alsharq

منبر الحرية

عدد المقالات 129

العالم العربي بين المثال والواقع

21 يوليو 2011 , 12:00ص

ويظهر أمامنا أنه رغم انفتاح العرب والمسلمين عموماً على مجمل شرائط ومكونات ومنجزات الحداثة العصرية، فإنهم نسوا أو تناسوا شرطاً أساسياً وعنصراً جوهرياً لا تقوم الحداثة إلا به، وهو شرط بناء القاعدة الفكرية النظرية المتينة والمتماسكة لها في داخل البنية الثقافية للفرد والمجتمع, ولهذا فقد جاءت حداثتنا العربية رثة وبالية وقشرية متلبسة بلبوس قيم البداوة والتصحر الفكري، واقتصر تأثرنا بها وأثرنا عليها، إن كان لنا من أثر يذكر, على الشكل والمظهر دون المضمون والجوهر والعمق الحقيقي. ومن هنا فإنه وبعد تطبيق كثير من مظاهر الحداثة في كثير من بلادنا العربية، لا تزال الحالة العامة المسيطرة على الواقع العام عندنا هي حالة الترقب والقلق السلبي والتوتر وعدم الرضا بواقع الحال والرغبة الشديدة المضمرة في التغيير والإصلاح لدى الجميع. وبما أن طبيعة الحلول المقدمة في هذا السياق لا تندرج ضمن الحلول الواقعية المتناسبة مع ثقافة وفكر وطبيعة النسيج التاريخي لمجتمعاتنا، بل هي في أغلبها مفروضة بقوة القهر وقانون الغلبة، وبما أن استجابة الفرد العربي للإصلاح -رغم إلحاحه عليه- بطيئة وحذرة، فإن ذلك كله سيؤدي باستمرار للبقاء في قلب المشكلة، ومعالجة قشورها من دون النفاذ إلى عمق الأزمة بهدف تحقيق وإنجاز التغيير الحقيقي المطلوب والمنشود، بل ستتولد أزمات أخرى جديدة تخنق المواطن العربي في عيشه وحياته. فالمجتمعات العربية والإسلامية تنوء تحت عجز تاريخي كبير وفاضح في وعيها للذات وللآخر، وفي ممارستها لدورها الطبيعي في الحياة والعصر. ويظهر لنا أن هناك دوراً تعطيلياً تقوم به معظم المفاهيم والمعتقدات الدينية السائدة والمسيطرة على تلك المجتمعات الغارقة في تخلف فكري واجتماعي يعاد اجتراره وإنتاجه على الدوام. حيث إنه من المعروف -في هذا المجال- أن الفكر والمعرفة المختزنة في داخل كل فرد هي القاعدة والمحرك الأساسي لتصرفاته ومشاركته في صنع أحداث ووقائع حياته اليومية. أي أن رؤية هذا الفرد وفلسفته في تسيير الوجود الخاص والعام هي المنطلق الجوهري لأي طموح أو رغبة لديه في بناء عالمه وتحقيق كماله الممكن له. ويمكننا أن نطلق على تلك الرؤية أو المعرفة بكل بساطة «فلسفة الإنسان». وهي متكونة من خلاصة تجاربه وتراكم خبراته، وتجسد رؤيته المنطلقة من ذاتيته المعرفية المختلطة بما يحيط به من أحداث وتحولات شاركت في تكوين وانبثاق تلك الفلسفة التي اكتسبها من وجوده في هذه الحياة، لتسمو وتتطور في سلم الوجود عبر حواراته وتفاعلاته واتصاله بباقي المكونات الإنسانية في مجتمعه, ما قد يجعل هذا الفرد مدركاً للأحداث ومتفاعلاً معها سلباً أو إيجاباً. وهذا الكلام لا يعني عدم وجود بديهيات فكرية عقلية وتصورات أولية أعطت المسيرة البشرية الدفع الأكبر في تطورها وترقيها في الوجود. ويجب أن نعترف أن الإسلام -كحالة في الفكر والإحساس والممارسة، وكرؤية للكون والوجود والحياة، وكفلسفة كونية- كان مصدر الديناميكية التاريخية المؤسسة لمجمل القيم والمبادئ المحركة للإنسان المسلم عموماً في كل المراحل التاريخية التي قطعها هذا الدين منذ البواكير الأولى وحتى الآن. وإذا كانت الغاية المقصودة في كل حراكنا المعرفي والعملي هي في دفع الإنسان العربي للحضور في عصره، أي في المشاركة الفاعلة في بناء واقعه وحاضره وتأمين مستقبل أجياله الطالعة واللاحقة، فإن المدخل الطبيعي إلى ذلك لا بد أن يمر -كما ذكرنا- عبر دراسة