


عدد المقالات 191
أهداني الدكتور حمد الإبراهيم مشكورا مؤخرا كتابا لمعنى الحرية والفن عند علي عزت بيجوفيتش -رحمه الله-. تأملت كثيرا شجرة نخيل في الشارع العام محاولة أن أقدر الطبيعة كما قدرها بيجوفيتش والبقية الذين عرفوا قيمة الحياة خلال فترة سجونهم الممتدة بالسنين ولم أستطع بعد. بت أفكر بجدية أن للسجن معنى والسجن وحده مدرسة، الفرد وحده يستطيع أن يتعلم منه، يستنير وحتى قد يصل إلى مراحل اليأس والانتحار. فمدرسة الإصلاح ومدرسة الفساد متواجدتان في السجون. لم أستوعب ماذا يحدث في السجون بشكل دقيق الذي قد يؤدي إلى الضغط النفسي، انعدام القدرة على الاهتمام بأي شيء، الكبت أو التقدير. رغم مشاهدتي للأفلام الوثائقية ومتابعتي لأحداث متفاوتة للربيع العربي وما قبلها من سجون بوغريب بالعراق ومصر بالسابق، فما زلت لا أستطيع تصور التأثير النفسي على ذات الفرد. من المواقف الصعبة التي تعلم السجين وتبدأ بالتأثير عليه، عند مشاركة المساجين بالصراخ بعد دفن أحد زملائهم في الزنزانة أو إعلان موعد المشنقة لأحد منهم، فقد يصل إلى القتل الجماعي وإعلام بقية السجناء أنه الدفعة الأولى نقلت إلى مكان أفضل كما حدث في سجون أوشفيتس الألمانية في بولندا المحتلة استبدادا لليهود. كيف لهم أن لا يقدروا ما يريدون تقديره وهم يرون الأهوال! فالبعض يتعلم من السجن الجدية وتصلب المشاعر والبعض الآخر يتعلم إصلاح الذات واكتشافها، ويوجد بعض آخر يفكر في الصلاح والحرية له ولمجتمعه! يختلف خريجو السجون في غاياتهم وهناك من يتخرجون من السجن بعد ما انطفأت أعينهم من ظلام إلى ظلام. التمست هالة في سيد قطب والتمست هالة أخرى في علي عزت واقشعر بدني بمجرد تصوري لمواقفهما في السجون التي حركت ساكنا في ذاتهما وأنارت لهما رسالتهما ضد «زمن الجاهلية» لسيد قطب وضد «الحرية» لبيجوفيتش فكلاهما خرج بمبادئ وغايات إصلاحية مختلفة. تذكرت سجون أوشفتس وكيف كان يضحك على الكهل بدخوله لغرفة السباحة لتطهير جسده من الأمراض، مستترين على مقصدهم من تطهير البلاد من اليهود بإبادتهم عن طريق رش غازات سامة! وما زلت لا أقدر شجرة نخيل -أبسط شيء أستطيع رؤيته يوميا- كما قدر علي عزت الطبيعة وعزز مفهوم الحرية بالنسبة له ولمجتمعه البشانقة أو مسلمي البوسنة، طبعا لا أستطيع! لم أعش في زمن استبدادي ودكتاتوري سيئ للغاية كما التمسوه شخصيا، ولم أشهد عمليات غير إنسانية مباشرة أمامي كما يشهدها من هو أمام الموقف وتدمع عينه ويبدأ بالصراخ والقهر والمناجاة مثلما يحدث الآن باستمرار في فلسطين وسوريا الآن والبلدان الأخرى، تتفنن القنوات الإخبارية بصور الجثث المختلفة بالخلفيات الصوتية والإضافات الفنية على صورة جثة (ما هذا القلب الذي يستطيع أن يتفنن على صورة جثة وينادي مشاهد ويقول له انظر واغضب! هل يكفي؟) بل لم أذق طعم المجاعة المميتة كما هو الحال مع الصومال، بل تنقل لي الصور مرة أخرى وتدمع العين لاحقا بعد ما انتهت القصة وثار الغضب ومات الكثيرون! محاولة أن أرسل نقودا كإغاثة من مكاني المريح، أو مع جمعية خيرية تختصر علي الطريق بمجرد طلبها بمبلغ معنوي ولا أدري عن مسلك الإغاثة بعدها شعرت بالخجل في هذه اللحظة وأنا أكتب هذا المقال، زمن صعب وحياة صعبة!! أستنتج أن الدنيا بنيت على أساس قهر واستبداد وظلم، حين محاولتي بتأمل النخيل فما زلت أرى ما خلفها من عمارات وتكنولوجيا حديثة أبعدتني عن تقدير ما هو رباني. أكتب المقالة بكل برود وكلي حسد وغيره على من تعلم وقدر الحياة بالطريقة الصعبة. أخيرا أريد مشاركتكم بفقرة من كتاب الحرية والفن عند علي عزت لفيكتور فرانكل الذي استطاع الفرار من سجون أوشفتس، لم أستطع تحليلها أو التعبير عنها بشكل إضافي، بما تحمل من معاني تجعلك تبدأ بالتفكير أكثر من التعبير عنها بالكتابة: يقول فرانكل: وكلما صارت الحياة الداخلية للسجين أكثر عمقا، صار السجين أيضاً أكثر نزعة إلى أن يخبر جمال الفن والطبيعة بطريقة لم يعهدها أبداً من قبل. فبتأثيرهما كان ينسى في بعض الأحيان ظروفه الباعثة على الفزع. ولو أن شخصا ما قد رأى وجوهنا من رحلة أوشفتز إلى معسكر بافاريا حينما شاهدنا جبال سالزبورج بقممها المتألقة في أشعة الشمس، من خلال النوافذ القليلة المدعمة بالقضبان في عربة السجن، فإنه لن يصدق أبداً أن تلك كانت أوجه أولئك الأشخاص الذين سبق لهم أن فقدوا كل أمل في الحياة والحرية. ورغم ذلك العامل أو سببه، استولى جمال الطبيعة على أفئدتنا مدة غير قصيرة.. ذات مساء، وقفنا خارج الكوخ وأبصرنا السحب تتقد في الغروب تتغير أشكالها وأنواعها باستمرار، قال سجين آخر: كم يمكن أن تكون الحياة جميلة! ص 83 انتهى شكراً د. حمد.
