


عدد المقالات 103
وقف كل الحضور لدى دخولها القاعة، شدت الانتباه بقامتها المرفوعة وثقة خطواتها، توجهت إلى المقعد الأوسط وجلست، فجلس الحضور بعدما صفقوا تحية للسيدة «داليا جريبوسكايتي» رئيسة جمهورية ليتوانيا، السيدة التي ترأس بلادها منذ عام 2009 والتي سماها الإعلام هي الأخرى بالمرأة الحديدية. في القاعة الكبيرة التي ضمت ما يزيد على ألف شخص من أكثر من 120 دولة، وقفت رئيسة الجمهورية بجوار وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تحيي «مجتمع الديمقراطيات». تشكلت مبادرة «مجتمع الديمقراطيات» عام 2000 في وارسو عاصمة بولندا. في العيد العاشر للاحتفال بالثورة البولندية، دعت بولندا الديمقراطيات الجديدة والقديمة إلى اجتماع واسع أسس لإعلان إنشاء مجتمع الديمقراطيات، في إشارة إلى الرغبة في تحفيز العالم إلى الانضمام إلى ذلك المجتمع العالمي الجديد الذي يضم الدول الديمقراطية رافضا مشاركة الدول غير الديمقراطية. نشأ عن إعلان وارسو تبلور منظمة دولية جديدة تضم الحكومات فضلا عن منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، لكن شراكة المنظمة هي شراكة دول، المعيار الأوحد للمشاركة هو أهلية الدولة لرداء الديمقراطية. تلتقي الدول الديمقراطية سنوياً معاً تناقش قضايا الديمقراطية، وتحتفل بانضمام آخرين جدد إليها، كانت تونس آخر الدول التي انضمت وشاركت في مؤتمر هذا العام الذي تصادف وعقد في «ليتوانيا» أكبر دول البلطيق الثلاث، والتي -برغم ذلك- لا يزيد عدد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة ونصف، لكنها تملك ممارسات ديمقراطية مبهرة، جعلت من زهو رئيسة الدولة بمؤسسات بلدها الديمقراطية أمراً طبيعياً يدعو إلى الإعجاب، لكنه يجلب أيضا بعض الغيرة من قِبل الآخرين. كنت في قاعة الاجتماع من بين الآخرين، فمصر لم تنضم كدولة ديمقراطية بعد، وحين دعيت مصر للحضور فقد دعيت كمراقب فقط، ويحلم سفير مصر «نبيل حبشي» الذي مثل مصر رسميا كمراقب، أن ننضم كعضو فاعل كامل الأهلية في العام القادم، إلا أن الأهلية تعني ممارسة ديمقراطية حقيقية ومراقبة وشفافية ومساواة بين البشر وتفعيل حقوق الإنسان وإعلاء سلطة القضاء فوق الجميع. لم تكن الرئيسة فقط هي الفخورة ببلدها، حين سألت عامل المطعم إن كان قد صوّت في الانتخابات الأخيرة، لم يفهم سؤالي، وحين كررته، تعجب من السؤال لغياب هذا الاحتمال من الأساس، قال لي: «أنا ليتواني» إذا لم أذهب في انتخابات تتم في بلدي فمن سيختار عني؟ سألته إن كان راضيا عن أداء رئيسة الدولة بعد عامين من تولي السلطة، فقال: عامان غير كافيين للحكم عليها، لكني أنا وغيري نراقب بدقة أداء الحكومة والرئيسة. كانت «فيلنس» العاصمة الصغيرة التي يسكنها نصف مليون مواطن تنتظرنا بترحاب كبير، فتحت المتاحف ليلا للوفود لاستقبالهم، وتمكينهم من التعرف على ثقافة الدولة التي خضعت لسيطرة الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وحتى استقلالها عام 1992. كدول أوروبا، فهي دولة تهتم بالمتاحف والفنون، تحافظ على تراثها وتحترمه. حين دعانا عمدة المدينة إلى العشاء في متحف الفنون التطبيقية، أحيطت كل المعروضات بسياج متماسك حتى لا يخطئ أي من الحضور ويلمسها، ذلك برغم اتساع المتحف وضخامته، في الطريق إلى قاعة الاستقبال التي ضمت الوفد، صاحبتنا ملابس النساء في القرن الخامس عشر والسادس عشر وما بعدها، أردية بالغة الرقيّ تذهب بك فوراً إلى القرون الماضية حين كانت أزياء النساء برغم فخامتها تشكل عبئا بسبب ثقلها على أجسامهن. صار الشباب عنصرا أساسيا في المؤتمرات السنوية لـ «منظمة مجتمع الديمقراطيات»، وباتوا محرك مؤسسات المجتمع المدني فهم دافعة المجتمعات المدنية في كل الدول، لذلك فجدول أعمال المؤتمر دوما يضم الشباب في موقع القلب. شارك شباب من مصر ومن تونس ومن العراق ومن ليبيا وسوريا، وقفنا معا نحتفل، ونترقب، ونتوجس، نبكي، تلألأت الدموع وسقطت من عيون واحد من أبرز ناشطي سوريا حين روى لنا عن اعتقال مراهقي «درعا» وعن تعذيبهم الفاحش حتى الموت، امتلكنا صمت وخجل، حتى أخرجنا زميلنا من ليبيا من تلك الحالة مستحلفا النظام السوري بالمطاردة زنقة زنقة وبيت بيت، انفجر «رضوان زيدان» ضاحكا واستعاد ابتسامته وما لبث أن عاد للخلف يخاطب مواطنين سوريين عالقين على الحدود التركية. برغم أنه لا ليبيا ولا سوريا ولا مصر هي دول ديمقراطية بعد، لكن «مجتمع الديمقراطيات» يستقبل منظمات وناشطي المجتمع المدني، يضمهم إلى المؤتمر الذي يضم الدول الديمقراطية، كأنما يطلعون على تجاربهم، كما يضم أيضا ممثلين عن القطاع الخاص، مفسحا المجال للقطاع الخاص بالانضمام إلى فئة الفاعلين في تحقيق الديمقراطية، وكما قال الشباب في كلمتهم أمام اجتماع الوزراء: القطاع الخاص لن يزدهر إلا في ظل الديمقراطية، الدول التسلطية يمكن أن تثري بعض الأفراد لكنها أبداً لا تخلق قطاعا خاصا. في طريق العودة عقب ختام المؤتمر، جلست إلى جواري صحافية من أوزباكستان، حين أخبرتها أني من مصر، هنأتني بالثورة وقالت: هل تعلمين أن للرئيس مبارك -رئيسكم السابق- تمثالاً في قلب بلدنا، وأن السيدة الأولى -السابقة- وجه متكرر في التلفزيون الوطني.. سمعت منها قصة مثيرة ستكون هي مقال الأسبوع المقبل بإذن الله.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...