أن تؤمن بقدراتك..!

قادني القدر قبل أسابيع لزيارة الصين خلال رحلة عمل 5 أيام تعرفت خلالها إلى الدولة صاحبة الرقم الملياري من السكان، الذين لا تشعر بهم في الشوارع إلا في ساعات الصباح الأولى عند الذهاب إلى العمل أو عند العودة، غير ذلك فالوضع في أحسن حال والمرور بالشوارع يسير بسلاسة ويسر. تتمتع المدن الكبيرة كالعاصمة بكين وشنغهاي بالمباني شاهقة الارتفاع والمتلاصقة مع وحدات مقسمة بمساحات صغيرة لاستيعاب الكثافة السكانية العالية والتي قد تصل إلى 20 ألف شخص في المجمع السكني الواحد، وذاك يرجع لقلة الأراضي المسموح فيها بالبناء، بالإضافة إلى ارتفاع الإيجارات الذي أصبح يوازي المدن الكبرى في العالم مثل نيويورك وواشنطن وبعض العواصم الأوروبية. الصين تحمل صفة دولة نامية ولكن هي على العكس تماماً من ذلك فالتقدم والتطور تلحظه عينك أينما ذهبت من بنية تحتية قوية وحدائق عامة تمنح مواطنيها متنفساً رائعاً حتى لا يشعروا بالضيق من الازدحام ووسائل مواصلات آدمية، وفق الأحدث في العالم. يؤمن الصينيون بعقيدة أن تسير كالسلحفاة وتصل إلى هدفك في النهاية أفضل من أن تسرع خطواتك وتتعثر ولا تصل أبداً، وهو ما يظهر جلياً في تطور صناعاتهم من بدائية إلى تلك التي تتمتع بحرفية عالية وتنافس أعرق الصنّاع، ويعمل أبناء هذا العملاق الآسيوي بصمت في مختلف القطاعات المدنية منها والعسكرية دون كلل أو ملل، حتى إنهم نجحوا مؤخراً في إنتاج أول طائرة ركاب محلية الصنع تتمتع بالكفاءة، ولديهم مئات الطلبات لشرائها، إلى جانب التفوق العسكري الملحوظ، واعتمادهم على ذاتهم في ذلك أيضاً. قد لا ترغب الصين في مغادرة مقعدها بصفوف الدول النامية، لأن ذلك التصنيف يمنحها ميزة الدخول إلى العديد من الأسواق حول العالم بسهولة والتمتع بالمزايا التي تمنحها الدول المستوردة، مثل الإجراءات الضريبية والإعفاءات الجمركية، ما يساهم في انتشار بضائعها، ومن ثم ارتفاع تصدير السلع ذات علامة الجودة الصينية. هل الصين دولة عظمى؟ نعم هي كذلك فلديها كل المقومات والمزايا للوصول إلى المرتبة التي تليق بها، والصراع الذي نشهده على الساحة العالمية، والتنافس مع الولايات المتحدة على الزعامة هو فقط بغرض الاستعراض الفني أو العرض المسرحي، ضمن منظومة الإلهاء الإعلامي العالمي أو البروباجندا الأمريكية لإظهار القوة والسيطرة فقط، وهو ما يظهر في أفلام هوليود ويجري تصديره للعامة في الداخل والخارج، والمطلع على خفايا الدبلوماسية والسياسة العالمية يعلم جيداً أن هناك تعاوناً استراتيجياً ووثيقاً بين القوتين العظميين في الخفاء، ولكن ما يظهر للعلن شيء آخر. عليك أن تتخيل عزيزي القارئ أن كل هذا وأكثر ستشاهده في بلاد العجائب التي خرجت من مجاعة كبيرة بين عامي 1959 و1961 تقول التقديرات إن عدد ضحاياها يتراوح بين 10 ملايين و47 مليون شخص، وعلى الرغم من ذلك نجحت الصين التي تجمع أكثر 1.4 مليار نسمة في 50 عاماً في الوصول إلى أهدافها، وبات لا يخلو بيت في العالم من منتج صنع في الصين. أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، وعلى دولنا العربية أن تؤمن بقدراتها وإمكانياتها وتسعى لإنتاج غذائها ودوائها وسلاحها، بدلاً من الاعتماد على الآخرين.. «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده». السؤال.. ماذا ينقص دولنا العربية لتكون في مصاف الدول المتقدمة؟.. فلديها الثروات والعقول والقدرات، ولكن ما ينقصها إرادة التحول من نمط الاستهلاك إلى الإنتاج وتقدير الذات.. دمتم بخير.