الكتابة بالضوء

دائما ما أعتبر التعاون بين المخرج السينمائي ومصوره أحد العناصر الأكثر أهمية في صناعة الأفلام، حيث تقوم صناعة السينما في مراحلها الأولى على التعاون التام بين المخرج والمصور، مهمة المصور هي تحقيق رؤية المخرج، وهو القيم على قلب صناعة الفيلم وصاحب المسؤولية في تحقيق القرارات الفنية والتقنية المتعلقة بالصورة، هناك مخرجون يسمحون لمدير التصوير بالاستقلال الكامل في وضع الكاميرا واختيار زوايا التصوير والعدسة والإضاءة، كان المخرج العظيم أورسون ويلز ممتنا دائما لعمل مصوره جريج تولاند الذي صور له فيلم المواطن كين أحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما، وكان المخرج العبقري ألفريد هيتشكوك يصر دائما على العمل مع المصور روبرت بوركس الذي شاركه العمل في 12 فيلما بدءا من غرباء في القطار عام 1951، وكذلك يسعى دائما المخرج السويدي العظيم إنجمار بيرجمان بالاستفادة من خدمات المصور الفذ سيفن نيكفست الذي فاز بأوسكار أفضل تصوير عن فيلمين من أفلام بيرجمان (صرخات وهمسات، فاني وألكسندر). هذا المدخل أردت به تقديم المطبوعة القيمة بعنوان (الكتابة بالضوء) التي كتبها المصور المصري الشهير سعيد الشيمي- 1943 ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السادس والثلاثين ويحتفي فيها باثنين من المصورين السينمائيين الذين تركوا بصمة كبيرة في السينما المصرية مهما (عبدالحليم نصر وأحمد خورشيد) وبعد مقدمة عن كلاسيكية التصوير السينمائي الذي فرض نفسه كإحدى دعائم فن السينما التي أضحت في فترة وجيزة الفن الشعبي الأكثر جماهيرية يتحدث السيد الشيمي عن وظيفة مدير التصوير السينمائي في ثلاثة مجالات حيوية (العمل التنظيمي، الحرفة والإبداع الفني) ويتوجب عليه أن يتميز بهدوء الأعصاب والصبر وقمة التحمل والمثابرة المستمرة فهو صاحب المهنة الشاقة في العمل السينمائي بقدر ما هي مهنة المخاطر الكبيرة. عبدالحليم نصر (1913- 1989) ويلقب بين معاصريه (بالأستاذ) لريادته للتصوير السينمائي بمصر، بدأ حين كان الأجانب يحتكرون مهنة التصوير بمصر، يقول: علمني أبي التصوير صغيرا، كنت سريع الفهم، التحقت بمعمل المصور (أورفانيللي) وكان فنانا ذائع الصيت، وبعد فترة أصبحت مساعده الأول وكلفني بتصوير بعض المباريات الرياضية بين طلاب مدارس الإسكندرية، كنت أحمل الكاميرا وأجري بها هنا وهناك متجنبا متاعب الجماهير، وكنت سعيدا بهذا المجهود الذي أبذله، فقد كنت أعرف أنه جواز المرور إلى أن أصبح مصورا محترفا. كان لظهور (نصر) مصورا سينمائيا داخل دولة المصورين الأجانب في حقبة الثلاثينات بريق خاص وصدى وطني، عاصر عبدالحليم نصر أزهى فترات السينما المصرية وكان بشخصه مدرسة قائمة بذاتها في التصوير والعمل السينمائي، طور فنه بشكل لافت خلال سنوات قليلة حتى ارتقى إلى مرحلة الأستاذية التي أوصلته إلى القمة بعد أكثر من 130 فيلما سينمائيا. أحمد خورشيد: (1913- 1973) ولد بالقاهرة في حي عابدين وتعلم في المدارس الفرنسية وأجاد اللغة مما أتاح له الاطلاع على أسرار وتقنية العمل الفوتوغرافي، دخل إلى مجال التصوير السينمائي عن طريق غير تقليدي مثل غيره من أبناء جيله بالعمل كمساعد ثان، ثم مساعد أول ثم مصور وأخيرا مدير تصوير، واكتسب خبراته بالعمل مع العديد من مديري التصوير الكبار الذين عمل معهم، صور 53 فيلما روائيا طويلا منذ بداية أربعينيات القرن الماضي بخلاف الأفلام التسجيلية، وأنتج وأخرج فيلما واحدا (السبع أفندي) وأنشأ معملا لتحميض وطبع الأفلام أبيض وأسود، اهتم بجماليات الصورة، واستعمال وتوظيف الظلال، التكوينات.