alsharq

محسن عتيقي

عدد المقالات 6

سنة دولية للإبليات.. خطورة تحويل الجمل إلى بقرة!

24 مارس 2024 , 09:49م

أولى الكتابات المسمارية التي تتعلق بالبدو الذين يركبون الجمل تُنسب إلى الآراميين الذين قاتلوا ضد خصمهم الآشوري ناصر بال في عام 880 قبل الميلاد. مصدر ذلك، على الأرجح، النصوص الآشورية التي تتحدث عن معارك العرب والآشوريين حيث يرد في سياقها ذكر الجمل أو "جملو" أو "كملو". وجود ضارب في القدم يستحق الاحتفال به أخيرا! في إحدى المدونات، تترقب الطبيبة البيطرية إلسي كولر رولفسون بنوع من الريبة أخبارا بشأن الاحتفال بالسنة الدولية للإبليات (IYC) التي أعلنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2024. كان لافتا بالنسبة لها، غياب أية خطط تتعلق بالحدث مقارنة بالاستعدادات التي تجري على قدم وساق، للاحتفال بالسنة الدولية للمراعي والرعاة في عام 2026. ماذا تعني سنة دولية للإحتفال للإبليات؟ إنها، بحسب الكاتبة، فرصة لتجنب أخطاء قطاع ألبان الأبقار، في الوقت الذي يتم فيه عقد مؤتمرات منتظمة، للترويج لحليب الإبل باعتباره من بدائل تعزيز الصحة البشرية، ومع تركيز الأبحاث بشأن تحسين أنواع الجمال وزيادة الإنتاجية بالتلقيح الاصطناعي تتضح للكاتبة أخيرا خطة من نوع ما لتحويل الجمل إلى بقرة!. نشر القائمون على نظام DAD-IS، وهو نظام معلومات خاص بالتنوع الحيواني تابع لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، قائمة توثق 89 سلالة من الإبل العربية ذات السنام الواحد، و14 سلالة من الإبل البكتيرية ذات السنامين. من بين سلالات الجمل العربي، توجد 47 سلالة في أفريقيا، و14 في آسيا، و23 في الشرق الأوسط، وسلالتين عابرتين للحدود. أما الإبل البكتيرية فتوجد تسعة من سلالاتها في آسيا، و3 في أوروبا، واثنتان عابرتان للحدود. تهمنا، في هذا الصدد، سلالاتنا العربية أولا، ليس لأنها تعكس تنوعا بيولوجيا غنيا فحسب، وإنما لكونها تمثل تراثا شديد الصلة بالثقافة المحلية والأخلاق التقليدية لدى رعاة الإبل. ربطت إلسي كولر، وهي أيضا مؤلفة كتاب "عشرون عامًا بين بدو الإبل في الهند"، بين التنوع الجيني الحالي للإبل، وممارسات التربية التقليدية المتأصلة ثقافيًا لدى المجموعات العرقية المربية للإبل. وتتساءل إلسي، في مقالة أخرى منشورة حديثا، عن كيفية الحفاظ على هذا التنوع، في الوقت الذي يتم فيه عزل مناطق الرعي التقليدية الخاصة بمجتمعات تربية الإبل الأمر الذي أوقف معظم أنظمتهم التي حافظت تاريخيا على التنوع الوراثي للإبل والحفاظ على قدرتها في إنتاج الغذاء في بيئات قاحلة. تلك القدرة التي لاشك، طبقا للمقال، تقع تحت تهديد ممارسات التربية الحديثة للإبل اعتمادا على نقل الأجنة والتلقيح الاصطناعي. يحدث منذ 30 إلى 40 عامًا، تآكل في جينات الإبل وتنوعها البيولوجي. آلاف السنين من الاستئناس في البيئات الطبيعية الخاصة تم تجاهلها لتأسيس حياة جديدة للإبل مختلفة جذريا عن تاريخها الرعوي. لم يعد الجمل سفينة الصحراء، وإنما حيوان ضمن نظام الغذاء العالمي، يتم توحيد جيناته لزيادة إنتاجيته على غرار الأبقار في إنتاج اللحوم والألبان. استبعدت خبرة الرعاة التقليديين التي حافظت على التنوع المذهل لسلالات الإبل واستطاعت تكييفها ثقافيا وزراعيا مع بيئاتها وظروفها المحلية، وبدون تلك العلاقات الوثيقة بين الرعاة والإبل تصبح هذه الأخيرة ”تروساً في عجلة المزارع الكبيرة“، يتم تسمينها بالأعلاف المصنعة المستوردة، بدل أن تمارس نشاطها البيئي التاريخي في تحويل النباتات الصحراوية إلى بروتين حيواني طبيعي. لم يكن رعاة الإبل يحتفظون بسجلات مكتوبة تخص السلالات، إلا أنهم كانوا يحفظون أصول جمالهم بالتكاثر النقي. كما أن الثقافة الشفهية المرتبطة بمجتمعات البدو الرحل حافظت على كثير من المعلومات. كان لكل مجتمع مفاهيمه الخاصة عن الجمال وخصائصها المرغوبة. ونتيجة للتربية التقليدية التي خضعت في الغالب لمنظومة القيم الخاصة بمجتمعات تربية الإبل، تنوعت السلالات وفقًا للعناصر الثقافية. فكانت الإبل تأخذ أسماءها نسبة إلى المجموعة العرقية التي ترتبط بها، ولا تباع إناث الإبل إلا داخل هذه المجموعة باستثناء تناقلها من جيل إلى جيل أو تقديمها كمهر للعروس من مجتمع آخر، وفي الثقافة العربية كان يتم في بعض الأحيان تلقيح الناقة بحضور شهود على أصالتها من فحل أصيل خامس على الأقل، كما لا