


عدد المقالات 129
إذا كان من الطبيعي والمعروف جداً أن تتأثر بلداننا العربية بهجرة عقولها المبدعة إلى الخارج، على مستوى الإبقاء على تخلفها وبؤسها العلمي المتفاقم (وتراجع مستويات حقول المعرفة وإضعاف الفكر العلمي والعقلاني)، فإن من غير المنطقي أن يتم تحميل هؤلاء المهاجرين المبدعين مسؤولية هذا التخلف أو حتى مسؤولية جزء بسيط منه، لأن هؤلاء ليسوا في موقع القيادة والتخطيط لبلدانهم، ولم تتح للكثيرين منهم فرص ومناخات العمل العلمي الصحيح في داخل بلدانهم، وأساساً لا تتوافر أية ركائز علمية بحثية ذات قيمة فيها، فضلاً عن أن جل اهتمام مسؤولي بلدانهم ونخبها السياسية ليس منصباً على العلم والمعرفة العلمية ومحاولة تطوير مجتمعاتهم وإيجاد موطئ قدم فعّال لها على المستوى العالمي، بمقدار ما هو منصب ومتركز على السلطة والحكم وديمومة الكراسي للأسف.. وإذا كان من الضروري التذكير هنا بأن كثيراً من البلدان العربية ترسل طلاباً على شكل بعثات دراسية علمية إلى كثير من الجامعات المرموقة والمعروفة دولياً بهدف تحقيق مزيد من التأهيل العلمي العالي الصحيح، فلا بد من أن نوضح أن كثيراً من هؤلاء العائدين من الخارج يوضعون ويسمون في وظائف ومراكز حكومية لا تتناسب أساساً مع طبيعة تأهيلهم ودراستهم العلمية التي درسوها وابتعثوا من أجلها للخارج وتكلفت الدولة من أجلها الكثير من الوقت والجهد والمال. من هنا وبناءً على هذه الصورة السوداوية لحالة الاستنزاف والهروب المتواصل للعقول العلمية إلى الخارج (خارج بلدانها إلى بلدان عربية أخرى مجاورة لها قد تجد فيها بعض المواقع العلمية المتقدمة للعمل والبحث، أو الهجرة إلى خارج الدول العربية إلى أوروبا أو أميركا للعمل والبحث وزيادة التأهيل العليم)، ثمّة أسئلة إشكالية نطرحها ونحاول البحث عن إجابات منطقية وعقلانية وواقعية لها: لماذا هذا الإصرار الموجود لدى العقول والكفاءات العلمية العربية لمغادرة بلدانها وعدم العمل فيها؟ ثم ما الأجواء والمناخات الملائمة المطلوب تأمينها على كل المستويات والأصعدة كي تبقى تلك العقول في داخل بلدانها تعمل وتبحث وتطور؟ وهل مجتمعاتنا العربية مؤهلة أساساً لتأمين ظروف عمل وبحث علمي حقيقي لتلك العقول المبدعة؟!! أسئلة كثيرة ولا شك يمكن تسجيلها حول واقع العقول العربية المهاجرة، وأسباب هجرتها، لأن طبيعة هذا الملف العلمي مرتبط في العمق بأزمة التخلف العربي ككل، ويظهر لنا أن مشهد العقول العلمية المهاجرة هو جزء بسيط من الصورة الإجمالية الكلية لأزمة مشروع الاستنهاض العربي، وحالة الإخفاق الكبير الذي وصل إليه ككل، والذي لم تتمكن كل نخبه وكفاءاته وعقوله من الإجابة العملية –وليس النظرية فقط- على السؤال النهضوي الإشكالي الكبير المطروح منذ أكثر من قرن من الزمان: لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب؟ إننا نعتقد أن تشخيص أسباب وعلل المرض هو بداية وضع العلاج الناجع والملائم له، وأن البحث والتقصي في جملة الأسباب الطاردة للكفاءات العلمية العربية –كمرض علمي عربي مزمن- ليس صعب التحقق والمنال. وإذا تتعدد وتتنوع وتتراكب تلك الأسباب التي تدفع الأدمغة العربية إلى الهجرة، فلا بد من أن نركز الحديث هنا حول أهمها وأجلاها وأكثرها وضوحاً وهو العامل السياسي، حيث إن غالبية المجتمعات العربية محكومة بنظم قائمة على قاعدة الغلبة وحكم القوة والبطش، وبالتالي هي تعيش وتعتاش على مناخ التوتر والتناقض، مما يسبب لشعوبها على الدوام مشاكل وأزمات واضطرابات سياسية لها تكاليف وأثمان باهظة مادية ومعنوية حاضرة ومستقبلية تطاول حياة مستقبل الأجيال اللاحقة ومختلف مواقع العلم والعلماء، التي تحتاج إلى بيئة حاضنة للإبداع العلمي وجاذبة للعقول المبدعة، لها شروطها من حرية واستقرار وميزانيات بحث علمي ضخمة تمكن أولئك الباحثين من العمل الإبداعي والمنتج. أما ما هو قائم في تلك البلدان فهو على العكس تماماً.. إذ لا تكاد تخلو بلاد عربية من حالة اللا استقرار السياسي والاجتماعي، وحالة شبه حروب أهلية متنقلة ومستمرة، أو القائمة