


عدد المقالات 103
بالأمس وعلى شاشة التلفزيون شاهدت شابا بذقن سوداء مشذبة يمسك آخر حليق ويكيل له الضرب حتى أسقطه فاقد الوعي، ثم على قناة أخرى وجدت ثلاثة آخرين بنفس الذقن يضربون شابا لم يظهر وجهه لتلاحق الأذرع الطاعنة فيه، لكن الرئيس مرسي الذي يفضل إلقاء خطبه من داخل المساجد أو أمامها على غرار الخلفاء الراشدين كان في زيارة للإسكندرية ليؤدي صلاة الجمعة في مسجد «سيدي جابر»، وحين نادى المؤذن لصلاة المغرب في التحرير يوم الجمعة التي أطلق عليها «جمعة الحساب» لم يلبِّ شباب الإخوان الصلاة لانشغالهم بضرب الأطياف السياسية المتواجدة بالميدان. للأمانة لم يكن كل عناصر الإخوان تضرب، فالبعض منهم كان يقف هادئا في أحد الجوانب يلقي القنابل اليدوية المسماة «المولوتوف» بينما آخرون أقل عنفا كانوا يقذفون حجارة ورخاما حادا على المتظاهرين، ولأنه لا يجوز لمس المرأة الغريبة، فما حدث لم يكن لمسا متعمدا، بل ضرب وتحرش للمتظاهرات وشد شعورهن وتمزيق ملابسهن، النساء غير المحجبات أبيح فيهن الضرب والطعن والتعرية بعد أن ارتفع صوت أحدهم قائلا: «هؤلاء الكافرات» ولأنه فائق الذكاء قادر على قراءة قلوب النساء تحديدا فقد صدقه أقرانه وانهالوا عليهن باللكمات والأذرع العارية من الرحمة والأخلاق والإنسانية. إحدى المذيعات كانت تتجول بسذاجة كما اعتادت خلال كافة مظاهرات التحرير السابقة لحكم الإخوان في مصر، فإذا بالمتربصين يهجمون أولا على المصور المصاحب لها يشبعونه ضربا هو وكاميرته، ثم يتفرغون لها لتسيل دماؤها وتتمزق ملابسها عن آخرها وتخرج من الميدان لسيارة الإسعاف مغطاة بقميص تبرع به واحد من «الكفرة» حليقي الذقون! المئة والثلاثة والأربعون مصابا وفقا لتصريحات وزارة الصحة من الشباب والفتيات كانوا ينتمون إلى تيارات سياسية متنوعة تتراوح بين الليبرالي واليساري، وبينهم كان هناك من ذهبوا فقط للاعتراض على الانفراد بدستور مصر، ولم يكن لهم يوما توجه سياسي محدد ولا يعرفون إلا مصر وطنا وحزبا وظلا، وليس لهم واعظ أو مرشد غير الله، هؤلاء حشروا بين المسيسين وتلقوا الترهيب ضربا وحجارة ونيرانا وبذاءة لفظية غريبة على ميدان كان ترابه مقدسا. توصل «أرنولد توينبي» المؤرخ البريطاني في إحدى دراساته القيمة عن «دورات العنف والعنف المضاد في التاريخ» إلى أن كل جولة عنف تكون أشد هولاً عن سابقتها، فالعنف يقوم على تحطيم إرادة الآخر وإلغائه وتصفيته جسديا أو فكريا أو كليهما، وما حدث من استخدام العنف والتلويح بالتصعيد في مواجهة معارضي سياسة الإخوان هو بداية الطريق لإقصاء يتم بقوة الترهيب والسلاح، معركة يوم الجمعة الماضية في جوهرها هي معركة الدستور التي يدرك كل الأطراف حجم تأثيره في صياغة مستقبل مصر ودوره في تشكيل غد مضاء بالكهرباء، أم بالعلم والتنمية. تقف أمام الدستور الجديد عدة تحديات أهمها: وضع المحكمة الدستورية العليا ووضع القضاء العسكري ثم موقف الدستور من المادة «2» الخاصة بالشريعة الإسلامية علاوة على وضع رؤساء المحافظات الملقبين بالمحافظين، وهل يتم شغلهم لمناصبهم بالانتخاب أم بالتعيين؟ على أن تحديات أخرى لا تقل أهمية تقف أمام استكمال مشروع الدستور، ومن بينها موقف مصر من الاتفاقيات الدولية، وكذلك المواد المتعلقة بحقوق النساء وحقوق المصريين المسيحيين، إشكالية إعداد دستور مصري تقف كتحدّ يلخص المشهد المصري الراهن، تنكشف في احتياج مصر إلى دستور يدمج ولا يقصي، دستور يؤسس لقوانين عادلة تنصف المصريين نساء ورجالا، مسلمين ومسيحيين وبهائيين وغيرهم. دستور يحترم حقوق المواطنين صغارا وكبارا. أصحاء ومرضى. إشكالية الدستور تكشف الأوجاع وينكشف معها الإرث الذي تركه مبارك ومن قبله السادات، حين أورثونا إسلاما سياسيا استخدمه كل منهما لإرهاب مجموعات سياسية أخرى، وأورثونا علاقات غير متوازنة مع بعض دول المنطقة وضع مصر في موضع السائل، ثم ارتباطات مذعنة مع القوى العالمية التي تبعث قمحا وتحصد في مقابله كرامة وإرادة وطن، أورثنا مبارك جهازا أمنيا عملاقا، واقتصادا منهارا وإنسانا تائها، وأورثنا علاقات هرمية لا تعلم شيئا عن الخطوط الأفقية، أورث الساسة شجاعة في الكذب وفجاجة في الادعاء، لذلك لم يندهش أي مصري أو عربي متابع حين فوجئ بتصريحات متضاربة لقيادتين من القيادات الإخوانية، إحداهما ينكر وجود الإخوان في ميدان التحرير يوم الجمعة، والآخر يؤكد أنهم بعثوا برسالة للإخوان لفض الميدان.
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...