


عدد المقالات 604
أكتب من الخرطوم العاصمة السودانية، التي قضيت بها عدة أيام، مشاركا في أعمال اجتماع الأمانة العامة والمكتب الدائم لاتحاد الصحافيين العرب، والتي جسدت صورة مصغرة لكل أمراض العمل العربي المشترك، لم يعد هناك فرق بين المستوى الرسمي الذي تجسده الجامعة العربية، ومنظماتها المتعددة، وبين اتحادات تمثل جهات شعبية لنخب سياسية وثقافية، تعمل دون معاناة من الأمراض المزمنة للعمل الرسمي العربي، فالخلافات قائمة، وأحيانا تستهلك وقتا وجهدا، رغم أنها تدور حول قضايا شكلية أو محسومة بفعل اللوائح، التي تحكم العمل بها، وصعوبة التوصل إلى توافق حول القضايا المطروحة. المشاركة كانت واسعة من كافة الدول العربية المنضمة إلى الاتحاد، لم يغب عنها سوى رابطة الصحافيين والإعلاميين في ليبيا، وهناك من يحاول تمثيلها من الخارج؛ للظروف التي تمر بها البلاد، ولم يتم حسم الأمر، كما هو الحال في الجزائر، فأمام الاتحاد عدد من طلبات الانضمام، من جمعيات متعددة من مناطق مختلفة من الجزائر، دون أن يكون هناك تنظيم موحد ليضم الكل. كما كان من الملاحظ مشاركة نقابة الصحافيين السوريين، فالاتحاد اختلف سلوكه عن الجامعة العربية بهذا الشأن، ولم يجمد عضوية سوريا وأبقى عليها. الاجتماعات كشفت عن تباين أساسي بين تيارين، تجاه النظرة إلى العمل داخل الاتحاد: التيار الأول ينادي بقصر الاهتمام على كل ما يخص المهنة، والدفاع عن مصالح العاملين، والبعد عن الاهتمام بأي قضايا سياسية، على أساس أن معظمها مزمن، وفشل السياسيون في إيجاد حل لها، والاهتمام بها استهلاك للجهد، ومضيعة للوقت، خاصة أن الصحف تعاني على أكثر من صعيد، وفي المقدمة البعد الاقتصادي، الذي قد يؤدي إلى اندثار الصحافة المكتوبة، لحساب فنون وأدوات صحافية جديدة، ومنها الصحافة الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، مع ارتفاع تكلفة إصدار الصحف وتراجع مداخيلها، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أثرت على سوق الإعلانات والتوزيع، وهي المصادر الأساسية لموارد أية صحيفة؛ ما يهدد بإغلاق وعدم إصدار صحف عريقة، مع صعوبة استمرار تجارب صحيفة خاصة، اعتمدت على مساهمات رجال أعمال ومؤسسات اقتصادية في الإصدار. أما التيار الثاني فيؤكد على الارتباط بين كل ما هو صحافي وإعلامي، وبين كل ما هو سياسي، فنحن أمام عمل يتعلق بالحق في المعرفة، وحرية تداول المعلومات، كما أن للصحافة أدوارا قومية ووطنية، لا يمكن فصلها عن الاهتمام بالشأن العام أو العمل السياسي، ونقابات الصحف في هذا الشأن تختلف عن غيرها من المهندسين والأطباء، التي قد لا يكون الشأن العام في مقدمة أولوياتهم، كما أن هناك حالة من الاشتباك بين كل ما هو صحافي ويمثله الاتحاد، وبين كل ما هو سياسي وتجسده الحكومات، يتمثل في التأثير المتبادل بين الجانبين والنماذج أكثر من أن تحصى، والمؤتمر كشف عن حالات عديدة، تشكل في مجملها، دفتر أحوال الصحافة في العالم العربي. السودان الذي استضاف الاجتماع، أعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق الركن بكري حسن صالح، الذي افتتح أعمال المؤتمر، خلو السجلات من أي سجين ينتمي للصحافة، وأكد على أن الحكومة تدفع باتجاه سن تشريعات، تمكن الصحافة من أداء رسالتها بلا مراقبة، أو تضييق للحريات، فضلا عن تخفيف الجمارك والضرائب على مدخلات إنتاج الصحف، كل ذلك صحيح ولكن التشابك هنا يكشفه تقرير الأمين العام للاتحاد حاتم زكريا، الذي توقف عند مصادرة عدد من الصحف السودانية، أكثر من مرة في فبراير وفي مايو من نفس العام، ما يعد -على رأي التقرير- إجراء غير مسبوق، يتناقض مع حرية الرأي والتعبير، وانتكاسة كبيرة في مسيرة الحريات الصحافية بالسودان. والأمر لا يتعلق بالسودان وحده، ولكنه يمتد إلى العديد من الدول العربية، ويؤكد أن الفصل بين ما هو صحافي وبين ما هو سياسي رفاهية غير واردة على الإطلاق، وهناك النموذج