الإدارة السلوكية

نعتذر بداية عن الانقطاع عن الكتابة لفترة وذلك لتركيزي على إعداد المحاضرات والدورات الخاصة بالإدارة والقيادة لعديد من الجهات الحكومية والخاصة. بداية نتحدث اليوم مستكملين تطور الإدارة، الحديث عن الإدارة السلوكية. تأتي فكرة الإدارة السلوكية نتيجة لإخفاق الإدارة الكلاسيكية في معالجة بعض المشاكل المتعلقة بالعامل ذاته كإنسان من حيث تفهم نفسيته واحتياجاته ورغباته وتقديره، حيث كانت كل هذه الأمور مهملة ولا ينظر اليها بشكل جاد بل كانت النظر ان الانسان عامل ثابت في الإنتاج بمعنى أن الانسان سيعمل ويؤدي بالشكل المطلوب مادام يستلم مستحقاته المالية، وهنا ظهرت بعد فترة من الزمن خطأ هذا المفهوم، من حيث هبوط إنتاجية العامل بالرغم من استلامه للراتب. عملت الإدارة السلوكية على ترميم ما افسدته الإدارة الكلاسيكية وإبراز دورالعنصر البشري كعامل أساسي ومتغير في الإنتاج مما حقق العديد من الفوائد المهمة نسرد بعضها أوجدت الاهتمام براحة الموظف فظهرت حقوق الموظف في الاجازات وتحديد ساعات العمل حيث كانت ساعات العمل كثيرة وأحيانا مفتوحة بما يشبه تقريبا السخرة اذا جاز لنا التعبير مما أثر على إنتاجية الموظف او العامل وبالتالي من جودة العمل ومخرجاته. وجاء تكوين النقابات والاتحادات العمالية، اكبر المكاسب اعتبرها حقيقة للعمال والموظفين والتي ستكون حامية لحقوقهم فيما بعد. فالمنشآت والشركات ليست بيئات عمل بقدر ما هي تجمعات إنسانية لأداء مهمة معينة والتي تحدث خلالها الكثير من المواقف والسلوكيات والمواقف الإنسانية ستؤثر على العمل بكل تأكيد. ولذلك كانت هذه الاتحادات تعبر عن بيئة او حاضنة إنسانية يستطيع من خلالها العامل التعبير عن مواقفه وشرح مشكلاته وهمومه. ومن الفوائد المهمة أيضا فهم الدوافع الإنسانية في العمل كالتوقعات والطموح والدوافع واثرها في الإنتاج، حيث شكلت النظرة الجديدة للعامل في الإدارة السلوكية مدخلا مناسبا لفهم ودراسة الدوافع الإنسانية لدى العامل وما الذي يجعله يتحمس ويستثار وتنطلق حينها طاقاته أو ما هي المشكلات التي قد تحرم الشركة من طاقات بشرية بسبب ظروف نفسية او اجتماعية غفلت عنها الإدارة الكلاسيكية. واعتبر هذه النقطة جسر العبور للإدارة الحديثة التي مهدت لمشاركة الموظف في قرارات العمل بناء على أهمية تلك المشاركة ومدى استفادة العمل منها. تأتي الفائدة التالية من الفوائد التحولية التي مهدت لمفهوم الابداع بإكتشاف الاحتياجات من خلال هرم ماسلو. ذلك الهرم الذي عمل تشريح إحتياجات الانسان بشكل رائع مما مكن الباحثين والمدراء من تحديد المستويات التي يعملون من خلالها وكيف يمكن الانتقال للمستوى الاخر بشكل صحيح. انتشرت نظرية ماسلو بعنوان نظرية تحفيز الإنسان، والتي كانت رداً على نظرية فريديرك تايلور الملقب بأبو الإدارة العلمية علم 1908م، الذي شبه الإنسان بالآلة التي تشتغل بالوقود، فالإنسان عند تايلور يحفز بالمال، فجاءت نظرية ماسلو رداً على تايلور، ونشر نظريته كاملة في كتابه ” التحفيز والشخصية”، حيث اعتبر ماسلو أن الإنسان يقوم بالسلوك نتيجة وجود دافع يدفعه للتصرف والقيام بسلوك معين، وهذه الدوافع ناتجة عن ميل الإنسان الدائم لإشباع حاجاته كي يشعر بالراحة والاستقرار والأمان. وختاما نرى أن الانتقال من السخرة ثم التوجيه ثم التعامل ثم المشاركة كانت هي السلسلة التي بنيت خلال فترات تطور الإدارة، حيث تأتي الإدارة السلوكية في خانة التعامل وفهم دوافع الانسان والتي مهدت وشجعت أكثر على الاستفادة من قدرات الانسان في المشاركة في صناعة القرار في العمل.