يتم بيع الإبل النجيبة الأصيلة إلا عند الضرورة وتكون لأقارب المالك أولوية شرائها. وكتب الإبل مسطورة في تفاصيل خبرة العرب الفريدة منذ القدم بمعرفة سلالات الإبل وأصولها، ومنها تفصيلهم الدقيق في وضع أسمائها وتصنيفها وفق سلالاتها وجنسها وأعمارها وأعدادها وألوانها وقوتها ونشاطها وإنتاجها وغير ذلك من المعايير التي تناقلتها الأجيال إلى أن أصبحت تراثا معرفيا أصيلا يعكس العناية التي أولاها العرب للحفاظ على سلالات الإبل. في مناطق مختلفة من العالم تتعرض الكثير من معارف السكان الأصليين للتهديد، والرعاة الذين حافظوا على التنوع البيولوجي للإبل يخسرون أرضهم في المناطق النائية من أفريقيا وآسيا، ومن أمثلة ذلك فقدان مجتمع رايكا في الهند حقوق الرعي العرفية في تلال أرافالي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض هائل في أعداد الإبل في راجاستان، وهي الولاية التي تضم حوالي 80% من الإبل في الهند. وفي مناطق شرق إفريقيا حيث يوجد أكبر عدد من الإبل في العالم، وتحديدا في تشاد والصومال، لم تعد حركة الإبل ضمن مجموعاتها المتفرقة متاحة وآمنة بعد عزل المراعي. أما في الأوتباك الأسترالي، حيث يمكن رؤية أكبر قطيع من الجمال البرية في العالم يقدر بمئات الآلاف، فإنه يتم إعدام آلاف منها بواسطة طائرات الهليكوبتر تفاديا لتوقف حركة المرور لفترة طويلة. في ديسمبرعام 2017 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة جعل 2024 سنة دولية للإبليات، الأنواع الستة وهي الجمل العربي الألباكا والجمل ذو السنامين والغواناكو واللاما والفيكونيا العالم مدعو للاحتفال بها، نظرا لما تشكله، كما يورد القرار، من سبل العيش الرئيسية لملايين الأسر الفقيرة حول العالم، وباعتبار الإبليات عنصر هام من عناصر الهوية الثقافية والروحية للشعوب الأصلية العريقة، لذلك فالاعتراف بمنتجاتها والتوعية بأهميتها ودعم الترويج لها أمور بالغة الأهمية للأمن الغذائي ووظائف النظم الإيكولوجية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. قبل عقد من الزمن توصلت دراسة بعنوان "المراجعة العالمية لاقتصاديات الرعي"، نشرها برنامج المبادرة العالمية للرعي المستدام، المشترك بين الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة (IUCN) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إلى أن نمط الحياة التقليدي (البداوة) يفيد اقتصادات البلدان النامية والتجارة الدولية، وكشفت الدراسة أن أنماط الحياة البدوية تساهم بما يصل إلى 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي في البلدان الإفريقية، وأن أهميتها بالنسبة للاقتصادات الوطنية والتجارة الدولية أكبر بكثير في مما يُعتقد. ففي إثيوبيا مثلا، تعد صناعة الجلود، التي تقوم على الإنتاج الرعوي، ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد القهوة. وبحسب الباحثين المشاركين: "يمكن أن يكون الرعي أكثر إنتاجية بما يصل إلى عشر مرات من تربية الماشية التجارية في ظل نفس الظروف، ومع ذلك، غالبًا ما يُحرم الرعاة من حقوقهم لصالح المزارع". ووجدت الدراسة أن: الرعي المتنقل، أو نمط البداوة، في العديد من البلدان قد يكون أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية للأراضي الجافة إلى جانب حفاظه على التنوع البيولوجي والتخفيف من آثار تغير المناخ. على الرغم من هذه الحقائق، خلصت الدراسة إلى أنه: لا يُعرف سوى القليل عن الفوائد الاقتصادية للرعي. ونتيجة لذلك، غالبًا ما يُنظر إلى البداوة على أنها أسلوب حياة متخلف مصيره الزوال قريبًا. ولا تزال مثل هذه الأحكام سائدة بل وتصوغ بموجبها إجراءات قانونية واقتصادية تعمق الفقر في المجتمع الرعوي، بل وتهدد القيم والمعارف المرتبطة به. يأتي الاحتفال بسنة دولية للإبليات هذا العام في وضع عالمي يشهد اختلالات مناخية متفاقمة، ولآلاف السنين، وقبل ارتفاع أصوات المبادرة العالمية للرعي المستدام (WISP)، شكل اللجوء إلى الصحراء ملاذ الجمل دفاعا على بقائه من هجوم الضواري، متكيفا مع بيئته الصحراوية ومتخصصا في تحمل طبيعتها وإنتاج الحليب من أشواكها، واليوم عندما يتم الاحتفاظ بالجمال في الأنظمة الصناعية وتغذيتها على غرار البقر، فإنها تفقد هذه الصفات. لذلك فإن الحفاظ على التنوع الوراثي للإبل، يتطلب العودة إلى الأصول، التي لا تستقيم بدون دعم المجتمعات الرعوية المحلية.

