alsharq

شريف عبدالغني

عدد المقالات 8

د. هدى النعيمي 26 أكتوبر 2025
صدى روايات خالد حسيني.. تردده الأجيال
مريم ياسين الحمادي 25 أكتوبر 2025
توجيهات القيادة
هند المهندي 26 أكتوبر 2025
ريادة قطرية في دبلوماسية السلام

عُمان.. وإن طال السفر!

02 مارس 2019 , 02:18ص

(1) طوال السنوات الخمس الماضية، سنحت الفرصة أمامي لرحلات عمل إلى عدة دول، لكن في كل مرة لم تسمح الظروف بالسفر. مرة لتعطّل الإجراءات، وأخرى اعتذاراً مني لظروف عائلية. لكن هذه المرة، تلاقى يُسر الأمور مع رغبة مني في السفر؛ كون الوجهة هي سلطنة عُمان، والمناسبة تتعلق بتظاهرة ثقافية ومعرفية كبرى هي معرض مسقط الدولي للكتاب. هناك كيمياء تربط البعض ومدناً ودولاً بعينها، تجعلهم يعودون إليها. ربما لهذا السبب، عُمان هي أكثر بلد زرته في حياتي. 9 مرات قبل هذه المرة جُبت خلالها معظم مناطق ومحافظات ومدن السلطنة (مساحة الدولة نحو 310 آلاف كم مربع)، من البريمي في الشمال الغربي، إلى ظفار جنوباً، مروراً بصحار ومسقط والجبل الأخضر والرستاق وصور ومرباط، وغيرها الكثير مما زرت وشاهدت. المحافظة التي تمنيت رؤيتها على الطبيعة ولم تحصل هي مسندم. وموقع مسندم له قصة سأذكرها في وقت لاحق من سطوري هذه! (2) كتبت كثيراً من قبل عن عُمان البشر والأرض والتاريخ والعراقة. عدد كبير من الرحّالة وقعوا في غرام هذا البلد منذ فجر التاريخ وكتبوا عنه. كتابات الرحّالة عن عُمان جمعها باحث فرنسي يُدعى كزافيي بيغان بيلكوك في كتاب شامل، صدر في باريس منتصف التسعينيات من القرن الماضي باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وبتمهيد بالعربية تحت عنوان «عُمان: خمسة وعشرون قرناً في كتابات الرحّالة». يقدّم الكتاب مقتطفات من نصوص لستين رحّالة ينتمون إلى 22 جنسية مختلفة مع تعريف مختصر بحياتهم. وهؤلاء منذ الإسكندر الأكبر (326 ق.م) وحتى عصرنا الراهن، توقّفوا في مسقط أو زاروا مدناً عُمانية أخرى، وتركوا شهادات مكتوبة عن مشاهداتهم أو تجاربهم. كما أن الكتاب يحتوي على ما يزيد على 250 صورة ولوحة تستعيد العصور الغابرة والرحلات المختلفة. يقول بيغان بيلكوك في مقدمته: «بعد ثلاث سنوات من البحث والتقصي، توصلت يوماً بعد يوم إلى اكتشاف نصوص معروفة تارة ومجهولة تماماً أو غلّفها النسيان تارة أخرى، نصوص مثيرة للدهشة، غالباً مصدرها رجال ونساء ذوو شخصيات متنوعة وشيّقة. ويسمح تنوع وأصالة هذه النصوص بإلقاء الضوء من خلال أقوال حقيقية على الماضي العريق لشبه جزيرة عُمان منذ عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد». ويهدي بيلكوك كتابه إلى الصداقة الفرنسية العُمانية، ويسجل باللغات الثلاث جملة مأخوذة عن أحد الرحّالة الفرنسيين، هو فرانسوا دوبولاي لوجوز، الذي كان قد توقّف في مسقط في 29 نوفمبر 1648: «السفر يصنع الرجال، والرجال يصنعون الأصدقاء». (3) الحديث عن مسقط يطول. المدينة -التي اشتقّت اسمها من سقوطها بين سفوح الجبال- لها هيبة. حينما تتجول فيها، تشعر أنها لا بد وأن تحيا في أمن وأمان. إن الجبال التي تحيط بها وتخرج من بين ظهرانيها تعطي الإيحاء بأنها أكبر