alsharq

شريف عبدالغني

عدد المقالات 8

أمي المظلومة في شبابها.. الحائرة في شيبتها !

19 يناير 2024 , 02:10ص

(1) خلال دراستي بالمرحلة الإعدادية، كنت – لا إرادياً- أخرج من الفصل الدراسي كلما سمعت بداية صوت يصدر من ميكروفون أي مسجد قريب أو بعيد بقريتنا في غير موعد الآذان؛ كان هذا معناه أن المؤذن سيذيع إلى أهل القرية نبأ وفاة فلان أو فلانة، ومكان الصلاة وموعد الدفن. وقتها كانت أمي في حالة صحية صعبة، والألم يكاد لا يفارقها. كان هاجس رحيلها يُطاردني خصوصاً وأنا في المدرسة. عقلي وقلبي كانا يرفضان تماماً فكرة رحيلها. رحيل أمي يعني نهايتي أنا. عشت حياتي وأنا أشعر أنه لا حياة لي بدونها. إذ أن عينيّ تفتحتا على الدنيا ولم أجد غيرها أمامي. هي الأم، وهى الأب الذي لم أره مُطلقاً. عرفت بعد سنوات من طفولتي أنني ولدت بعد وفاته بنحو شهر. حتى ملامحه حتى الآن لا أعرفها جيداً، فصوره – الورقية- القليلة التي رأيتها كان وسط مجموعة كبيرة من الأهل، لا تكشف علامات مميزة في وجهه. ظلت أمي عدة سنوات على حالتها الصحية الصعبة. يوم سليمة وعدة أيام تعاني. لم نكن نعرف سبب حالتها. كلما نذهب بها إلى مستشفى القرية البسيط، يكون العلاج واحداً. من تكراره حفظت أسماءه. تردد وقتها أن الطبيب يكتب غالباً نفس الأدوية لأي مريض، لأنه لا يوجد في المستشفى غيرها. حالتها لم تتحسن كثيراً حتى حينما ذهبنا بها إلى الأطباء في المدن القريبة. مرت سنوات أخرى وحالتها تراوح مكانها إلى أن تواصلنا مع ابن عمي الجرّاح الحاصل على الدكتوراه. ولأنه ولد وعاش في القاهرة فلم نكن على صلة كبيرة به وبإخوته. وقد اهتم بها – رحمه الله- كثيراً. بعد فحوصات وتحاليل اكتشف أن سبب ألمها هو وجود «كيس مياه» على الكُلى. استَأصله لها، وخرجت من المستشفى في أتم صحة وعافية. وعاشت حياة طبيعية بلا ألم. من يومها تقريباً توطدت علاقتنا بأولاد عمي. وبدأوا يزورون القرية. لا أعلم سبب عدم ارتباطهم بها في فترة حياة والدهم لواء الشرطة الكبير وأمهم ابنة أحد «الباشوات»، رغم أن والدهم كان حتى وفاته يأتي ليراعي أرضه. (2) حياة أمى قد تتشابه وتتقاطع في خطوط عامة مع حياة كثير من الأمهات العربيات، اللواتي تأثرن سلباً وإيجاباً بالأوضاع السياسية والاقتصادية التي عشن في ظلها. لكنها تختلف عنهن في أمور أخرى. ظُلِمت. قُهِرت. ودفعت ثمناً باهظاً لأمور ليس لها يد فيها. ولدت أمي أواخر العام 1933 في عصر « أحمد فؤاد الأول ملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودار فور» – هذا لقبه الرسمي- وفي الرابعة من عمرها تم تنصيب «مولانا المعظم فاروق الأول ملك مصر والسودان» حاكماً للبلاد. بعد عقد ونصف العقد من السنين فوجئت أن مصر بلا سودان، ومن يقول «إننا جمهورية.. والملكية ماتت.. وكل رموزها وعصرها وكبارها فاسدون وسكارى ولاعبو مَيسر، يقضون ليلهم في الحرام، ونَهارهم في السرقة، وبين هذا وذاك جلد الفلّاحين»، ومن ثم «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد». أمي وغيرها لم يكن لهن