ابتسامتنا الذكية ..

«تتميز أعماله بقدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية، وتأثيرها بالغ الأهمية في توثيق العلاقات الإنسانية بين مختلف الثقافات والشعوب... هي ابتسامة ذكية تستوطن رسوماته الكاريكاتيرية التي عالج من خلالها العديد من القضايا المحلية والإقليمية والعالمية في...

..الإبادة الثقافية !حرب غزة الصامتة

تعانقت أرضها مع الكنعانيين، وتغنت بها قصائد الأشوريين ونقوش اليمن القديم، وفي أسواقها نسجت حكايات الشرق والغرب، فكانت لؤلؤة المتوسط ودرة الشام، وعلى أسوارها تحطمت أحلام الغزاة. هي غزة، التي تقف شامخة تاجًا على جبين...

! المؤلف في ذمة الله

في إحدى الفعاليات التكريمية صرح الروائي الصيني المعروف «مو يان» باستخدامه الذكاء الاصطناعي في تحرير خطاب يشيد بصديقه الكاتب يو هوا، حدث ذلك بعد محاولته لأيام دون أن يتوصل إلى كتابة خطاب لائق، وفي لحظة،...

ألوان سلمان المالك الجديدة

تتعلق مناسبة هذه المقالة عن الفنان التشكيلي القطري البارز سلمان المالك، بدعوة كريمة لزيارة مرسمه قبل أيام، ومحاورة سابقة بعنوان: هل حقق المالك نقلة نوعية في معرضه «اتجاه»؟ وبشكل أساسي بجديد فناننا في معرضه المنصرم...

ذعر الشاشات! هل أصبحنا أكثر غباءً؟

في ظلّ ازدياد أهمية الثقافة ودورها في تشكيل الهوية والوعي المجتمعي، تبقى إشكالية الذكاء الاصطناعي وتأثير الشاشات الذكية على مستقبل الطلاب، أحد أهمّ الموضوعات الثقافية التي تُناقش حاليًا. حول هذا الموضوع، يستند المقال إلى تحقيق...