alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

أمومة من السوبر ماركت وأبوّة من الثلاجة

19 مارس 2012 , 12:00ص

هل تستحق أمي أن أحبها؟ هكذا بادرتني بسؤال صادم، ولم أجد بُداً من الصمت، فلم تكن أمها بشخص عادي، كانت تستخدم الضرب بقدر استخدامها للكلمات. ولم يحدث أن زرت صديقتي مرة بدون أن أرى ورما في مكان ما من جسدها أو كدمة زرقاء طافية على وجهها. كانت الأم قد رزقت بثلاث فتيات وولدين، ولم يحدث أن أفلت أحدهم من يدها. رغم ذلك كانت والدة صديقتي تحرص على إعداد الطعام وعلى حياكة الملابس، بل وأصرت على إرسالهم لمدارس جيدة رغم أحوالهم المادية المتواضعة. وفي أولى سنواتي الجامعية اختطفت صديقتي على يد رجل ثري تقدم إليها، فلم تستطع عائلتها مقاومة إغراء المال، وزُفت إليه وهي دون الثامنة عشرة. في العام التالي كنت لديها أهنئها بإنجاب طفلين توأم، فإذا بها شاحبة ساهمة، لكنها لم تفصح عما بها إلا بعدما خرجت كل الزميلات. قالت لي بدون مواربة: «أنا مش عارفة أحب الأولاد دول. مش قادرة ألاقي الحاجة اللي اسمها الأمومة دي، متعرفيش مكان أشتري منه أمومة؟». كنت خالية من الخبرة ولم أجد ردا سوى إهدائها كتاب «د.سبوك» عن احتياجات الأطفال في مراحلهم العمرية المختلفة. لكن كلماتها لم تخرج من رأسي أبداً، وظللت أتذكرها كلما تجولت في السوبر ماركت، فأبحث عن أمومة معروضة، مصري أو صيني لا يهم، المهم أن أجدها؛ فقد خلتني سأتعثر أيضاً في تلك التجربة، أو ربما أجد صديقة أخرى تبحث عن هذا المنتج. لكن الأهم قد وصلني عام 2000 خلال زيارة لأحد مراكز النساء ضحايا العنف في كندا، عندما ألقت مديرة المركز -وهي خبيرة في علم النفس- محاضرة حول «آثار العنف على النساء». ذكرت الطبيبة أن أغلب الفتيات اللاتي تعرضن للعنف في الصغر أو شهدن ضرب أمهاتهن يفشلن في بناء علاقات متوازنة مع أبنائهن وأزواجهن لاحقا، أو يُصبن بأمراض نفسية أو بكليهما. حين رويت للخبيرة ما حدث لصديقتي التي باحت لي بأنها لم تجد بداخلها الأمومة، قالت بهدوء شديد: هذا طبيعي، الأمومة أيضاً يمكن أن تمرض. وأضافت أن العنف الذي عانت منه صديقتي على يد والدتها أعاق نمو أمومتها. وأضافت الطبيبة أن ما يتدفق من الحنان والحب لدى ميلاد الأطفال هو بعض من الأمومة وليس جميعها، فالأمومة أيضاً خبرة تحتاج إلى البناء. إنها جهد يكتمل بالتعلم والممارسة مثله مثل الأبوة، فالكائنات جميعا تغدق الحب والحنان على صغارها لنتشارك مع كل المخلوقات في الجانب الغريزي، ونتفرد فيما نضيفه عمقا على الأمومة والأبوة. فليست الأمومة أو الأبوة عطاء للحب فقط، بل هي وعاء للأمان، للتعلم، للتطور، للتحليق في الأفق، ولبناء إنسان معافى من الحقد والكره والشعور بالدونية. إنها أشبه بالمهمة المستحيلة. عادت ذاكرتي إلى والدة صديقتي بعدما مرت السنوات، فانتبهت إلى أن السيدة كانت تحمل جبلا من الأعباء وزوجا غائبا في الكحول، فلم تستطع سوى أن تقدم عطاءها للأبناء مغموسا بالعنف والوجع الذي تحمله، وهو ما ورثته الابنة التي عانت