حارس وحامٍ لها، وتبسط الطمأنينة في نفوس من يعيش فيها. حينما تعامل أهل مسقط، ستكتشف أنك لم تسقط مع المدينة فقط بين جبالها الشامخة، لكن كذلك وسط بحر ممتد من النفوس الصافية والقلوب الطيبة والوجوه المبتسمة. لا أحب «التعميم» وإصباغ صفة جمعية على شعب من الشعوب، لكني أجزم أن أهل عُمان هم أحد أطيب شعوب الأرض وأكثرهم تواضعاً وأنقاهم سريرة. إن شئت المبالغة، يمكنك القول إن مسقط هي أجمل مدينة بالعالم. وإن أردت الدقة، فقل إنها من أروع المدن تميّزاً بنسق معماري ولون موحّد. إن أبنية المدينة كلها باللون الأبيض، وواجهات البيوت شبه موحّدة الشكل، كذلك الأمر في الدواوين الحكومية والمتاجر. لذا، ينتابك شعور أن يداً واحدة هي التي شيّدتها. أتذكر أنه في العام 2000 كنا مجموعة صحافيين متنوعي الجنسيات نغطي انتخابات لمجلس الشورى، ولفت نظر صحافي ياباني مدى النظافة الفائقة في المدينة (كانت فكرته عن مدن العرب أنها بلا تنسيق وتملؤها القمامة)، وقتها توجهت بالسؤال عن سبب هذا المستوى من الرقيّ ونظافة الشوارع إلى رئيس بلدية مسقط حينذاك، المهندس عبدالله بن عباس، فأجاب الرجل بعبارات ما زلت أتذكرها: «ببساطة، لم يُولد الأوروبيون متحضرين، بل أصبحوا كذلك بتراكم الخبرات وتطبيق القانون.. نحن تعلّمنا من التجربة. فرضنا غرامة باهظة على رمي القمامة في الشوارع أو حتى قطف زهرة من بستان. في البداية، كان الناس يخشون الغرامة.. ثم تحوّل الأمر إلى صفة مكتسبة فيهم». (4) عُمان هي بلد التنوع الجغرافي والمناخي؛ إنها ليست كباقي المنطقة ذات طبيعة موحّدة ومناخ ثابت. يكفي أن تزور محافظة ظفار خلال أشهر الصيف من يونيو إلى سبتمبر، فبينما يكون الحال في باقي الخليج أشبه بتنين عملاق يبخّ في أجوائها ناراً حامية، فإن ظفار -وفي القلب منها حاضرتها مدينة صلالة- تحيا خلال هذه الأشهر في خريف رائع ودرجة حرارة بين 24 و28 درجة تقريباً، وضباب ينتشر ورذاذ مطر يتساقط بين حين وآخر، فتزداد جبالها وسفوحها الشاسعة اخضراراً. ومع رمال الشواطئ البيضاء ومياه البحر الزرقاء وأشجار النارجيل «جوز الهند» الباسقة، تجد نفسك إزاء لوحة جمالية بلا نهاية. هذه اللوحة العُمانية الفريدة يظلّلها تاريخ عريق فخر لكل العرب. الأسطول العُماني سيرته معروفة وأمجاده ساطعة. العُمانيون لهم فضل صد هجوم البرتغاليين على الخليج. لم يكتفوا بذلك، بل بسطوا سيطرتهم على شرق إفريقيا في تنزانيا وزنجبار وأجزاء من كينيا، وامتد نفوذهم إلى الضفة الأخرى من بحر العرب حيث مناطق في شبه القارة الهندية. التاريخ المشرق هو أحد عوامل ثقة العُمانيين بأنفسهم. خلال أيام النسخة الرابعة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب، الذي يختتم فعالياته اليوم السبت 2 مارس، بمشاركة 882 دار نشر من ثلاثين دولة، قابلت كثيراً من الزوار من مختلف الأعمار. إنهم شديدو الاعتزاز بماضي بلادهم. «أفتخر أني عُماني» عبارة حاضرة على ألسنة الشباب. هم فخورون أيضاً بالتطور المتسارع الذي تشهده عُمان على مختلف الأصعدة، يرون أن معرض الكتاب وغيره من الأنشطة الثقافية، تعطي الوجه الحضاري لبلدهم «الذي يقدّم نفسه للعالم