القوى المحركة لهذا الفرد شبه الضائع حالياً -خصوصاً في ظل تطورات الحياة والوجود- بين واقعه النظري المفاهيمي (الإسلام كعقيدة وانتماء وهوية ثابتة مقولبة وجامدة على نصوص ومقدسات) وبين واقعه العملي الخارجي المتغير والمتحول باستمرار. وهذه القوى النظرية غير المنظورة هي مجموعة القيم والمبادئ الأساسية المحررة والمحفزة والدافعة لهذا الفرد للعمل والإنتاج والإبداع في كل حركة واقعه. وليس هناك من وسيلة لتحقيق ذلك إلا من خلال ممارسة النقد والتحاور الفكري مع النص والنظرية المؤسِسة. فبهذا الثمن يمكن أن يستعيد المسلمون هوية سابقة كانت في لحظة تشكُّلها الأولى فكرة إيجابية وقيمة معطاءة ومحفزة للعمل والنشاط الحضاري، أو يجددوا هوية هرمت وفقدت بوصلتها ووعيها الذاتي والموضوعي لعلهم يستطيعون التعرف من خلالها على آليات الحداثة، وأولويات الاندماج في العصر، وبالتالي الارتقاء بممارستها وتطبيقها والسيطرة عليها بالعمل والإنتاج. أي أن يكون لهم دور وأثر محقق من خلال إثبات فاعلية الحضور في المتن وليس في الهامش المتجسد من خلال اجترار التقليد والتبعية للآخر، في استجلاب ونقل حداثته إلى داخل حدودنا الجغرافية من دون وعي معاييرها وبناها التحتية. ما يجعلنا نكيل لها التهم والشتائم من دون أن نعيها وندرس تطورها لدى الآخر، ليس لأنها سلبية بحد ذاتها وإنما لأن ظروف تشكلها ومناخات نشوئها وعملها مختلفة عن ظروفنا وسياقاتنا الحضارية بصورة وبأخرى. من هنا يمكن التأكيد على أن تقدم مجتمعاتنا العربية الإسلامية مرهون أساساً بتطور وتقدم الفكر المؤسس لإنساننا العربي على طريق تقبله وقناعته الكاملة بضرورة العيش زماناً ومكاناً (عقلاً ووعياً) في عصره الراهن، وعمله على التخلص من معيقات تطوره، لا أن يكون حاضر الجسد مغيَّب العقل، ومهمش الحضور. وهذه القناعة الذاتية لن تتولد أو تنبثق عنده إلا بنقد الفكر المؤسس وتجديد المعرفة والهوية ليكون إنساننا قادراً على ممارسة معيشته إنتاجاً وعملاً في زمانه من خلال تجديد الفكر الزمني التاريخي نفسه. ينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org

مشروع فلسطيني جديد يواجه المشروع الصهيوني

مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...

سيكولوجية الهدر عربياً

كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...

سوريا إلى أين؟ بين إنكار السلطة الديكتاتورية.. وفشل المعارضة السورية (1/2)

درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...

أي مجتمع مدني في ظل الحراك العربي؟

لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...

روحاني والسياسات الإيرانية القادمة

بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...

مبادرة النيروز: درس تركي جديد للعرب

قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...

سوريا الحرية ستنهض من جديد (3/3)

.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...

سوريا الحرية ستنهض من جديد (2)

باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...

سوريا الحرية ستنهض من جديد(1)

لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...

موقع المثقف العربي من «الربيع»

في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...

التجربة الثورية العربية الجديدة (1/2)

يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...

التحول الديمقراطي التركي رؤية من الداخل

هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...