


عدد المقالات 103
بعد ترحيب فاتر بادرها الرجل بوجه متنمر.. لماذا تعملين مع الحكومة؟ كانت صديقتي المرحة التي تفيض منها البهجة دائما قد اتصلت بي وهي غارقة في الإحباط حتى أنها لم تنتبه إلى أنغام العيد. اتصالها بي جاء عقب انتهائها من مقابلة عمل مع لجنة اختيار صارمة قذفت بها في مناقشات جدلية لولبية. ثم خُتِم اللقاء بعشرين دقيقة من الاستفزاز. وبرغم أن الإعلام يدق آذاننا كل يوم بالكرة الأرضية التي لحمتها العولمة والاتصالات والعالم الذي اتصلت همومه. وبات فقر "أم أيمن" حارسة العقار يُقلق مضجع المنافس الرئاسي الأميركي الثري "رومني" فإن الرجل المتنمر الذي كان أبيض الشعر وجامد الملامح أصر على الفصل القاطع بين الباحثين وبين الحكومات. واعتدل في مقعده يحاضرها قائلا "نحن فئة غيرهم". لم يكشف عن تأثره بمنطقها حين أجابته: وما فائدة الباحثين إن لم يطوروا حياة البشر ويقوموا أخطاء الحكام؟ استرجعت حواري معها بينما طالعتني الصحف بخبر إصدار حكم بالحبس ست سنوات على علماء زلازل إيطاليين سبع حدث أن اشتركوا معا في لجنة خاصة توجهت لمعاينة منطقة "لاكويلا" وسط إيطاليا قبيل وقوع الزلزال. وكان سبب الرحلة العلمية وجود نشاطات زلزالية سجلت هناك قبل 6 أشهر من ذلك الحين. ورأت اللجنة أن لا خطر يحدق بالسكان، لكن الزلزال عاندهم وضرب المنطقة في السادس من أبريل من عام 2009 بقوة 6.3 درجة على مقياس ريختر فدمر المباني السكنية والأثرية خاصة في مركز مدينة "لاكويلا" الأثري مخلفا 308 قتلى و29 ألف مشرد باتوا بلا مأوى. كانت الحكومة هي التي استعانت بعلماء الزلازل، ثم هي أيضاً من قاضتهم حتى السجن. أعادت المحاكمة النقاش مرة أخرى إلى السطح طارحة السؤال الجوهري: هل ينفصل الباحثون في جزر معزولة أم يقدموا ثمار أبحاثهم إلى الحكومات والممارسين والإعلام وإلى متخذي القرار؟ الرجل جامد الملامح كان من مدرسة ترى حتمية الفصل مشجعا العلماء على البقاء في صناديق أنيقة عالية على قمم الجبال ينظرون للواقع ويشخصونه ثم يسجلون ملاحظاتهم لينشروها في مجلات علمية لا تصل ليد العاملين بالحكومات ولا إلى أيدي البرلمانيين أو الممارسين. على أن صديقتي الأستاذة بإحدى الجامعات الأوروبية كانت من المشجعين للخلط بين الباحثين وبين العاملين بالحكومة. وكانت هي من تؤكد أن جهود الباحثين غيرت نوع الزيوت التي تدار بها سياراتنا، كما اختلفت ملامح الإعلانات وفق آراء علماء الاتصال. كلما تطور التعليم بالمدارس وصارت تعلم الأطفال كلمات وليست حروفا وفقا لنتائج أبحاث التعليم. كذلك خلع "جورج بوش" الابن رابطة العنق حين أكد له علماء النفس أنها تزيد الحواجز مع الجمهور ولا تضيف إليه احتراما أو هيبة. عزل الباحثين في مواقعهم العالية لا يعني إلا ممارسات تعتمد على التجربة. والتجارب دائما ما تحتمل النجاح والفشل. وما نحتاج إليه هو تقليص حجم الفشل، فلا الفقراء قادرون على تحمل مزيد من السياسات الفاشلة ولا بالبيئة موقع جديد لمزيد من التلوث. ولا في قلوب الأوطان مكان لتحمل مهاترات ومغامرات حكام لا يكترثون إلا بمكانتهم ومواقعهم وخزائن أموالهم. صديقتي وأنا معها نرى أن العلماء يجب أن يبحثوا من أجلنا. من أجل أبنائنا وأجيالنا القادمة. من أجل حكم أكثر عدلا ومسؤولين يعملون وفق الحقائق والمعلومات وممارسين يستندون إلى الحقائق والمعلومات وليس للأهواء والحسابات، وإن أخطأ العلماء مرة فأخطاؤهم لا تضارع أخطاء من أشعلوا الحروب وسرقوا الثروات وأقاموا عليها القصور. الرجل ذو الشعر الأبيض الذي رأس اللجنة العلمية التي تقابل الباحثين المرشحين للمنصب الجديد قال لصديقتي: أرأيت لقد سجن علماء إيطاليا بسبب أبحاثهم الخاطئة؟ لكنه لم يرد عليها حين أجابته بأن علماء الجيولوجيا في العالم أجمعوا على استحالة التنبؤ الكامل بالزلازل، وأن الطبيعة ما زالت تخبئ عنا الكثير من أسرارها، ثم قبل أن تخرج قالت له إن حكام الدول العربية تجاهلوا الباحثين وتحذيراتهم من ثورات الشعوب ومن الكيل الذي طفح والظلم الذي طغى والفساد الذي طفا، لكنهم أغلقوا على العلماء الغرف؛ فثارت بعض الشعوب وانكسرت الأبواب. أجابته وخرجت؛ فاستقبلتها نسمة ناعمة ورائحة ياسمين وطريق اتسعت جوانبه ومر به كل البشر.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...