بشكل مختلف عن الأفكار الشائعة عن دول الخليج النفطية»، وفق تعبيرهم. (5) قد يكون الإرث الحضاري سبباً في جعل العُمانيين ينظرون نظرة أعمق إلى مستقبل الخليج بعد نضوب ثروته النفطية التي لن تدوم إلى الأبد؛ لذا كانت النهضة الصناعية، وتنويع مصادر الدخل، والأهم أنهم يعملون بكل ثقة وتحضّر في مختلف المهن. إن فيهم الفلاح والراعي والسائق والصيّاد. العمالة الأجنبية تكون في حدود الحاجة القصوى فقط؛ لذا أمّنت عُمان نفسها على المدى البعيد من تبعات انتهاء عصر الوافدين. في عُمان أيضاً، أغرب حدود يمكن أن تشاهدها في العالم. مَن تجوّل في مدينة البريمي شمال غربي السلطنة قبل أكثر من 8 سنوات، مؤكد أنه صادف مطباً صناعياً في أحد الشوارع وعليه لافتة «أهلا بكم في مدينة العين»؛ إنها المدينة التابعة لإمارة أبوظبي. كانت الحدود مفتوحة، لكن الوضع تغيّر حالياً؛ إذ وُضع سياج حديدي وأسلاك وكاميرات مراقبة من الجانب الآخر. لكن هذه الحواجز لن تمنع أموراً أغرب بعدها. إذا تخطيت العين ودخلت في عمق الأراضي الإماراتية باتجاه الساحل، فستجد ولاية اسمها مدحاء تابعة لسلطنة عمان!! ثم لو واصلت السير في الإمارات حتى تصل إلى مضيق هرمز، فستكون حينها في محافظة عُمانية كبرى هي مسندم ذات الموقع الاستراتيجي المهم، والتي لا تربطها اليابسة بباقي أراضي السلطنة، بل خط بحري إلى مسقط. الرجوع إلى التاريخ يكشف سر هذا التداخل العجيب في الحدود. بين صفحاته أمور يعرفها كل أبناء الخليج. إن منطقة بهذه الخصوصية والعادات لا تموت فيها «الحقيقة»؛ فالأب يرويها لولده، وولده ينقلها إلى ولده! (6) على وقع سياسة خارجية للسلطنة يمكنك أن تطلق عليها «سويسرا العرب» في الحياد وعدم الانحياز إلى أي قوى متصارعة على امتداد العالم، قد تتفق أو تختلف مع هذا الموقف أو ذاك للدبلوماسية العُمانية، لكن الاحترام يظل موجوداً لبلد اتخذ لنفسه مبدأ «التقريب» لا «الفُرقة»، و»الألفة» لا «التناحر»، وكل مواقفه معلنة على الملأ بوضوح؛ فلم يتورط يوماً في إشعال حرب هنا أو هناك، بل يحاول جاهداً جمع أي فرقاء على موائد التفاوض بحثاً عن الحلول السلمية. خلال الأزمة المستمرة بالمنطقة منذ 5 يونيو 2017، كانت المواقف العُمانية -كعادتها- تتسم بالحكمة، والعمل على رأب الصدع، والحفاظ على وحدة «البيت الخليجي»؛ تلك الوحدة التي تصدعت وكادت أن تنهار بفعل تصرفات حمقاء وسياسات طائشة أقحمت الشعوب لأول مرة في خلافات الحكومات، فقطّعت الأواصر العائلية، وفرّقت الأسر، وجرّمت تشجيع منتخب خليجي لكرة القدم كما حدث في كأس آسيا الأخيرة؛ البطولة التي كانت شاهداً على نبل وشهامة الأشقاء العُمانيين، فساندوا المنتخب القطري تعاطفاً مع لاعبين حُرموا من دخول جماهيرهم على عكس كل المنتخبات. ستظل عُمان -كما عهدها العرب- رصيداً حضارياً لا غنى عنه لأشقائها، وصوتاً لـ «عقلانية» باتت المنطقة في أمسّ الحاجة إليها أكثر من أي وقت مضي، في ظل حفلات صخب سياسي، وليالي هوس إعلامي، ودويّ مدافع تزهق أرواح أبرياء في اليمن وغيرها؛ خليط يحرّكه «صغار» لا يدركون دروس التاريخ، ولا يستوعبون عظات الحاضر، ولا يملكون رؤية للمستقبل!