تحت الرماد بسبب التوترات والنزعات والاستحكامات الطائفية والعشائرية. ويضاف إلى ذلك أن طبيعة الثقافة السائدة والمهيمنة في عوالمنا العربية، اتباعية اتكالية تلقينية، ذات أبعاد إطلاقية غير نسبية، تعمل بالنص والمرجعية النصية، وليس للشك واللايقين أي وجود فيها.. ومن المعلوم أن البحث العلمي يحتاج لبيئة ثقافية تتصف بالنسبية والتشكيك واللايقين العلمي، لأنه (أي العلم) قائم على التجربة والاستكشاف البحثي المادي المعتمد في جوانب كثيرة منه على الأوليات والبديهيات والقبليات العقلية. ومن الأسباب الطاردة للعقول أيضاً نجد هناك الأسباب الاقتصادية والاجتماعية القائمة في داخل بلداننا العربية والمتعلقة بانعدام تكافؤ الفرص، وعدم وجود الفرص العملية التي تناسب عمل هؤلاء المبدعين كما ذكرنا آنفاً.. وعلى هذا المستوى لا نجد أن بلداننا العربية مهجوسة بهذا الجانب، وهو أصلاً ليس موجوداً على أجندتها أو على سلم أولوياتها.. كما أنها ليست معنية بالإفادة من مجمل الاختصاصات العلمية خاصةً على صعيد إيجاد أو تأمين مجالات عمل لأصحابها، مما يجعل من هؤلاء الخريجين الجامعيين أنفسهم ضحايا البطالة خاصةً المقنعة منها (أعني بها أن يعمل المرء في مؤسسة ما ويأخذ راتبا، ولكن بغير اختصاصه وتأهيله العلمي الذي اختص به).. ويزداد الأمر هنا تعقيداً عندما يرى هؤلاء الجامعيون بأم أعينهم كيف تستعين دولهم ومؤسساتهم بخبراء أجانب يدفعون لهم الكثير والكثير من المال، بينما هم مهمشون ومغيبون ولا أحد يفكر بهم.. كما يرون ويعاينون على الأرض ضعف وترهل مؤسساتهم العلمية البحثية وعدم توظيفها في خدمة المجتمع ككل، مع انعدام الإدارة الفاعلة ذات الكفاءة والنوعية والتدريب الكافي. وهذا كله ما يدفعهم للأسف للإسراع باتخاذ قرار الرحيل والهجرة والبحث عن مواقع عمل أخرى تناسب مؤهلاتهم في بلدان أخرى.. حتى لو كان لقرارهم هذا الكثير من الآثار السلبية على مستقبل العلم والإنتاج العلمي والمعرفي في بلدانهم ومجتمعاتهم. من هنا نحن نعتقد أن محاولة العرب استعادة عقولهم المهاجرة مرهونة بقدرتهم على الانخراط الجدي في مشروعهم النهضوي العقلاني التقدمي القائم على الحرية والعدالة والديمقراطية والتعددية السياسية.. أي هو رهن بإيجاد قاعدة سياسية واجتماعية صلبة يمكن لها أن تشكل بيئة جاذبة لتلك العقول والكفاءات الكبيرة. وفي ظني أن أولى هذه التغييرات الكمية والنوعية المطلوب العمل عليها لتشكل بيئة حاضنة للعلم والعلماء والكفاءات والعقول النيرة، هي في إجراء تغييرات ثقافية وسياسية في داخل بنية مجتمعاتنا، وهي تتمثل -كما نؤكد ونشير دوماً- في إعادة السياسة إلى حضن المجتمع بالعنوان الأولي، ومواجهة عقول الاستبداد والطغيان.. والاشتغال النقدي المعرفي الفاعل والمتواصل على ثقافتنا العربية والإسلامية التقليدية التي تعاني من الانغلاق على الذات والتقوقع على نصوص متخشبة، والخوف من الآخر.. وهذه الإشكاليات والأمراض التي تعاني منها ثقافتنا تشكل أكبر معيق لإطلاق حريّة الفكر والإبداع، والاستثمار الفاعل للعقول والقامات العقلية الكبيرة والكثيرة في عالمنا العربي. كاتب سوري ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org
مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...
كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...
درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...
لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...
بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...
قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...
.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...
باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...
لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...
في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...
يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...
هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...