رأي فيما يحدث. الحياة تدور بهن وفق ما يتصرف الكبار سواء من في سُلطة الدولة أو سُلطة البيت. في العصر الملكي أخرجوها من المدرسة رغم أنها كانت وقليلات جداً يتعلمن وقتها. لو تم تركهن لاستكمال تعليمهن لغيّرن مسار قريتنا وربما محافظتنا بأكملها. في بداية عصر «رفع الرأس» لم تستطع أن ترفع رأسها، وهم يخبرونها بأنها ستتزوج – وهى في عُمرِ 18 عاماً- رجلاً في عمر والدها يقترب من مُنتصف الأربعين. لا أفهم حتى الآن لماذا وافق جدي والد أمي، على أن يزوّجها من أبي وهو يكبرها بكل هذه السنوات. ومما يزيد عدم الفهم عندي أن جدي هذا لم يكن فلّاحاً تقليدياً، فقد كان تاجراً ذكياً يجيد القراءة والكتابة ويتابع الصحف بانتظام. لذا كان مُتعالياً على أقرانه من الفلاحين وإن كان هذا التعالي بخفة ظل معروفة عنه. قادته التجارة لمعرفة أقطاب السياسة والأحزاب في تلك الفترة من أصحاب المزارع التي كان يشتري مَحصُولها، قبل أن يخسر ويترك التجارة للأبد. يقال إن والدي اتسم بالطيبة والاحترام ولذلك وافق جدي عليه. لكن طيبته هذه لا تمنعان عنه سلبيتين كبيرتين بخلاف فارق العُمر.. الأولى أنه كان متزوجاً. والثانية أنه مات له 16 ولداً لم يُكمل الواحد منهم عاماً أو عامين إلا ويتوفى لمرض وراثي في عائلة أمهم. أي أن زواج أبي من أمي كان فقط لغرض الإنجاب. فما أقصى هذا الأمر على فتاة تعلم أن زواجها لمجرد أن تحقق لرجل بعمر والدها حلمه المُجْهض في الذُرية والولد. ما يُحيّر في الأمر أن أمي كانت تحمل كل مقومات جمال الروح والشكل. ورثت الوجه المليح من أمها ذات الأصل الألباني، إذ تنتمي لعائلة جاءت إلى مصر مع الجيش التركي بتركيبته التي كانت تضم عناصر من البلاد الواقعة تحت هيمنة إسطنبول حينها، وبينهم محمد علي مؤسس مصر الحديثة. وبالتالي كان يتقدم لخطبتها كثيرون أفضل حالاً من أبي. لكن جدي كان يرفضهم!. (3) والدي وحرصاً على مشاعر زوجته الأولى أرسلها للحج. وتزوج وقت سفرها. خرجت أمي من منزل أبيها إلى بيت عائلة. ليس بيتاً واحداً بالمعنى المفهوم، بل أشبه بالمجمع السكني. عدة بيوت متجاورة لمجموعة أشقاء يربطهم باب خروج واحد. أي كانت الحياة حولها تعج بصخب وضجيج رجال وزوجات وتوابعهم من شباب وصبية وأطفال. عادت زوجة أبي من الحج. كان طبيعياً وسط مجتمع مُغلّف بتقاليد بالية وانغلاق عقلي وخرافات راسخة وجهل عصامي، أن تتعرض أمي لسوء معاملة. وكان طبيعياً أيضاً وفق هذه الأجواء التي لم تخل من قلوب سوداء أن يكون المحيط العام في صف «الزوجة الأولى» لأنها القديمة ولكونها «الثرية» إذ كانت وحيدة أمها وورثت عنها مساحات من الأراضي، كما اشترت مساحات أخرى خلال حياتها مع أبي خصوصاً مع وفاة أولادها ربما خشية زواجه من أخرى. وهذا حق مشروع لها رحمها الله، فقد صبرت على وفاة أطفالها واحداً تلو الآخر، لكن مشيئة الله أرادت أن يعيش لها اثنان مع دخول أمي البيت، وكأنها بركات والدتي الطيبة حلّت عليها حتى يطيب قلبها. حققت والدتي لأبي حلمه بأن تكون له ذُرية. لكن الظلم لم يتوقف. فقد كانوا يعايرونها