حتى تُفجر في قلبها الحب لأبنائها، وطرقت أبواب الأطباء ليقنعوها أنها إنسانة طبيعية انسدت شرايين الحب داخلها ويمكن أن تنظفها. كبرتُ فعرفت أن الأمومة لا تحوّل النساء إلى ساحرات قادرات على طمس خبرات المرارة. إن الأمومة مهمة تحملها نساء لديهن أوجاع وتاريخ قد يكون مضيئا أو مظلما أو خليطا بينهما. الأمومة حمولة جديدة تحملها نساء لسن خاليات الوفاض، ففي كل منزل هناك طابق سفلي كثيرا ما يخزن فيه وجع وقليلا ما يخبئ الفرح. لكن براعة الأمهات تصنعها المقاومة، مقاومة أب نائم، أو مقاومة تنشئة تركت ندبات في القلب، أو مقاومة الفقر أو الخوف. عدت بذاكرتي لكل الأمهات، فوجدت أن أغلبهن بطلات في الكفاح، كافحن ذواتهن، وذلك الآخر الذي ربما كان رجلا أو أسرة أو ثقافة أو ألما. وحين عدت للآباء وجدت البعض فقط يعيش روعة الأبوة، والكثير هم من تركوها في الثلاجة محفوظة لحين الانتهاء من حصد المناصب والأموال. - ألهذا تستحق الأمهات عيدا في كل دول العالم؟ - ربما. ففي معظم دول العالم هناك «عيد للأم» وهو يوم للاحتفال بالأمهات لا تتفق عليه الدول، لكن كل دولة استوحت من تاريخها موعدا للاحتفال، ففي أميركا الشمالية حدد اليوم الثاني من مايو في كل عام للاحتفال بعيد الأمهات، والذي استحدثته ناشطة اجتماعية تدعى «جوليا وورد هاو» بعد الحرب الأهلية الأميركية، بهدف الدعوة إلى توحيد النساء ضد الحرب. كتبتْ في عام 1870، أن إعلان يوم عيد الأم هو دعوة للسلام ونزع السلاح، لكن أميركا نسيت السلام ونزع السلاح وأبقت على عيد الأم الذي يدخل خزانتها كل عام ما يقرب من 2.6 مليار دولار على الزهور، و1.53 مليار دولار على هدايا أخرى، فضلا عن 68 مليون دولار تصرف على بطاقات المعايدة. وفي مصر، طرح الصحافي الراحل «علي أمين» -مؤسس جريدة «أخبار اليوم» مع أخيه «مصطفى أمين»- في مقاله اليومي «فكرة»، فكرة الاحتفال بعيد الأم، بعدما قامت إحدى الأمهات بزيارة للراحل مصطفى أمين في مكتبه وقصت عليه قصتها، وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، وكرست حياتها من أجل أولادها، حتى تخرجوا في الجامعة، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً، فكتب «مصطفى أمين وعلي أمين» في عمودهما الشهير «فكرة»، يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها، وبعدها تقرر أن يكون يوم 21 مارس عيدا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزا للتفتح والصفاء. لكن بعض الخبثاء يرون أن تلك الاحتفالات إنما هي لتكريس ثقافة متحيزة للرجال تعمل على إبقاء عطاء النساء، مستخدمين في ذلك أساليب شتى بينها التحفيز باستخدام الأعياد. وأيا كان السبب، فلا يمكن إنكار أن كل إنسان فينا -رجلا كان أو امرأة- في حاجة إلى يوم يسمع فيه كلمة حانية ويشعر بلمسة دافئة، ويستقبل حبا متدفقا واهتماما خالصا، على أني حين أطلق الخيال بعيدا، أرى بشرا يعتبرون كل الأيام عيدا؛ فيتبادلون الحب ويزرعون الحنان على كل من حولهم.

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...