


عدد المقالات 129
..وهذا الخطاب للأسف يعيش على الفوضى ومنطق الأزمات، ومناخات التناقض، ويقتات على فكرة المؤامرة ونظرية التآمر الخارجي مثل نظيره التيار القومي (العلماني!)، يتقوى بها ليشد من عضده في مواجهة ضعفه وعدم قدرته على تقديم حلول عملية لمشاكل الشباب العربي المعاصر كما أسلفنا.. كما لم نلاحظ -إلا فيما ندر- من أتباع هذا الخط ومن داخل هذه التيارات الدينية بالذات، وجود عقلية إصلاحية نقدية تهتم بدراسة حالة الذات والداخل قبل تحليل حالة الموضوع والخارج.. بحيث تعترف –تلك العقلية النقدية في حال وجدت- بوجود أخطاء وقصور، وتحاول أن تحمل جزءاً من مسؤولية الفشل في إدارة وتدبير شؤون الناس والشباب على عاتق الفكر الديني ذاته قبل تحميل الغرب المسؤولية عنه.. مع أننا عندما نقرأ القرآن الكريم نلاحظ أنه يوجه نقداً شديداً لأمثال هؤلاء الدعاة أصحاب العقول المؤامراتية، كما في قوله: «كل نفس بما كسبت رهينة».. وقوله: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. وقوله: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم».. أي أنكم أنتم –القائمــــون بالأمر السياسي وغير السياسي- تتحملون مسؤولية الفشل والخسارة والمصائــــب التي تحيط بكم بسبب سوء وعيكم بها وإدارتكم للأزمة، وليس بسبب وجود مؤامرات عليكم، مع أنها قد تكون موجودة، ولكن أساس المشكلة عندكم قبل الآخر.. وربطاً بفكرة المؤامرة هناك فكرة أخرى لا تزال تهيمن على ساحتنا الثقافية والسياسية وهي أننا كعرب ومسلمين أصحاب ماض حضاري زاهر لابد من العودة إليه، ومحاولة نقله إلى الحاضر، أو على الأقل إبرازه دوماً والتغني به، بما يعطينا فكرة عن أن هناك قسماً كبيراً من أبناء مجتمعاتنا لا يزال أسيراً لهذا النمط التفكيري من الوعي الزائف القائم على وجود فكرة تقول بإمكانية العيش في الماضي أو نقل تجربة الماضي –بعد تنقيحها!- إلى الزمن المعاصر.. ولا شك بأن هذه الفكرة –التي لها جذورها ودعاتها والمدافعون عنها حالياً خاصة من أبناء وأتباع التيارات الإسلامية- نتجت عن هيمنة الثقافة التاريخية الموروثة منذ زمن الحكم والخلافة الإسلامية الأولى، من خلال وجود عادات وتقاليد وقيم ومفاهيم وتصورات فكرية متوارثة لم يتم تجديدها أو نقدها، لا تزال قطاعات واسعة من شعوبنا تتبناها وتتشربها وتشّربها لأجيالنا اللاحقة، بما يفضي إلى هيمنتها علينا وعليهم، ويجعلها تتحكم بمساراتنا ومحدداتنا وممارساتنا العملية في الحياة.. طبعاً هذا لا يعني أنه لا يوجد ضمن تلك الثقافة التاريخية أشياء وأفكار ومواقع إيجابية يجب فهمها ووعيها بما يتناسب مع واقعنا المعاصر، ولكن المشكلة تكمن في تحول تلك العادات والتقاليد الموروثة إلى ما يشبه الدين القائم بحد ذاته إلى جانب الدين الحقيقي الذي تم نسيانه أو تناسيه على حساب نمو تلك الأفكار والقيم التي تم تأويلها لتكون دينية مقدسة أو شبه مقدسة.. وعن مثل هذا التقديس الأعمى لأفكار قيمتها تكمن في قدمها فقط، وليس في فعاليتها التاريخية، قد تنشأ أفكار التعصب للرأي، ويمكن أن تنمو بذور الاستبداد بالمعتقد وادعاء امتلاك الحقيقة المقدسة.. بحيث أن بعضنا يمكن أن يبرر سلوكاً خاطئاً لمجرد أن الشخص الذي قام بهذا السلوك ينتمي لمعتقده الديني.. هذا هو التعصب للمذهب أو الدين، إنه –كما قال أحد الأئمة- أن «العصبية التي يأثم عليها صاحبها هي أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين..».. أي أن الانفتاح والتسامح وعدم العصبيـــة تكمن هنا في النظر للأمور بموضوعية وحياديـة وتجرد ووعي عملي مفيــد، خاصـــة في العلاقات السياسيــــة والاجتماعيــــة، حيث أنه لا قيــــمة لشخص عديم الفائدة في وجوده لمجرد أنه من قومك أو طائفتك أو مذهبك أو دينك.. وأنه عندما ترى –وتبني على هذا الرأي- أن شخصاً لديه فكرة صحيحة وجميلة صالحة للحياة، وهو ليس من دينك أو معتقدك، وتقوم بتنفيذها وتطبيقها والاستفادة منها، فأنت عندئذ لست متعصباً بل إنسان منفتح على الآخر، ومتوازن في علاقاتك العملية.. القاعدة هنا هي الوعي والموضوعيــــة والفائــــدة المتوخــــاة، وليس الدين والطائفـــــة التي هي حالـــــة ما دون مدنية في التعاطي والتعامل ونسج العلاقات بين الناس.. وهذا هو الأمل المتوقــــــع في هذه الثورات العربيــــــة التي بدأ كثيــــــرون يتخوفون من إمكانيــــــة تحولها إلى ثورات دينية غير مدنيـــــة تخفي تحت شعارات الحداثة ما تخفي من أهداف وغابات غير مدنية.. ولهذا