بأن خِلفَتها «بنات». بعد أربع بنات رزقها الله بالصبي. هنا قالوا إن العقدة انفكت، لكنها ما لبثت أن أنجبت أنثى جديدة. فقالوا: «عادت لطبيعتها.. تخصص إنجاب البنات». أطلقوا على أخى اسم شهرة «وحيد» كناية على وحدته وسط 5 إناث. فجأة مات أبي، وأمي في ريعان شبابها. ترك لها حمولته الضخمة. مجموعة أيتام بعمر الصبا والطفولة.. ثم أنا وقد كنت جنيناً في بطنها. بعد وفاته، زادت حالة معاملة أمي في بيت العائلة الكبير سُوءاً. كنت في طفولتي أجدها تبكي. لم أكن أدرك السبب. هل هو ثقل الضغط النفسي عليها.. أم أنها صعوبة المسؤولية. لمّا كبرت عرفت أن هذين الأمرين من بين الأسباب، بجانب سبب آخر ربما لم تدركه أمي أو تفكر فيه، وهو «الغيرة» منها، فقد كانت «الأرقى» و»الأنقى» في كل شيء، قد يكون ذلك لكونها عاشت جزءاً من طفولتها في الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن الماضي في حي مصر الجديدة القاهري الراقي عند جدها لأمها التاجر المعروف في ذلك الزمان. أتذكر في سنتي التعليمية الأولى، كان درس في كتاب القراءة بعنوان: «زرعي طلع». وكان مطلوباً منا كتابة هذه العبارة على صفحة كاملة. فساعدتني في الكتابة أول مرة، ثم كتبت اسمي على الكتاب بخط أنيق مميز. عرفت لاحقاً أنها ورثته من عمها المربّي الفاضل الأستاذ محمد الصيفي مدير المدرسة السعيدية الثانوية في عصرها الذهبي. (4) أمي أشعرتني بالتميز وسط أقاربي أو زملائي بالمدرسة. تقريباً كنت الوحيد بينهم الذي تجيد والدته القراءة والكتابة. وقبل هذا وبعده كانت مُفرطة في الطيبة، عفيفة النفس، متحضرة الطباع، وسط جو خانق حولها مُتشبع بدخان الخرافات والذهاب للدجالين لتحقيق الأماني، أو التسبب في ضرر للغير. لم أضبطها يوماً مُتلبِسة بالحقد على أحد، أو النظر لما في يد غيرها. رغم الظروف الصعبة - وإيراد الأرض التي تركها والدي يكاد يكفي الأساسيات- كانت تدير الأمور وفق مَدخولنا. لم تطلب أبداً مساعدة من جد أو عم أو خال. أدت رسالتها في إكمال تعليمنا، وتزويج شقيقاتي. من ملامح تميزها التي اكتشفتها بمرور الزمن، إنها لم تكن مثل باقي مجتمعها تنبهر بوظيفة «الضابط» وما تحمله من معاني السُلطة والتسلّط والسيادة والتحكم. لذلك لم تنضم إلى باقي الأهل في الضغط على أخي بعد انتهائه من المرحلة الثانوية، لدخول كلية الشرطة، واستكمال مشوار عمي اللواء الذي زعل كثيراً من أخي أيامها لعدم تلبية رغبته. أمي تركت لابنها حرية اختيار مستقبله بنفسه. اختار عالم الصحافة. كان أول من يقتحمه في قريتنا.. وتبعته أنا. كانت السعادة تُشع من عينيها حينما تقرأ اسمينا أو ترى صورتينا في المجلات والصحف التي نعمل بها، وتحتفظ بنسخ منها. (5) مع زواج آخر بناتها، كان أخى الكبير قدراً وقيمة الصحفي عبد الواحد عاشور قد تخرّج من الجامعة، وبدأ العمل ليساعدها في المعيشة. هو بالمناسبة شقيقي. أما اختلاف الاسم فلأنني اخترت أن أُلقب باسم والدي الذي تمنى أن يراني، ولم يحقق له القدر أمنيته. أخي – وهذه شهادة حق لم يطلبها ولم يسع إليها- لم