alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

الحب في صحراء من ذهب

22 أغسطس 2011 , 12:00ص

وصلنا نحن الأربعة وفق الموعد المحدد. فوجئت بشاب فارع الطول ذكي القسمات. أشار لكل واحد منا بالتقدم نحو الدراجة المخصصة له، ميزنا أنا وصديقتي باختيار الأفضل لنا تاركا للرجال الدراجات الأقدم صنعا. غطينا وجوهنا بغطاء فلسطيني، الأبيض والأسود فيه متساويان. سألنا جميعا التمسك بالمقود والتركيز على الطريق الرملي الذي لم نره، فالصحراء أمامنا صحراء واسعة لا يحدها طريق ولا معلم. رمال وهضاب تحيطها الجبال الشامخة لكنها تحميها، فأين هو الطريق؟ لم نزعج أنفسنا بالسؤال فقائدنا السيناوي يرافقنا. انطلقنا بسرعة تقل قليلا عن سرعته. دقائق ووجدنا آثار العجلات أمامنا، لكأن آخرين سبقونا على نفس الرمال. غرقنا في الفراغ الأصفر المسافر حتى حدود السماء الزرقاء. أضاع السحر والهدوء اللغة منا. فلم نعد نعلم إن كانت تلك هي الجنة أم هي أرض سيناء. توقف دليلنا في بقعة متوسطة تحيط بها هضاب من كل ناحية، فكأنها ملتقى تجتمع فيها أطراف الهضاب. وجدنا بها آثار خيام مرفوعة وعشبا ترعى به بعض الدواب، وجمر انطفأ للتو وما زال دخانه متصاعدا. سألت صديقنا عمن سبقنا إلى تلك البقعة الدافئة، أجاب بهدوء: مجموعة سياح من إسرائيل. سقط رده على قلوبنا نارا، وخرجنا من الجنة إلى الواقع بمراراته. اندفعت الأسئلة ساذجة غاضبة، ماذا يفعلون بأرضنا؟ وكيف يسمح لهم؟ ولماذا يرتعون في صحرائنا؟ ورغم علمنا جميعا بالإجابة، فقد جاء الرد صاعقا منهيا كافة الأسئلة: إنها كامب ديفيد يا جماعة، أنتم نسيتوا ولا إيه؟ لم ينس أي منا، لكننا تناسينا وأسقطنا «الاتفاقية» من ذاكرتنا، نصطدم بها فقط حين نهبط أرض سيناء لنفاجأ بهم قد سبقونا. لقد وُقعت الاتفاقية بحضور الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في 20 مارس 1979، وقع السادات وبيجن على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، التي بدأت باعتراف مصر بوجود دولة إسرائيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من سيناء، مع التأكيد على حق السفن والشحنات الإسرائيلية بالمرور في قناة السويس وخليج العقبة ومضيق تيران دون عوائق. سيناء الكنز تبلغ مساحتها نحو 61000 كيلومتر مربع. تمثل %6 من مساحة مصر، ويسكنها 380.000 نسمة، وبالإضافة إلى أهميتها العسكرية، فإن سيناء تضم مخزون مصر من الثروات المعدنية. بها أكثر من 127 معدنا وخامة يمكن استخدامها في مجالات مختلفة، مثل الفوسفور والمنجنيز والفوسفات والحجر الجيري ورمال السيلكون وأنواع مختلفة من الأحجار الكريمة والطفلة، ومقومات صناعة الإسمنت والصناعات الزجاجية عالية الجودة، كما أنها تعتبر منجم البترول والغاز المصري، ففيها حقول أبو رديس، وحقل بلاعيم بحري، وسدر وعسل مطارما وفيران. برغم تلك الكنوز الاستراتيجية والطبيعية، فقد حصدت سيناء على مدى السنين تجاهلا غريبا من الحكومات المتعاقبة، ولم ينم بها إلا الفنادق والقرى السياحية، التي وفرت بعض فرص العمل لأبنائها، لكنها لم توفر للأطفال مدارس للتعليم ولا للمواطنين مراكز رعاية صحية ولا خدمات أساسية، ولا انشغل بال النظام بسكانها من القبائل التي طالما نادت على القاهرة أن تسمع شكواها ولم تصل الشكوى أبدا. ظلت خطط التنمية في سيناء محنطة في ورق. لم يشهد التنفيذ إلا بعض الطرق التي تربط العاصمة بالمدن السياحية الهامة مثل شرم الشيخ ودهب والعريش في شمال سيناء. أما على صعيد شبكة المواصلات الداخلية، فقد ظلت سيناء أقرب لقرى صحراوية جافة. لا تطل عليها الأشجار ولا يسكنها غير المضطر. أما المتعلمون من سكان قبائل سيناء، فقد توجهوا للعمل بالمدن السياحية، واكتفى الباقون بالرعي المنتشر في مدن سيناء. لقد توقف العمل بخط سكة حديد الفردان- العريش منذ 10 سنوات عند مدينة بئر العبد، بعد أن قطع 70 كم داخل سيناء، وكلف خزينة الدولة 127 مليون دولار، ولم يسر عليها القطار إلا لمدة شهرين. يشكل بطء التنمية في سيناء تهديدا حقيقيا، تتمثل أولى دلالاته فيما كشفته نتائج استطلاع رأي للمعهد الديمقراطي التابع للكنيست الإسرائيلي، والذي أعلن في نهاية مارس عام 2009 أن %89 من الإسرائيليين يؤيدون إعادة احتلال سيناء. ما أظهرته نتائج الاستطلاع يكشف عن قناعة قومية لدى الشعب الإسرائيلي بأن شبه جزيرة سيناء ستكون أرضا إسرائيلية.‏ إن هذه العقيدة الراسخة في الوجدان والفكر الإسرائيلي، تستحق منا -نحن العرب، ونحن المصريين- إيلاء اهتمام خاص وعاجل بسيناء. فحماية سيناء فيه حماية لأمن واستقرار المنطقة العربية ككل، والتي لا ينقصها مزيد من الصراعات ولا التوترات الكبرى، فسيناء التي غزتها إسرائيل مرتين عامي ‏1956‏ و‏1967 واقعة في خطر، إلا أن إهمالها هو الخطر التالي مباشرة لخطر إسرائيل. إن إهمال سيناء وأي كتلة سكانية يمهد لمقدم الإرهاب، ويمهد لمقدم الظلمات أيا كان وجهها، وليس غريبا أن نجد أن المجتمعات الفقيرة المهملة هي بوابة الجماعات الإرهابية في أي مجتمع. وإذا أردنا أن تبقى سيناء مصرية عربية وبوابة مفتوحة تستقبل الضيوف بترحاب .. فعلينا أن نتعلم كيف نطورها، كيف نفجر الكنوز المخبأة برمالها، وكيف نحتفي بها كما يحتفي كل بلد بما وهب له، فلها في الأرض ذهب، وفي السماء نور، وفي البحر عشق مختبئ.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...