يمكننا أن نقرر هنا بأن الثورات لن تنجح في بناء دول ديمقراطية حديثة تُتَداول فيها السلطة بصورة سلمية دوريــــة، ما دامت القناعة بتلك الأوهام أو الأفكار الوهميــة معشعشة في العقول والسلوكيات، وخاصة القناعة الراسخة بفكرة المؤامرة كنظرية ثابتة للأسف في عمق تفكير مجتمعاتنا، وبالتالي فلا أمل كبيراً في حدوث نهضة أو تنمية حقيقية عنوانها الرئيسي، بناء الفرد المواطن صاحب الحقوق الكاملة، ما دام هذا الفكر المؤامراتي يحظى بهذه المكانة العالية لدى تيارات عريضة على مستوى النخب والأحزاب (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار)، حيث يمكن أن نرى كثيراً من هؤلاء لا يزالون يتبحرون ويستغرقون في حديثهم السلبي عن تلك النظرية من على المنابر الفكرية والعلمية والتعليمية، بالرغم من أن تلك الثورات ذاتها –عندما انفجرت- قد أصابت فكرة المؤامرة في مقتل، وكانت –في أحد معانيها وتعبيراتها- رداً حاسماً على تلك الفكرة، وإعلاناً مدوياً على تهافتها وبالتالي سقوطها. وطالما أننا بعيدون عن تحمل مسؤولية بناء واقعنا بأنفسنا، من خلال إلقاء مسؤولية فشلنا التاريخي على الآخر، وعدم قيامنا بمراجعة عقلانية نقدية صارمة لمنظومتنا التراثية الفكرية والثقافية بكافة أبعادها وامتداداتها، فسنبقى نلف وندور على أنفسنا أو في حلقات مفرغة، وستحدث عندنا دائماً بين حين وآخر ثورات أخرى، لنبدأ العمل من جديد، مع توقع مزيد من الخسائــــر والدمار وتأجيل استحقاقات البناء والتطور والتنميـــة.. كاتب سوري ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من...
كان الهدر بجميع جوانبه المادية والزمنية والنفسية سمة من سمات حقبة الاستبداد العربي طيلة أكثر من أربعين عاما، سحق المواطن سحقا ثقيلا وكبتت أنفاسه وتحول إلى جثة متحركة بجسم لا روح فيه، في عملية تشيؤ...
درج النظام السوري على تأخير وتأجيل (بهدف إلغاء) استحقاقات الإصلاح السياسي، وكل ما يتصل به ويترتب عليه من متعلقات ومتطلبات اجتماعية واقتصادية ومؤسساتية إدارية، وما يترتب عليه من تنمية إنسانية حقيقية تتحقق من خلالها تجسيد...
لقد أفرز الحراك العربي نقاشات عميقة حول مجموعة من المواضيع التي كانت تستهلك بشكل سطحي وبدون غوص في حيثياتها وأبعادها. ويعد من بينها المجتمع المدني كمفهوم متجدر في الغرب، فقد عرفه «توماس هوبز» في منتصف...
بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات التي قوبلت بالرفض القاطع من المحافظين الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين...
قدم أحفاد كمال أتاتورك – مرة أخرى – درسا جديدا من دروسهم للعرب، فبعد أن نجحوا في إرساء دعائم دولة الحق والقانون، وبناء المؤسسات التي أهلت دولة تركيا للالتحاق بنادي الديمقراطيات ( معدل دخل الفرد...
.. شعب سوريا كما قلنا حضاري منفتح على الحياة والعصر، وعرف عنه تاريخياً وحضارياً، عشقه للعمل والإنتاج والتجارة والصناعة وغيرها من الأعمال.. وحضارة هذا البلد العريقة -وعمرها أكثر من7000 سنة- ضاربة الجذور في العمق التاريخي...
باعتقادي أن التسوية السياسية الكبرى المتوازنة المنتظرة على طريق المؤتمرات والتفاوضات المرتقبة عاجلاً أم آجلاً (مع الأمل أن يكون للسوريين أنفسهم الدور الرئيسي في بنائها والوصول إليها) التي تحفظ حياة وكرامة المواطن-الفرد السوري، وتعيد أمن...
لاشك بأن التغيير البناء والهادف هو من سمات وخصائص الأمم الناهضة التي تريد أن تتقدم وتتطور حياتها العمرانية البشرية والمجتمعية..وفي مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية عموماً المحمّلة بحمولات فكرية ومعرفية تاريخية شديدة الحضور والتأثير في الحاضر...
في خضم الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي يمكن القول إن صوت المثقف العربي خافت من جوانب عدة فبعد مرور حوالي سنتين على بدء هذا الربيع يحتاج المشاهد والقارئ وبالتالي المواطن العادي إلى تحليلات...
يسهل نسبياً الانتقال من حكومة ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بواسطة الانتخاب، كما يسهل الانتقال من حكم ديكتاتوري إلى آخر مثله من خلال الانقلاب، إلا أن الثورات الشعبية التي لا تتضمن سيطرة جناح محدد على بقية...
هبت رياح التغيير على بعض الأقطار العربية منذ ما يربو عن سنتين من الآن، فصار مطلب الحرية والديمقراطية ودولة القانون يتردد على أكثر من لسان، وأضحى الالتحاق بنادي الديمقراطيات حلم الشعوب المنعتقة من نير النظم...