


عدد المقالات 103
أردت أن أجرب الاكتشاف بمفردي في بلد يبدو كارها للنساء يقصيهن لأبعد مكان فيه. يدفع بهن إما نحو القاع أو نحو الظلام. ظل الخوف والغموض يرافقاني حتى بلغت المجمع التجاري الكبير وظننت أن جدرانه قد تكفل لي استراحة من الخوف، لكن وهمي ما لبث أن انجلى بعد دقائق حين علا صوت يحذر ويهدد. لم ألتقط مما سمعت سوى الوعيد. عبثا حاولت بلوغ مصدر الصوت أو معرفة هويته. اتجهت إلى رجلي الأمن اللذين نظرا إلي ببعض الريبة وأظنهم شكوا في قواي العقلية. وفى الداخل حين استكنت إلى وجه مريح سألت السيدة: من هذا الذي توعدَ ويبلغ صوته كل الطوابق كافة؟ أتتني منها نظرة جوفاء واستدارت مبتعدة تاركة لي السؤال بكامل حمولته. عدت للبحث عن مصدر الصوت وأنا أقرأ خبر الحكم على الفنان المصري عادل إمام، والكاتب لينين الرملي، والمخرجين محمد فاضل، وشريف عرفة، وذلك لاتهامهم بازدراء الأديان عبر أعمالهم الفنية التي شاهدها الملايين. ثم اكتشف أحدهم فجأة أنها تزدري الأديان!! على أن هذا الحكم الغريب لم يصدر منفردا بل متزامنا مع تصريح الشيخ السيد عسكر رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري الذي أعلن نيته لتفعيل قانون الحسبة. بل وأضاف أن حزب الحرية والعدالة يعكف حاليا على إعداد مشروع قانون لتجريم المشاهد الإباحية في وسائل الإعلام كافة لإقراره بمجلس الشعب في أقرب فرصة. وكشف رئيس اللجنة الدينية أن الجهات المسؤولة سيصبح عليها بعد إقرار المشروع منع المشاهد الإباحية على اختلاف أشكالها من كل وسائل الاتصال. وسيتم توقيع عقوبات رادعة على المخالفين، يتم مضاعفتها في حالة تكرار الفعل الآثم. كما أن القانون لن يفرق بين الأفلام القديمة والجديدة وسوف يطبق على أي محتوى ما دام يضر المجتمع من وجه نظرهم. وأوضح الشيخ عسكر أنه سيكون للقانون القول الفصل في حالة حدوث اختلاف في النصوص مع قانون الرقابة على المصنفات الفنية، مؤكداً أن الغلبة ستكون للقانون الأحدث وهو بالطبع القانون الجديد قيد النقاش!! على أن مصر قد شهدت العديد من دعوات الحسبة لكن أشهرها وأكثرها جدلا دعوى الحسبة التي رفعها الشيخ يوسف البدري عام? ?1993? ?ضد الدكتور نصر حامد أبوزيد? ?عندما? ?طالب أبوزيد بالتحرر من سلطة النصوص الدينية. ? ?وأثارت كتاباته ضجة إعلامية في منتصف تسعينيات القرن الماضي واتُهم بالارتداد والإلحاد? ?وحوكم بمبدأ? «?الحسبة?» ?باعتباره مرتدا، واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر حامد أبوزيد وزوجته قسراً،? ?على أساس? «?أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من? ?غير المسلم?»،? ?وفي نهاية المطاف? ?غادر وزوجته د?.?ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي،? ?القاهرة نحو المنفى إلى هولندا،? ?ليقيما هناك حيث عمل نصر حامد أبوزيد أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن?.? ?وخضعت للحسبة أيضا د.نوال السعداوي إثر تعرضها لتاريخ الطواف بالكعبة. وكذلك المفكر سيد القمني حيث تعرض لهجمة? ?من بعض المؤسسات الدينية وبعض محترفي قضايا الحسبة? ?وصلت إلى حد المطالبة بسحب الجنسية المصرية منه،? ?عقب فوزه بجائزة الدولة التقديرية،? ?بدعوى إساءته للإسلام وإشعال الفتنة والترويج للفكر العلماني?. ?ولم يسلم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من نار الحسبة حين أراد أحد الأشخاص المغمورين أن يلقي محاضرة عامة،? ?في كلية الآداب بجامعة القاهرة? (?الجامعة المصرية الوحيدة آنذاك?) ?فرأى طه حسين أن هذا الشخص? ?غير مؤهل لذلك،? ?وموضوع محاضرته? ?غير جدير بإقامتها?.. ?وقام هذا الشخص الذي رُفض اقتراحه،? ?بإثارة الغبار في الوجوه،? ?وأشعل حرباً? ?ضد طه حسين متهماً? ?إياه بازدراء الأديان وتعلَّق بفقرات من كتاب? (?في الشعر الجاهلي?) ?ولم يرد عليها? ?أو يواجه الكتاب بكتاب أو يناقش الأفكار وإنما قام بتقديم بلاغ? ?للنيابة، ?وطالب شيخ الأزهر باتخاذ الوسائل القانونية الفعالة? ?ضد طه حسين وتقديمه للمحاكمة?. ?وكذلك أزمة كتابه? (?تجديد ذكرى أبي العلاء?) ?والتي أخمدها سعد زغلول الذي كان رئيساً? ?للجمعية التشريعية?.? وطالت نيران الحسبة أديب نوبل المصري العالمي نجيب محفوظ عندما تقدم شاب ممسكاً? ?بسكين في يده للاعتداء عليه أمام داره بحي العجوزة? (?على شاطئ النيل بالجيزة?) ?ذات صباح من عام? ?1994على خلفية دعوى قضائية لمنع نشر? «?أولاد حارتنا?»?،? ?وكانت ثمة محاولات لنشرها آنذاك?.? يرى بعضهم أن الخروج من هذا المأزق يحتاج لتفعيل نصوص القانون التي تنص على أن مقيم دعوى الحسبة لا بد أن يكون صاحب مصلحة وذا صفة، بمعنى أنه لا يجوز لأي شخص أن يقيم دعوى حسبة باسم الشعب والذوق العام، والوحيد المنوط له ذلك هي النيابة العامة التي تعبر عن ذوق المجتمع، ولا يجوز لأي فرد الحديث باسم المجتمع أو اعتماد نفسه وكيلا عن الشعب أو حارسا لأخلاق العباد. بينما يرى آخرون أن المواطنين وحدهم هم القادرون على الاختيار وعلى قبول أو رفض ما يرتضونه لأنفسهم. وأن الشعب هو من عليه أن يقرر الصواب والخطأ ولن يتمكن شعب من التقرير من دون حرية. فالرقابة هي فعل يليق بالعبودية وبصناعة العبيد. وفي الألفية الثالثة التي شهدت معارك دامية للشعوب لاستعادة حريتها. يصبح من العبث العودة إلى العبودية عبر تقييد حرية الإبداع. وعبر زرع الخوف في ضمائر البشر ومصادرة أحلامهم وحقهم في الاكتشاف وفي الاختلاف تحت أي مسمى كان. أو عبر الاستيلاء على حق الأفراد في الاختيار. ففي القرن الواحد والعشرين لن يدع شعب لبضعة نفر منه حق تقرير المحظور والمباح. ولن يسمح مواطنون لآخرين مثلهم بالوصاية على عقولهم أو على ضمائرهم أو فحص لون الدماء بقلوبهم.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...