الرأي والرأي الآخر «في البحرين»

موضوع الليلة في برنامج الاتجاه المعاكس عن المسألة البحرينية لمن أراد المتابعة عن قرب. وأتمنى أن لا يكون حواراً للطرشان، لأن الجميع إخوة. فهل يقوم برنامج الاتجاه المعاكس لهذه الليلة برفع سقف حرية التعبير حتى يستظل بظله كل صاحب حق في المحيط الإقليمي لمجلس التعاون. ويمد نطاق خيراته للجار الجنب.. أم أن حرية التعبير بضاعة ممنوعة من الصرف في الدائرة الخليجية الضيقة، ومعفية من القيود حين تغادر تلك الحدود. أعتقد أن مراعاة التوازن في قوة الحجة والثراء الفكري عند اختيار المتحاورين وثقلهم في الواقع السياسي البحريني وفهمهم له شرط أول لنجاح الحلقة وإعطاء كل صاحب حق حقه. إذن لنتفاءل بقدوم حرية التعبير بشكل أوسع، ولننتظر ونر وصول خيرات الرأي والرأي الآخر للصاحب بالجنب.. نعلم أن النظام في البحرين يدعي أن أجندة المعارضة تحمل بعدا طائفيا قد يؤدي إلى تفكيك اللحمة الوطنية وضرب مبدأ المواطنة في الصميم، ويرى كذلك أن الدافع وراء أجندة الإصلاح لدى المعارضة ليست المصلحة الوطنية فقط، وإنما الولاء لجهات أخرى قريبة.. وسواء كان النظام صادقا مع الرأي العام عند طرحه لهذا التخوف وذلك الاعتقاد، أم كان الهدف منه خلق فزاعة أمام الشعب البحريني ككل لقطع الطريق على عملية الإصلاح الضرورية، فإن الواجب على المعارضة من خلال من يمثلها الليلة في برنامج الاتجاه المعاكس إثبات عدم جدية هذا التخوف سواء للنظام أو للشعب ككل، وهو للشعب أوكد، حتى تتفق الغالبية العظمى مع الأجندة، وهي مطمئنة على مصير الوطن. وهذا الإثبات يحتاج إلى أدلة وقرائن من خلال مشروع المعارضة للإصلاح، وكشف اللثام عن بنود الرؤية السياسية للمعارضة كحل للمعضلة البحرينية.. ومع أن رأيي في هذا الموضوع يتلخص في أن مقولة «إن ما حدث في البحرين يعتبر فتنة طائفية وحرباً أهلية وصراعاً بين أطياف المجتمع البحريني» دعوى تفتقر إلى الدليل، ولا بينة عليها إلا تصريحات الإعلام البحريني الرسمي وخطب الحكومة وبياناتها، لأن الأمر في حقيقته مظاهرات سلمية في غالب أحداثها قام بها الشعب البحريني أو على الأقل فئة لا يستهان بعددها منه للمطالبة بحقوق مشروعة في اقتسام السلطة والثروة، والمشاركة الجادة في أحداث الوطن، وهو أمر حدث في أكثر من مكان، وفي كذا موطن في الوطن العربي الذي عشش الفساد السياسي فيه وفرخ، فلماذا نراه حقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في دمشق وطرابلس والقاهرة وصنعاء، ونعتبره في الجارة المملكة وسواس شيطان ومؤامرة دولية، هل هناك مدينة فاضلة حتى نقرر ومنذ البداية أن الحراك الشعبي في مملكة البحرين نزعة إبليسية تحتاج إلى الردع السريع من قبل الجميع، وتستحق حشد الجهود وجمع الأدلة بالحق والباطل حتى نتمكن من تسفيه أحلام هذه الفئة من الشعب البحريني؟ هذا هو رأيي الذي نشرته من قبل وما زلت مقتنعاً به. وللأسف أن هذا الرأي لا يرفع شعاره إلا القلة من أصحاب القلم، ويتم التعتيم عليه بشكل مبالغ فيه، أما تبني وجهة النظر الحكومية من أول يوم في الأحداث فلقد كان ديدن غالبية الأقلام الخليجية، لهذا كان من الضروري للمشاهد العربي أن يصل إلى سمعه صراخ الطرف الضعيف في المعادلة البحرينية حتى لا يكون شاهد زور على ما يحدث هناك من حراك شعبي يطالب بشكل سلمي بنصيبه في المشاركة في صنع مستقبل وطنه، واعتباره مواطنا كامل المواطنة، له من الحقوق وعليه من الواجبات ما للآخرين من أطياف المشهد السياسي البحريني من حق وما عليهم من واجب.. لهذا نرحب بهذا اللقاء المرتقب بين طرفي النزاع في المشهد البحريني الذي يفتح باب الحوار بين الإخوة، ونتمنى أن يبتعد كل طرف عن التطرف في الخصومة، ويتخير من العبارات ما يجمع ولا يفرق، وأن يكون هدف المتخاصمين الاتفاق على كلمة سواء وأجندة موحدة يكون هدفها الأسمى تحقيق مصلحة الوطن في الحاضر والمستقبل ومطالب الشعوب في العيش الكريم في أوطانها، والمشاركة الجادة لكل المواطنين في صنع القرار الوطني ففي زمن الربيع العربي لا مجال لإقصاء فصيل لمصلحة فريق آخر، والاستفراد بالثروة والسلطة لا مكان له من الإعراب في عصر الثورات العربية، خصوصا وأن الوطن للجميع وليس تركة يتوارثها فصيل كابراً عن كابر. والكل في الهم مواطنون.. فلنتابع اللقاء ونستمع للرأي والرأي الآخر بروح من يبحث عن الحقيقة، وهو خال من رصيد الأحكام الجاهزة، حيث إن من شروط الفصل في موضوع النزاع أن تستمع بذهن محايد لمرافعات طرفي الخصومة. ولا تبن حكمك على قرب أو بعد أحد الطرفين من قناعاتك وتوجهاتك. وأن لا يكون للعاطفة دور في تحقيق العدالة، فالقاضي يصدر حكمه استنادا لما يصح أمامه من وقائع بغض النظر عن مشاعره الشخصية.. والمهم والأهم في الأمر كله أن نبتعد عن وسيلة السب والشتم للدفاع عن الرأي لأنها صفة العاجز وشيمة القاصر، ومن هذا ديدنه لن تجد عنده من الفائدة غير فائدة سراب الماء للظمآن.. وخلاصة القول لنترك الأبواب مشرعة أمام الرأي والرأي الآخر، ونترك الخيار للشعوب كي تقرر من الأصلح للبقاء. والعملة الجيدة مهما طال الزمن تطرد الرديئة. المهم أن نبتعد عن أسلوب الوصاية على الشعوب، فلقد بلغت سن الرشد السياسي والفكري. والأنظمة العربية أولى بالتهذيب منها لأنها هي حجر عثرة مسيرة التطور في الوطن العربي.. وفي الأخير نصفق لقناة الجزيرة قيامها بهذه الخطوة فأخيراً أصبحت المسألة البحرينية حديث الاتجاه المعاكس، وهذا أمر يرفع من رصيد القناة لدى المشاهدين، ويعزز من دورها كوسيلة إعلام حر.. لأن عدم المساواة في نقل الحدث وتسليط الضوء عليه بين هنا وهناك يقلل من هيبة حرية التعبير، ويفتح الباب أمام اتهام من يرفع شعار الرأي والرأي الآخر بالتقصير إن لم نقل بالمحاباة والتواطؤ. والسلام