لست متأكدة ما إن كانت هذه نهاية ورقية لجريدة محلية؛ حيث يعي معها الكاتب لنهاية عموده الصحافي، أم أنها بداية جديدة بنقلة نوعية وارتقاء تكنولوجي يخلفه توديع للورق؛ إذ نحن في واقع ما بين المرحلتين:...
تصوّر لو أن المشاعر ما زالت مسطّرة بين أوراق كتب، أو ورق بردي أو حتى على قطع جلد دار عليه الدهر، تخيّل لو كان الغناء طرباً ذهنياً، وكانت الحكايات قصصاً على ورق، حين تتيح لك...
أن يمر العالم بقحط ثقافي، فهذا ليس بأمر عادي، فتبعاته كثيرة، ولكن لنعتبره في البداية أمراً وارداً في ظل الأزمات التي لم تكن في الحسبان، ولا تقف الأزمات عند السياسة، بل لاحظنا وبمرارة كيف للأمراض...
عرس، احتفال، تجمع أو عزاء، مجمع، حديقة، مقهى وممشى، هل نحن قادرون على استيعاب صدمة لم تخطر على البال؟! مصطلحات اقشعررت منها شخصياً، قد تكون الفكرة واضحة بأن الأولوية ليست في التجمعات البشرية على قدر...
كما هو الحال الراهن، تظل مسألة انتشار فيروس «كوفيد 19» مستمرة، ولا يأس مع الحياة كما يقولون، حتى ولو زادت أعداد المصابين وتدرجت أعداد المتعافين، إذ إن الآلية مستمرة ما بين محكين، عند مواجهة الإصابة...
من أبرز ما يتم التركيز عليه في الوقت الراهن هو مفهوم الهوية الوطنية، وأدرك أنني بالتزامن قد أبتعد عن احتفالات يوم وطني، وقد تكون المسألة صحية في واقع الأمر عند تكرار أهمية المفهوم وغرسه بعيداً...
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أهمية أخذ الحيطة والحذر من انتشار فيروس «كورونا» بوتيرة سريعة، كما هو حاصل مع الأعداد المتزايدة لحاملي الفيروس في الشرق الأوسط. لم تصل الحالة إلى إنذار وبائي -لا قدّر الله-...
غير مستبعد أن يُتهم المثقف بأمراض شتى، أو كما أطلق عليها الباحث عبدالسلام زاقود "أوهام المثقفين"؛ حيث تؤدي إلى موته السريع. وتُعتبر الأوهام سبباً في تدنّي إمكانياته المخلصة وولائه الإصلاحي تجاه مجتمعه، فالمثقف ما إن...
ما يحدث في المجتمعات اليوم هو في الحقيقة إخلال في الحركات الكلاسيكية، أو لنقل في المنظور القديم الذي كان يقدّم نمطاً معيناً في تسيير أمور الحياة، وهذا ليس خطأ، إنما يُعدّ أمراً طبيعياً وسليماً، عندما...
وتستمر الاحتفالات والتوقيتات التي تتزامن مع احتفالات اليوم الوطني، ولا يسعنا في الحقيقة الحديث عن مواضيع بعيدة جداً عن مسألة نستذكرها بشكل أكبر خلال موسم الاحتفالات، ترتبط بالانتماء وتعزز من المفهوم الذي طالما كان محط...
«إن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع». نظرية سردها الفيلسوف السياسي أنتونيو غرامشي، حول مفهوم النخبة. ومن هنا سأحلل المقولة وأقول إن جميع الناس مثقفون بالتأكيد، فالثقافة لا...
في البداية، دعوني أعتذر منكم على غصة انتابتني من بعد قصة واقعية مؤلمة، تأثرت بها وأدخلتني في عوالم كثيرة وتساؤلات عميقة. فحتى من الأمثلة التي ستُذكر في هذا المقال لم تُستدرج في الرواية؛ إنما هي...