


عدد المقالات 307
الحدث البريطاني ليس ضئيلاً ولا هامشياً. إنه يشير إلى تغيير عميق في النفوس والعقول في الداخل، فضلاً عن تغيير صورة بريطانيا التقليدية في الخارج. هذا أول رئيس وزراء في تاريخ المملكة، ومن حزب المحافظين، يخفق في إقناع مجلس العموم (البرلمان) بضرورة الذهاب إلى «عمل عسكري» وليس إلى حرب تتطلب إرسال جنود وآليات إلى أرض دولة أخرى. كل الصحف البريطانية وصفت ما تعرّض له ديفيد كاميرون بأنه «هزيمة»، «إهانة»، «مذلة»، «صفعة» إذ خذله البرلمان وصوّت ضد المشاركة في أي تحرك ضد سوريا، حتى لو كان «ضربات محدودة» لا يتورّط فيها جنود ولا يواجهون خطر الموت. هل أخطأ كاميرون في طرح مطلب قليل المخاطر حيث أصاب سلفه توني بلير في عرض قضية مضخّمة المعطيات والتلفيقات وكان واضحاً أنها أكثر عدوانية، طالما أنها تنطوي على غزو واحتلال مباشرين؟ الواقع أن النجاح الكارثي للثاني هو ما أدّى إلى الفشل المذلّ للأول. وفي حين قدّم بلير ملف أكاذيب لتبرير مغامرته، ونجح فيه لأنه أشفعه بوجوب اللحاق بأميركا مهما كانت الظروف، فالأرجح أن كاميرون تعجّل بدعوة البرلمان ولم يهيئ الرأي العام جيداً لذا حصد هزيمة غير مسبوقة. ذاك أن الرأي العام كان أخذ علماً بأن الأزمة المالية والاقتصادية أوجبت خفض ميزانيات كل الوزارات بما فيها الدفاع، فكيف يتقبّل رغبة رئيس الوزراء في عمل حربي لا بد أنه سيرتّب تكاليف لن تلبث أن تتحوّل ضرائب على كاهل المواطنين؟ هذه هي الحجّة الأقوى التي استند إليها حزب العمال المعارض ليخوض حملة شرسة ضد «التدخل في سوريا»، رغم أنه لم يجرِ التطرق إليها بشكل مباشر في مناقشات البرلمانيين. أما الحجّة الأبرز فهي أن المجتمع اختزن نقمة عارمة على سياسة بلير، الذي تجاهل عملياً الرفض الشعبي لحرب العراق، لذا اختار هذه المرة أن يوجّه إنذاراً مبكراً لكاميرون. غير أن الضرر الأكبر للتصويت البرلماني سيطاول العلاقة التاريخية الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة، إذ إنه جاء في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تواصل التصعيد والتمهيد لقرار باراك أوباما شن ضربات ضد النظام السوري بعدما ثبت للأجهزة الاستخبارية أنه استخدم السلاح الكيماوي المحظور بموجب القانون الدولي. ويعني ذلك أن الأميركيين قد يضطرون لتنفيذ تهديداتهم من دون البريطانيين وبمشاركة من يرغب من الدول. وتكمن مخاطرة بريطانيا في أنها تمسّكت دائماً بمكانتها كإحدى أهم حلقات النظام الدولي وعناصره، وإذا بانكفائها لا يحرمها من ممارسة هذا الدور في الملف السوري فحسب بل يصنع أرضية لانكفاءات لاحقة كلما كانت هناك قضية مماثلة تستوجب تدخلاً من المجتمع الدولي. والأكيد أن القرار البريطاني قد يلحق ضرراً فادحاً بسوريا وشعبها لأنه يرسل رسالة خاطئة إلى بشار الأسد، خصوصاً أن ما يسمى «مجلس الشعب» السوري استبق جلسة «نظيره» مجلس العموم برسالة يدعوه فيها إلى عدم التصويت بالموافقة على العمل العسكري. طبعاً لم يكن تصويت النواب البريطانيين استجابة لرغبة زملائهم السوريين. أما الضرر فهو في الامتناع عن أي رد على المجزرة الكيماوية التي ارتكبها نظام الأسد، بل إبلاغه بأنه يستطيع تكرارها. وقد حفل النقاش في الجلسة حول نتائج الفعل التي قد تكون خطيرة، ونتائج عدم الفعل التي ستكون -باعتراف الجميع- أكثر خطورة وأهمها أن هذا النظام سيتيقّن بأنه فوق القانون الدولي ولا أحد يمكنه أن يحاسبه ما دامت روسيا تقفل أبواب مجلس الأمن. والواقع أن النقاش في لندن تناول كل التساؤلات المطروحة في كل العواصم، بما فيها واشنطن، أي: ماذا تعني «الضربات المحدودة»، وما الهدف منها، وما تأثيرها المتوقع على مجمل الأزمة، وهل سيكون ممكناً بعد هذه الضربات الذهاب إلى حل سياسي؟ ذاك أن الشكوك كثيرة في أن تجدي الضربات في ردع الأسد، ثم إن المفهوم العام الذي تستند إليه لا يشي بوجود استراتيجية محددة بل مجرد رد فعل. أما بالنسبة إلى الحل السياسي الذي شدّد عليه زعيم حزب العمال فيبقى الهدف الرئيسي لمجمل الرؤية الدولية، لكن طرحه في هذا التوقيت بالذات -كبديل للعمل العسكري- فيعني عملياً تجاهل استخدام السلاح الكيماوي واعتباره مجرد تفصيل عادي في حرب مستمرة منذ عامين ونصف العام ولا ينبغي الرد عليه بأكثر من تنشيط التحضيرات القائمة لعقد مؤتمر «جنيف 2». إذا كانت الأزمة السورية ستقصي بريطانيا عن الساحة الدولية فقد يكون هذا خبراً طيباً تنتظره دول وحكومات وشعوب منذ عقود طويلة. بل إن الأسد يستطيع القول بأن حربه على شعبه بدأت تؤتي ثمارها، حتى إنه يستعد الآن مع حليفه الإيراني للاحتفال بهزيمة محققة لأميركا وفرنسا ومن يتحالف معهما لضرب نظامه. ورغم أن إحجام بريطانيا عن المشاركة أشاع انطباعاً بأن ثمة ميلاً إلى تمييع الزخم الدولي، إلا أن تقييم الحلفاء الآخرين لما يتطلّبه الموقف من قتل مواطنين سوريين بالغازات السامة لم يتأثر لأن حزباً معارضاً أراد انتهاز فرصة لاقتناص خصمه والإجهاز على قرار أخلاقي لكنه غير شعبي. فالسؤال الحقيقي الذي تطرحه الضربات المحتملة هو: هل نترك استخدام الكيماوي بلا عقاب؟ في المبدأ، لا أحد يحبذ تدخل الدول الكبرى في شؤون أي بلد آخر، خصوصاً أن السوابق لا تشجع على تأييد مثل هذه التدخلات، لكن الواقع يصفع بحقيقة أن نظام الأسد يريد مواصلة القتل من دون أن يزعجه أحد. فحتى لو لم تكن الضربات قاتلة، أو لا تهدف إلى إسقاط هذا النظام، فإنها ستفهمه على الأقل أن تصعيده الكيماوي لن يمرّ بلا ثمن.
لفت المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، بعد صمت أربعة أشهر منذ استقالته، إلى أن هذه الاستقالة كانت قراراً متأخراً. هو لم يقل ذلك، لكن تركيزه على الإحباط الذي سبّبه هجوم خليفة حفتر على...
في جلسة مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، قيل الكلام الأخطر والأسوأ للتحذير من جريمة إسرائيلية يجري ارتكابها علناً. إذا كان هذا المجلس بمثابة مرجع «قضائي»، باعتبار أن الشعوب تشكو إليه ما تعتبره مظلمة تقع بها، أو...
هل كانت شهادة جون بولتون لتغيّر كثيراً في محاولة تنحية دونالد ترمب؟ يحاول مستشار الأمن القومي السابق الإجابة في مذكراته عن الفترة التي أمضاها في المنصب، المفارقة من جهة أن بولتون يصف رئيسه بأنه غير...
فجأة تحوّلت التماثيل والنصب التذكارية من معالم تاريخية ومفاخر تاريخية وجواذب سياحية، إلى رموز خزي وعار وموضع إدانة ومساءلة، أصبحت آيلة للإزالة ليس من أمام الأنظار فحسب، بل أيضاً من الذاكرة والسجلات، وحتى من التعليم...
لم يخطئ دونالد ترمب أبداً بالنسبة إلى معاييره الشخصية، حتى في مقاربته لواقعة مصوّرة، مثل قتل الشرطي الأبيض ديريك شوفين المواطن الأسود جورج فلويد؛ إذ أذهل الرئيس الأميركي مواطنيه جميعاً بتعامله الفظّ مع ردود الفعل...
ما يظهر على السطح رفضٌ واستنكارٌ دولي لعملية ضم إسرائيل 30 % من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. ما يحدث تحت السطح أن حكومة الائتلاف اليميني باشرت إجراءات الضمّ هذه على الأرض، ولا تنتظر الموعد...
وسط عشرات المسلسلات الدرامية في الموسم الرمضاني، وسوادها الأعظم رديء، كان من الطبيعي أن يبرز واحدٌ من خارج السباق، ومن الواقع المعاش لا من قصص متخيّلة أو مقتبسة. أُعطي أسماء عدة، لكن أفضلها كان «صراع...
لكي يخرق وزير الخارجية الأميركي الحظر «الكوروني» ويسافر إلى إسرائيل، ذهاباً وإياباً من دون توقّف، لا بدّ أن ثمّة شديداً قوياً يتطلّب ضبطاً، رغم أن طبيعة العلاقة بين إدارة دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو لا تعاني...
مع رئيس الوزراء الجديد يفتح العراق صفحة غير مسبوقة، منذ سقوط النظام السابق، ذاك أن مصطفى الكاظمي لا ينتمي إلى أي حزب عقائدي ديني، كما كان أسلافه إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي، وحيدر العبادي، وعادل عبد...
السؤال مطروح غرباً وشرقاً، سواء باسترشاد ما يُعتقد أن مكافحة الصين لوباء «كورونا» كانت نمطاً نموذجياً لم يتمكّن العالم الغربي من اتباعه، ولذا فقد تبوأ المراتب الأولى في أعداد الإصابات والوفيات، أو ما يمكن أن...
ملامح كثيرة للتغييرات المقبلة بدأت تتراءى أمام العيون وفي المخيّلات وفي دروس المحنة الفيروسية على كل المستويات الفردية والجماعية، بغضّ النظر عما إذا عانى الشخص أو لم يعانِ فقداً في عائلته أو صداقاته، وعن مدى...
لن تختلف تقديرات الخسائر كثيراً في حال «كورونا» عما هي في أي حرب عالمية. ولا يمكن توجيه اللوم لجهة أو لأحد بالنسبة إلى الوباء، رغم أن الانفعالات اندفعت هنا وهناك إلى مزالق سياسية وعنصرية شتّى،...