يبخل أبداً على أمي، ولاحقاً عليّ شخصياً وعلى شقيقاتي بأي شيء. ما قدمه لنا ثم لباقي الأهل وأي قريب أو غريب من مساعدات وفرص عمل بالداخل والخارج لا يمكنني حصره ولا سرده. انفتحت الحياة الحلوة أمام أمي. أراد الله أن يعوّضها خيراً عن عقود المعاناة وليالي الصبر الطويلة. رأت وعاشت أياماً جميلة وتكريمات تعطيها قدرها وتميزها. في العام 2003 كلفتني المجلة التي كنت أعمل بها في تلك الفترة بزيارة العراق بعد الغزو الأمريكي مباشرة لتغطية أحداثه وشؤونه. وقتها كان أخي مديراً لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في عمّان. الطيران للعراق كان متوقفاً. بالتالي السفر يكون براً عبر الأردن. طلب أخي مني أن أصطحب أمي لتبقى معه بالعاصمة الأردنية – النظيفة الرائعة- فترة سفري لبلاد الرافدين. بعد خروجنا من مطار الملكة علياء لم نتوجه إلى بيت شقيقي، بل إلى بيت الصحفي الكبير الأستاذ سليم المعاني «رحمه الله»، وكان بجانب عمله في الإعلام الأردني مديراً لمكتب صحيفة الأهرام العريقة في بلاده. أصرّ الرجل – وهو بالمناسبة زوج الصحفية ماجدة عاشور إحدى بنات أولاد عمومتنا في الأردن - أن يكون بيته أول من تدخله أمي في عمّان تكريماً لها. كان الترحيب حاراً بها وكانت بناته- حفظهن الله- حولها.. الكبيرة تقدم لها المأكل والمشرب، والصغيرات يداعبنها. ثم سافرت أنا للعراق، لتكون باقي أيام أمي في عمّان ضيفة مُكرّمة في بيوت عدد من أركان السفارة المصرية، وغيرهم من شخصيات محترمة بارزة هناك. (6) أخي تكفل حرفياً بأمي في كل شيء. (حج وعُمرة عدة مرات). يبادر بتلبية ما تحلم به. رفض تماماً مشاركتي له في هذا الأمر. وقال «أمي مسؤولة مني طوال حياتي.. تأمر فُتطاع». حرص على أن يكون لها جناح مميز في منزله بالقاهرة. كانت تقضي فيه أياماً وأسابيع، لكن سرعان ما تحّن لقريتنا، فتعود، وتصمم على البقاء وسط أهلها وناسها، ممن «تتونس» بهم. رغم حبها لنا جميعاً نحن فلذات كبدها. لكني كنت الأقرب إلى قلبها. كانت تقول دائما «روحى في شريف». لم تطلب مني أبداً أي شيء. بل كانت قبل زواجي تقول «وراك مصاريف الشبكة والمهر والشقة». وبعد زواجي تقول «وراك مصاريف العيال». عاملتني دوماً كالطفل حتى بعدما غزا الشيب رأسي. لم أتركها. حتى بعد عملي بالقاهرة كنت أعود إليها يومياً. حين انتقلت للسكن بالعاصمة عاشت معي 5 سنوات كاملة كانت من أحلى أيامي إن لم تكن أحلاها. حياة مُنظمة هادئة. إذا تأخرت في عملي أرجع فأجدها تنتظرني مهما تأخرت. لا تنام إلا بعد أن تراني «اتعشيت». نخرج نهاية الأسبوع مرة للفسحة بقاهرة المعز، ومرة للعودة إلى قريتنا لقضاء يوم الإجازة والعودة معاً. لمّا تزوجت، ورغم تعلقها بي، فقد رفضت البقاء معي، وقالت أعود إلى بيتي في البلد. أحسّت وقتها أنها أدت رسالتها، وأني بزواجي سأجد من يهتم بي ويُطعمني. موضوع الأكل هذا كان أكبر شاغلها. في آخر زيارة لها إلى الدوحة اصطحبتها إلى «قطر مول» وهناك حتى اطمئنها تماماً بأني آكل بانتظام داخل البيت وخارجه، مررنا على كافيه «أم شريف».. وقلت لها:»عشان تطمني أنا عملت المطعم ده وسمّيته باسمك عشان آكل فيه براحتي». من طيبتها صدّقت أني صاحب الكافيه، وقالت: «بسّ غير الاسم.. وخليّه (أم شريف عاشور عشان الناس تعرف إنه بتاعنا)!! (7) دوام الحال من المحال.. قبل 10 سنوات، وحينما وصلت أمي الى مرحلة الشيخوخة وبلغت الثمانين، كان يُفترض أن تعيش فترة هادئة بلا أزمات. لكني تسببت لها - ودون تعمّد- في سنوات من التعب والقهر مُغلّفة بحيرة وأسئلة بلا إجابات شافية تقنعها. طوال السنوات الماضية كنت أسأل نفسي: هل معاناة أمي وقد بلغت من الكبر عُتياً جزءاً من دراما الحياة وتقلباتها يستحقه أمثالها؟!.. هل السماء أرادت أن تجعل مسيرة هذه المرأة غير تقليدية، مثل كثير من شخصيات عظيمة لم تسر حياتهم على وتيرة واحدة هادئة كباقي البشر؟! لقد سافرت بحثاً عن الرزق مثل مئات الألوف من العرب والعجم في بلد طيب وبين شعب أصيل. عملي هو الصحافة فلا أنا عضو في حزب أو جماعة، ولا أمتهن السياسة. كنت فقط أكتب مقالات «رأي» يمكن الاتفاق أو الاختلاف معها. ولاحقاً توقفت عن الكتابة أصلاً. مر عامان ولم أعد إليها. تحاملت على نفسها وجاءتني هي. قضت فترة وعادت مع وعد أن أكون أنا عندها في القرية المرة القادمة. لكن هذا لم يحدث. لم أعد. تسألني عن السبب؟ مرة أقول إنى لا أستطيع الحصول على إجازة. ومرة ثانية.. وثالثة.. ورابعة.. وخامسة بحجج مختلفة. تحاملت على نفسها مجدداً وهى في الخامسة والثمانين وسافرت إلىّ في رحلة طيران مرهقة تخللها ترانزيت، حيث كان الطيران المباشر متوقفاً وقتها. هذه المرة لم تكن تستطيع الحركة خارج المنزل إلا على كرسي متحرك. ودّعتها في المطار يوم 28 ديسمبر 2018 وقلبي يتمزق. عادت إلى بيتها وقريتها على أمل أن أعود. ولم أعد. سألتني عن السبب فكانت حجة «كورونا» وإغلاق المطارات. من يومها وقد طال انتظارها ما لا يجئ، استسلمت لفكرة عدم رجوعي. وهذا ما يقهرني أنا. لم تعد تسألني «متى ستعود» وسط لغز لا تستطيع فهمه. اكتفت أن اتصل بها مرتين.. صباحاً، ومساء، لتقول بعدها «كده اطّمنت». لكن مؤكد أنها كانت تسأل نفسها «هل ابني الصغير الذي أعطيته عُمري ولم أبخل عليه بأي جهد يكون جِلفاً غليظ القلب منزوع الرحمة؟!». قلبها لم يصدق أني جاحد. بينما عقلها ظل حَائراً بشأن هذا الغياب. (8) الآن يا أمي.. وبعد مشهد وداعك المهيب، وتحوّل عزائك - الذي استمر نحو أسبوع- إلى ما يشبه الفرح بك وبُحسن خاتمتك وذكر محاسنك، والدعاء لك خصوصاً بعد وصيتك بالتبرع بكل ما تملكين – كثر أم قلّ- للأعمال الخيرية. أقول الآن وقد انتقلتِ إلى دار الحق، ورجعتِ إلى ربك راضية مرضية، أستحلفك بمن أنت في رحابه أن تسألي ملك الملوك: « أنا أَمَتُك وعَبْدتك فتحية عبدالرحمن الصيفي.. أريد أن أعرف هل ابني جَاحِدٌ.. هل تَنكّر لي.. هل نسى تَعبي معه ولأجله»؟! اسأليه يا أمي.. وسيخبرك رب الكون الذي «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» بما يُريح بالك ويُجبر خاطرك ويُطيّب جراحك، ويحل لك لُغز حيرتك في شيبتك !.