اليمني؛ حيث يعاني الإعلام اليمني ومنذ سبتمبر من العام الماضي، من توابع استيلاء جماعات الحوثي وعلي عبدالله صالح على السلطة؛ حيث تم إغلاق الصحف الأهلية، والاستيلاء على جميع مؤسسات الإعلام، وتعرضت الصحافة اليمنية لانتهاكات واعتداءات خطيرة، وصلت ذروتها إلى تعليق ملصقات بصور وأسماء صحافيين، وجهت لهم تهم الخيانة والعمالة، من كيانات مجهولة، كما تعرض العديد من الصحافيين إلى القتل، مثل عبدالله قابل، والاختطاف كما جرى للصحافي علي صالح سبحان، والسجن ومنهم وحيد الصوفي وجلال الشرعبي، ووصل الأمر إلى استخدام بعض الصحافيين اليمنيين المعتقلين دروعا بشرية، في أحد المعسكرات بمحافظة ذمار جنوبي العاصمة صنعاء. ويبدو أن الصحافة في علاقاتها بالسياسة بكل تفاصيلها ومن يمثلها، ليست على ما يرام، ومن ذلك اختطاف الصحافيين في دول النزاعات، مثلما هو عليه الحال مع عاشور التليسي المختطف في ليبيا، وهو نقيب الصحافيين الليبيين، والصحافي اللبناني سمير كساب المختفي في سوريا منذ عامين، وعندما تم طلب الاتحاد تدخل النقابة السورية في هذا الأمر، أكد النقيب إلياس مراد أنه ليست لديه معلومات عن الزميل المختطف، لأنه لم يدخل سوريا عبر الطرق الرسمية المعروفة، كما لم تعلن أية جهة من المنظمات الأخرى أنها اختطفته، أو أنه محتجز لديها، وناشد النقيب السوري كافة الصحافيين العرب والأجانب، الدخول إلى سوريا عبر الطرق الشرعية؛ حفاظا على سلامتهم وعدم تعرضهم للأذى. والعجيب والمثير في أعمال الدورة الحالية لاتحاد الصحافيين العرب، أنها جاءت خالية تماماً من أي ذكر أو إشارة لملف الإعلام أو الصحافة في مصر، بكل سلبياته، رغم أنها صاحبة أقدم تجربة في المهنة، وفي العمل النقابي، كما أنها تستضيف المقر العام للاتحاد، وهناك جهات دولية مثل الاتحاد الدولي للصحافيين، ومنظمات أخرى مشابهة، قد يكون لها رأي آخر، ورصدهم أكثر دقة ومتابعة، وإذا كان القائمون على الاتحاد، بحكم جنسيتهم المصرية لديهم حساسية من طرح الملف المصري، فماذا عن الآخرين، خاصة أن هناك عددا من الصحف تم إغلاقها، وإلقاء القبض على العشرات من الصحافيين، هم في السجون منذ ٣ يوليو ٢٠١٣ وحتى الآن، صحيح أن التهم الموجهة إليهم لا تتعلق بقضايا نشر، ولكن الجميع يدرك أنهم هناك لأسباب سياسية، ولمواقفهم المعارضة لما حدث بعد ٣ يوليو، كما تعاني الصحافة المصرية من رقابة شديدة على محتوى الصحف، ومصادرة في بعض الأحيان لأعداد منها، واكتفى الاتحاد في بيان الخرطوم بالإعلان، عن تأييده لمطالب نقابة الصحافيين المصريين بإقرار مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد، وكأن غياب هذا القانون وراء أزمة الحريات الصحافية في مصر، مع البحث عن مبررات لما أسماه الوضع السياسي العام، وتأثيراته السلبية المباشرة على واقع الحريات الصحافية والعامة، مثل الإرهاب، ومصاعب الانتقال الديمقراطي في بعض الدول العربية. ولعل نقاط الاتفاق المحدودة في المؤتمر، تدور حول ما يعانيه الصحافيون الفلسطينيون، أثناء أداء عملهم في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وقد قدم الدكتور ناصر النجار، نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تقريرا تفصيلا حول الانتهاكات الإسرائيلية والحريات الإعلامية في فلسطين، وكان طبيعيا أن يتم اتخاذ قرار من اتحاد الصحافيين العرب، بدعم توجه النقابة الفلسطينية، في إيداع ملف لدى منظمات العدالة الدولية، لمحاكمة مجرمي الحرب، عن جرائمهم بحق الصحافيين الفلسطينيين، وأيضاً دعمهم في توجههم إلى المحاكم الدولية والأوروبية. usama.agag@yahoo.com •
لا أدري إذا كانت تصريحات المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، حول حقيقة ما جرى منذ هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الغادر على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل من العام الماضي، نوعاً من إبراء...
عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل أكثر من مائة وخمسين عربي في مصر والسودان، فنحن في حاجة إلى الاصطفاف والحذر، والحرص في التناول والتعامل أثناء التعامل مع ملف سد النهضة، وعندما تكون القضية تخصّ شريان الحياة،...
هاهي أميركا تجني ثمار ما زرعته في العراق، فبعد أكثر من 17 عاماً من غزوها العاصمة بغداد، تجد نفسها مجبرة على الدخول في حوار استراتيجي مع حكومة الكاظمي؛ للاتفاق حول شكل وحجم قواتها هناك، بعد...
إن أي مراقب محايد وحريص على التجربة الديمقراطية الوليدة في أعقاب أنجح نماذج الربيع العربي، لا بدّ أن يقرّ ويعترف بأن هناك أزمة حقيقية تعاني منها تونس، وبداية الحل في الاعتراف بوجودها، والاتفاق على آليات...
عندما يجتمع «الهوان» العربي، و»التخبّط» الفلسطيني، مع «الدعم» الأميركي، وموقف «إبراء الذمة» الأممي والأوروبي، فالنتيجة أن المشروع الإسرائيلي لضمّ 30% من الضفة الغربية -وهو قيد التنفيذ- في يوليو المقبل سيمرّ، وعلى الجميع أن يتنظر خطوة...
بكل المقاييس، فإن شهري يونيو ويوليو المقبلين هما الأخطر في مسار أزمة سد النهضة، وسيحددان طبيعة العلاقات المصرية السودانية من جهة، مع إثيوبيا من جهة أخرى، وكذلك مسار الأحداث في المنطقة، وفقاً للخيارات المحدودة والمتاحة...
أسباب عديدة يمكن من خلالها فهم الاهتمام الاستثنائي من جانب الكثيرين من المعلّقين والكتّاب -وأنا منهم- بقضية سدّ النهضة، والأزمة المحتدمة على هذا الصعيد بين مصر وإثيوبيا والسودان، ومنها أنها تتعلّق بحاضر ومستقبل شعبين عربيين،...
بعد عدة أشهر من استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، كان الخيار الأول لمن يخلفه هو مصطفى الكاظمي رئيس الاستخبارات العراقية، ولكنه تحفّظ على قبول التكليف، ووسط عدم قبول كتل شيعية له؛ ولكنه أصبح...
المتابعة الدقيقة لمسيرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تؤكد أن الرجل لم ولن يتغير؛ فقد ظهر بشكل كوميدي لأول مرة في فبراير 2014، داعياً الليبيين إلى التمرّد على المؤتمر الوطني العام المنتخب من قِبل الشعب الليبي،...
أزمات لبنان الحقيقية تبدأ وتنتهي عند المحاصصة السياسية والطائفية، يضاف إليها الرغبة في التسييس والتأزيم، مع تمترس كل طائفة وتيار وحزب سياسي وراء مواقفه، دون الرغبة في اللجوء إلى التسويات السياسية، أو لقاء الآخر عند...
لن تخرج الاحتمالات الخاصة بتمرير الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن هذه الاحتمالات؛ إما أن ينجح الرجل فيما فشل فيه سابقاه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، ويصل إلى التشكيلة المناسبة ليتم تمريرها عبر مجلس...
لا أسامح نفسي على إطراء شخصية مثل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يقع في إطار إقرار واقع وقراءة في مسيرة الرجل، الذي استطاع عبر سنوات طويلة، أن يستخدم أدواته بصورة جديدة، ليحتفظ بالموقع طوال...