر ما في الأمر أن النظام ماضٍ في إدخال أسلحة كيماوية قد يكون أحد الحلفاء وفرها له إبعاداً للشبهة عنه، ثم إنه ماضٍ أيضاً في الالتفاف على التحذيرات الدولية، خصوصاً من الولايات المتحدة التي كرر رئيسها مراراً أن استخدام السلاح الكيماوي «خط أحمر». لذلك كان مقلقاً ومؤرقاً تجاهل مجموعة الدول الثماني لهذا «الأمر الواقع» الذي أدخله النظام إلى ساحة المعركة. واقعياً، بات السوريون يعرفون أن هذا النظام المجرم الذي لم يتردد في دكّ بيوتهم بصواريخ «سكود» و «توشكا» باشر عملياً مهاجمتهم بالغازات السامة، حتى إن أحدهم قال: «بعد كل هذا الدمار، هل تظنّون أنه يحترم أي خط أحمر، لو كان عنده نووي لاستعمله منذ زمن». قد تكون مجموعة الدول الثماني أكثر حرصاً على إظهار تضامنها حول مصالحها أكثر من اهتمامها بمحنة الشعب السوري، وقد تكون اعتبرت أن خطر مواجهة نووية في كوريا فرض عليها أولوية عاجلة أوجب تشكيل أقوى تضامن دولي لاحتوائها، لكن إهمال هذا الخطر يبعث إلى النظام السوري بالرسالة التي يتوقعها. سبق له أن ترجم التحذيرات بشأن الكيماوي بأنها تطلق يده في استخدام صواريخ الدمار الشامل، ولا شك أنه بعد الآن سيتوسع في استخدام الكيماوي طالما أن الانقسام الدولي يضمن له الحماية من أية محاسبة.
لفت المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، بعد صمت أربعة أشهر منذ استقالته، إلى أن هذه الاستقالة كانت قراراً متأخراً. هو لم يقل ذلك، لكن تركيزه على الإحباط الذي سبّبه هجوم خليفة حفتر على...
في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، قيل الكلام الأخطر والأسوأ للتحذير من جريمة إسرائيلية يجري ارتكابها علناً. إذا كان هذا المجلس بمثابة مرجع «قضائي»، باعتبار أن الشعوب تشكو إليه ما تعتبره مظلمة تقع بها، أو...
هل كانت شهادة جون بولتون لتغيّر كثيراً في محاولة تنحية دونالد ترمب؟ يحاول مستشار الأمن القومي السابق الإجابة في مذكراته عن الفترة التي أمضاها في المنصب، المفارقة من جهة أن بولتون يصف رئيسه بأنه غير...
فجأة تحوّلت التماثيل والنصب التذكارية من معالم تاريخية ومفاخر تاريخية وجواذب سياحية، إلى رموز خزي وعار وموضع إدانة ومساءلة، أصبحت آيلة للإزالة ليس من أمام الأنظار فحسب، بل أيضاً من الذاكرة والسجلات، وحتى من التعليم...
لم يخطئ دونالد ترمب أبداً بالنسبة إلى معاييره الشخصية، حتى في مقاربته لواقعة مصوّرة، مثل قتل الشرطي الأبيض ديريك شوفين المواطن الأسود جورج فلويد؛ إذ أذهل الرئيس الأميركي مواطنيه جميعاً بتعامله الفظّ مع ردود الفعل...
ما يظهر على السطح رفضٌ واستنكارٌ دولي لعملية ضم إسرائيل 30 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ما يحدث تحت السطح أن حكومة الائتلاف اليميني باشرت إجراءات الضمّ هذه على الأرض، ولا تنتظر الموعد...
وسط عشرات المسلسلات الدرامية في الموسم الرمضاني، وسوادها الأعظم رديء، كان من الطبيعي أن يبرز واحدٌ من خارج السباق، ومن الواقع المعاش لا من قصص متخيّلة أو مقتبسة. أُعطي أسماء عدة، لكن أفضلها كان «صراع...
لكي يخرق وزير الخارجية الأميركي الحظر «الكوروني» ويسافر إلى إسرائيل، ذهاباً وإياباً من دون توقّف، لا بدّ أن ثمّة شديداً قوياً يتطلّب ضبطاً، رغم أن طبيعة العلاقة بين إدارة دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو لا تعاني...
مع رئيس الوزراء الجديد يفتح العراق صفحة غير مسبوقة، منذ سقوط النظام السابق، ذاك أن مصطفى الكاظمي لا ينتمي إلى أي حزب عقائدي ديني، كما كان أسلافه إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد...
السؤال مطروح غرباً وشرقاً، سواء باسترشاد ما يُعتقد أن مكافحة الصين لوباء «كورونا» كانت نمطاً نموذجياً لم يتمكّن العالم الغربي من اتباعه، ولذا فقد تبوأ المراتب الأولى في أعداد الإصابات والوفيات، أو ما يمكن أن...
ملامح كثيرة للتغييرات المقبلة بدأت تتراءى أمام العيون وفي المخيّلات وفي دروس المحنة الفيروسية على كل المستويات الفردية والجماعية، بغضّ النظر عما إذا عانى الشخص أو لم يعانِ فقداً في عائلته أو صداقاته، وعن مدى...
لن تختلف تقديرات الخسائر كثيراً في حال «كورونا» عما هي في أي حرب عالمية. ولا يمكن توجيه اللوم لجهة أو لأحد بالنسبة إلى الوباء، رغم أن الانفعالات اندفعت هنا وهناك إلى مزالق سياسية وعنصرية شتّى،...