alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

رسالة من السماء

05 سبتمبر 2011 , 12:00ص

كانا في مستهل المراهقة. أجسامهما تتطلع بثبات نحو الانفلات من الطفولة واللحاق بعالم الكبار. دون كل الثنائيات التي راحت تتجول في الحديقة الواسعة الأنيقة. كانا منغمسين في عالمهما. يتجولان بحرية متجاهلين الأعين المراقبة التي لم تكف عن متابعة كل الأيادي المتشابكة. جذب الفتى يدها وظل ممسكا بها بقوة والفتاة تمتنع ضاحكة فيعود لجذبها. تستلم برهة. لتعود إلى طفولتها وتباغته بالعدو بعيدا عنه. ينادي عليها ويضرب الريح موسعا خطوة ليلحق بها ويسقطان ضحكا. أضاءا الحديقة بلعبهما وغزلهما البريء. انزويا تحت ظل الأوراق الوارفة يلتهمان طعامهما. دقائق وإذا بهما يخرجان من ظل الشجرة بصحبة طائرة ورقية ملونة تكاد تقاربهما طولا. بدءا محاولاتهما الأولى في دفع الطائرة للسماء. كانت ترتفع قليلا ثم تحن للجاذبية الأرضية. لكنه ومع عنادهما انتصرا للسماء فأخذت الطائرة ترتفع محلقة نحو الفضاء الواسع سابحة من دون قيود ولا حدود. ظل الفتى والفتاة يتبادلان جذب الطائرة وضبطها. انتصف النهار ورقت الشمس. ومازالت الطائرة ترتفع كأنما تحاول بلوغ الشمس بعد اقترابها. ظلا يداعبان السماء حتى هبط المساء بخجل المقتحم متيحا لكل من كان لملمة أعماله أو أحلامه والرحيل من الحديقة أو الاستكانة إلى هدوء الليل ونسماته. نامت الطائرة الملونة في أحضان الفتى والفتاة بعدما نزلت بكبرياء. فاستقبلاها بإجلال كأنما عائدة من رحلة استكشافية هامة. تراجعا للخلف موسعين لها مساحة واسعة لتهبط بأمان على الأرض الخضراء. تعجبت لكافة الحسابات التي أجريتها في عقلي قبل حديثي معهما. فقد بادلاني الحديث ببساطة وسهولة لم أجد معها مبررا لقلقي السابق. قالا إنهما قد اعتادا على زيارة تلك الحديقة كل شهر حتى صارت طقسا لا يكتمل من دونه الشهر. عددت الفتاة مزايا أيام الشتاء ودورها في رفع الطائرة للسماء السبع إذا لم يكن هناك مطر. وأضاف الفتى أن لون السماء يؤثر على ارتفاع الطائرة. فالسماء الصافية ترفع الطائرة بأسلوب يختلف عن السماء التي يسكنها كتل السحاب البيضاء. علمت منهما أن الطائرات الورقية لعبة آسيوية موغلة في القدم تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام. قادمة من الهند والصين واليابان. وانتقلت إلى أوروبا فازدهرت. بينما لم تلق الاستقبال ذاته في المنطقة العربية. وظلت لعبة محدودة الانتشار بين أطفال المناطق الفقيرة الذين هم في أمس الحاجة للتحليق في السماء. أو بين عدد محدود من أطفال الشرائح القادرة التي تتميز طائراتهم بإمكانات أكبر وخيوط أقوى. لكن مهما تتزخرف الطائرة الورقية فمهمتها واحدة. سألت الفتاة بعد تصريحها الحاسم: ماذا تقصدين بمهمة الطائرة؟ اعتدلت وقد أعجبها جهلي ورغبتي في الاستزادة منهما: الطائرات الورقية تطير لتقطف لنا من السماء ما نحتاج إليه. فأنا مثلا منذ قليل وحين رفعت الطائرة بعيدا حتى زاغت عن بصري كنت أريد منها أن تعود لي بطاقة تساعدني على الاستذكار. فمدرستي سوف تبدأ بعد العيد بأسبوعين وقد عاهدت نفسي أن أكون أفضل من العام السابق. وجئت هنا لكي أبعث بالطائرة لتجلب لي ما أريد. استكمل صديقها -وإن لم تعجبني بداية حديثه حين فاجأني قائلا يا «طنط». تحمل السماء كل أنواع الطاقة التي نحتاج إليها. لكننا لم نتعلم أن نتخاطب مع السماء. ولم نحاول أن نعرف ما بها من كنوز. أنا و»نور» درسنا بعض السنوات في الصين حين كان والدانا يعملان هناك. وعدنا مصدقين أن كل الطاقات التي نحتاج إليها تسكن فوقنا بالسماء. وإننا لا نعلم فقط كيف نجذب ما نحتاج منها. ردت على «نور» حين قاطعته سائلة: وهل عرفتما كيف تجذبا ما تحتاجان إليه؟ قالت نعم. نحن تعلمنا التركيز ومناداة الطاقة التي نرغب بها. لكننا أيضاً قررنا أن نستخدم الطائرة في جذب الطاقة وقد جربنا كثيرا إرسال الطائرة بعيدا بالسماء وسؤال الله أن يرسل لنا معها الطاقة التي نريد. وفي كل مرة نفاجأ بنتائج رائعة. فحين نرفع الطائرة ونحن ناظرين إليها نستدعي الطاقة ونظل نناديها. مفرغين عقولنا من كل شيء عدا مناداتها. وفي كل مرة تسمعنا وتهبط إلينا مع الطائرة. عادت الطفولة إلى وجهيهما مرة أخرى. وهم يضحكون فرحا لانبهاري بتفسيرهما العميق. سألتهما: وماذا إن كنت لا أجيد اللعب بالطائرة؟ كيف سأنادي الطاقة إذا؟ انبرى الفتى مرة أخرى. الطائرة رمز فقط. لكن الأهم أن تركزي على طلب ما ترغبين. في السماء كل الألوان وكل الأحلام وما علينا إلا طلبها والإلحاح عليها في الهبوط. والاستعداد لاستقبالها.ألا نستعد لاستقبال الضيوف. فما بالك بأحلامنا!! في طريقي إلى المنزل. أعددت قائمة بكل الطاقات التي سأناديها من السماء. فرحة بما علمته توا. مؤمنة أن هناك مصدرا مغذيا للطاقة موجودا وقريبا حولنا. يسكن فوق رؤوسنا. لكننا نمل من طلبه أو ننساه. كما ننسى أحلامنا وأهدافنا في زحام الحياة فنفقد الطريق. ويتبدد اليقين. أعاد لي المراهقان الواعدان الإيمان والثقة بالغد الذي سأصنعه ناجحا. فهو قريب مني ينتظرني. ولا يحتاج إلا أن أستدعيه وأحسن استقباله ليهبط على مساحة وفيرة من الخضرة النضرة المنتظرة دوما هبوط أحلامنا.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...