السقوط في بحر الدسم!!

من علامات عصرنا الحديث البدانة، فهي بالتأكيد تعتبر مرضا لأنها أساس أعراض وأمراض قاتلة كالقلب والضغط والكولسترول والاكتئاب، وتعطل الحركة وافتقاد النشاط، وقد جاء اسم السمنة من السمن والدسم ما يخزنه الجسم ويتراكم في الشرايين ويسد المسام ويكتل الشحوم ويقضي على الحيوية. ربما من السهل أن تصبح بدينا لكن من الصعب أن تفقد الوزن الزائد وتحتفظ بلياقتك. لقد تعددت أسباب اكتساب الوزن لكن أشهرها أسباب نفسية تقف وراء النهم بتناول الطعام والوصول لمرحلة إدمانه، ويعتبر هذا الدافع تعويضيا ومرتبطا بأمر لا يدركه الإنسان قد يحمله معه منذ طفولته، حيث مركز العقد ومنبت الحيرة التي تشد المرء إليها مهما كبر وتغضنت أطرافه. لكن هناك حقيقة علمية تثبت أن فصيلة الدم مسؤولة عن الرغبة في الطعام بل في نوعيته، وهناك فصائل دم تساعد على حرق الطعام في حينه فمهما أكل أصحابها لا يخزنون منه الكثير، وهناك فصائل لا تتقبل الحلويات ولا تشتهيها ولا تعتبر بمثابة نقطة ضعف لديها، بينما أخرى تجذبها السكريات وتظل مصدرا يشدها إليه باستمرار. جاءت وسائل الراحة من سيارات وخدم وأجهزة إلكترونية لتزيد ساعات الجلوس، وجاءت الوفرة والمطاعم السريعة والمغريات الإعلانية لتعزز عادة الطعام وتعتبرها واحة يستظل بها المتعبون أو الباحثون عن عزاء وتعبئة لخوائهم الداخلي. لا تسبب البدانة الأمراض فحسب، لكنها تقضي على الثقة بالنفس والاستمتاع بالحياة، فلا قدرة لأصحابها على المشي الطويل والتسلق والصعود والنزول في متاهات الطبيعة لدى السفر، وأيضاً مدعاة للحرج في الطائرة حيث يتضايق الجالس بجوارهم وخصوصا الغرباء ويلعنون تعاسة الحظ التي جمعتهم بهم. الغريب أن بعضهم يبذل مساعي حميدة ويقلل وزنه لكنه يعود لاكتسابه من جديد، لأنه لم يجعل الانضباط كأسلوب حياة له، مع الاعتراف بأن ذلك صعب عليه، فالمعدة كالبالون تتمدد بالتدريج لتخدع صاحبها، ولا يشعر بتضليلها له باستمرار رغبته بالطعام رغم اكتفائه الحقيقي ودون أن يحس بالتخمة إلا بعد فوات الأوان. إن عمليات تقليص المعدة خيار للكسولين الذين لا يحبون النضال وبذل الجهد ويفضلونه غصبا عنهم مع معدة مربوطة، لكنها مخاطرة وضد طبيعة الإنسان ولها تداعياتها ومتاعبها الملازمة مدى الحياة. ليس هناك أفضل من الرياضة سواء أكان الشخص بدينا أو حتى غصن البان، فالرياضة تعني النشاط والتجدد وهيكلة القوام وتوزيع الهيئة بشكل متناسق، إن الرياضة تعني صحة وانتظام دقات القلب وتقويتها وضخ الدم وتصفيته، بكلمة واحدة الرياضة شباب وباثنتين ربيع دائم. مشكلتنا أن المناخ معطل للطاقات وجاذب للكسل ومشجع للجلوس وإدمان الإلكترونيات، وأن الرياضة ارتبطت بالجهد والعرق، بينما المرء يبحث عن الاسترخاء والكسل المطعم بالمشهيات التي يسيل لها اللعاب. ماذا يحدث لو تكونت مجاميع للمشي في المجمعات التجارية قبل افتتاحها بنصف ساعة مثلا..؟ أليست فرصة للتواصل الاجتماعي وتشجيع بعضهم بعضا من جهة، والتعلق ببرنامج مشي مع مجموعة محفزة ودافعة، وربما تكون هناك منافسة ومجاراة لحماسة الآخرين..؟ هذا الاقتراح موجه للمتقاعدين ونزلاء البند المركزي وربات البيوت كنوع من النشاط الاجتماعي الذي ينتج رشاقة وارتباط بعادة المشي كجزء من روتين الحياة.