«كارنيه» المركز القطري للصحافة في جيبي !

(1) شريط طويل من الذكريات اقتحم خيالي، حينما تسلمت بطاقة عضوية المركز القطري للصحافة. عضوية «الكيان- المظلة» الجامع للصحفيين، تظل حُلماً لكل من يعمل بالمهنة. هكذا نشأنا في مصر، إذ كانت عضوية نقابة الصحفيين العريقة،...

قطر بين «النُّضج» و«المؤامرة»

(1) أما وأن أصبح مونديال 2022 على الأبواب، ولا يفصلنا عنه سوى أيام، فإن من حق قطر قيادة وشعباً أن تزهو بهذا الإنجاز. إنه نجاح سيدون في صفحات التاريخ باسم كل العرب. الزهو هنا مصحوب...

التاريخ لن يرحم أي خائن لمونديال العرب !

(1) عام 1906 وقعت حادثة دنشواي بريف مصر، والتي قتل فيها أحد جنود الاحتلال زوجة شقيق صاحب أحد أجران القمح. القصة طويلة انتهت باحتجاز الجنود من قبل الأهالي، وفرار كابتن الفرقة الإنجليزية وطبيبها. أخذا يعدوان...

عُمان.. وإن طال السفر!

(1) طوال السنوات الخمس الماضية، سنحت الفرصة أمامي لرحلات عمل إلى عدة دول، لكن في كل مرة لم تسمح الظروف بالسفر. مرة لتعطّل الإجراءات، وأخرى اعتذاراً مني لظروف عائلية. لكن هذه المرة، تلاقى يُسر الأمور...

من أم كلثوم إلى رغدة.. الموت عشقاً في السفاحين!

(1) بشعرها الغجري المجنون تعهدت رغدة -حبيبة بشار وكل الديكتاتوريين العرب- بأن تقص شعرها وترميه في ساحة سعد الله الجبري بمدينة حلب، عندما يخرج آخر «إرهابي» من أرض سوريا. قريباً سيتحقق حلم رغدة، وسنراها توفي...

روح «أحمد طيبا» تطارد بشار الأسد

(1) دائماً ما يظهر بشار الأسد مبتسماً. كيف لهذا الرجل القدرة على رسم هذه الابتسامات وعلامات الرضا على وجهه، بينما يداه ملطختان بكل هذه الدماء النقية لرجال ونساء وشباب وأطفال شعبه؟ ثم هل يعلم بقصة...

فن «التلميع».. مبارك يكسب!

(1) خلال عصر مبارك كانت السلطة تسخّر الفن، للترويج لها، وفي الوقت نفسه تشويه المعارضين، لكنّ هناك فارقاً بين أن تستعين بكاتب في موهبة وثقل وحيد حامد، ليقوم بهذه المهمة، وبين أن تأتي بكتبة قليلي...