«كارنيه» المركز القطري للصحافة في جيبي !

(1) شريط طويل من الذكريات اقتحم خيالي، حينما تسلمت بطاقة عضوية المركز القطري للصحافة. عضوية «الكيان- المظلة» الجامع للصحفيين، تظل حُلماً لكل من يعمل بالمهنة. هكذا نشأنا في مصر، إذ كانت عضوية نقابة الصحفيين العريقة،...

أمي المظلومة في شبابها.. الحائرة في شيبتها !

(1) خلال دراستي بالمرحلة الإعدادية، كنت – لا إرادياً- أخرج من الفصل الدراسي كلما سمعت بداية صوت يصدر من ميكروفون أي مسجد قريب أو بعيد بقريتنا في غير موعد الآذان؛ كان هذا معناه أن المؤذن...

قطر بين «النُّضج» و«المؤامرة»

(1) أما وأن أصبح مونديال 2022 على الأبواب، ولا يفصلنا عنه سوى أيام، فإن من حق قطر قيادة وشعباً أن تزهو بهذا الإنجاز. إنه نجاح سيدون في صفحات التاريخ باسم كل العرب. الزهو هنا مصحوب...

التاريخ لن يرحم أي خائن لمونديال العرب !

(1) عام 1906 وقعت حادثة دنشواي بريف مصر، والتي قتل فيها أحد جنود الاحتلال زوجة شقيق صاحب أحد أجران القمح. القصة طويلة انتهت باحتجاز الجنود من قبل الأهالي، وفرار كابتن الفرقة الإنجليزية وطبيبها. أخذا يعدوان...

من أم كلثوم إلى رغدة.. الموت عشقاً في السفاحين!

(1) بشعرها الغجري المجنون تعهدت رغدة -حبيبة بشار وكل الديكتاتوريين العرب- بأن تقص شعرها وترميه في ساحة سعد الله الجبري بمدينة حلب، عندما يخرج آخر «إرهابي» من أرض سوريا. قريباً سيتحقق حلم رغدة، وسنراها توفي...

روح «أحمد طيبا» تطارد بشار الأسد

(1) دائماً ما يظهر بشار الأسد مبتسماً. كيف لهذا الرجل القدرة على رسم هذه الابتسامات وعلامات الرضا على وجهه، بينما يداه ملطختان بكل هذه الدماء النقية لرجال ونساء وشباب وأطفال شعبه؟ ثم هل يعلم بقصة...

فن «التلميع».. مبارك يكسب!

(1) خلال عصر مبارك كانت السلطة تسخّر الفن، للترويج لها، وفي الوقت نفسه تشويه المعارضين، لكنّ هناك فارقاً بين أن تستعين بكاتب في موهبة وثقل وحيد حامد، ليقوم بهذه المهمة، وبين أن تأتي بكتبة قليلي...