


عدد المقالات 604
توقفنا في المقال السابق عند التناقض الصارخ بين بيانات وزارات الخارجية العربية عن صفقة القرن، والبيان الصادر عن اجتماعاتهم في إطار الجامعة العربية.. وبالطبع فإن تغيير مواقف تلك الدول لا يمكن تفسيره في إطار مشاركة الرئيس محمود عباس في الاجتماع، أو المعلومات الموثقة التي كشف عنها في خطابه المرتجل، فهذا تفسير غارق في «حسن النية»، فمواقف تلك الدول والإعلان عنها، تتم دراستها بعناية شديدة، وفقاً لمصالحها وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، التي تتبنى نفسها الصفقة، وتتعامل كوسيط بين إسرائيل والسلطة، في حال بدء المفاوضات بينهما بعد موافقة الأخيرة، وهذا لا ينفي أهمية ما كشف عنه أبومازن، والذي حفل خطابه بعدد من الـ «لاءات»، فهو لن يقبل بأي حل يقول بضم القدس لإسرائيل، كما أنه لن يقبل بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً في أي مفاوضات مع إسرائيل، كما رفض تلقي مسودة الخطة من الإدارة الأميركية، أو تلقي عدة اتصالات هاتفية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبيل إعلانه عن الصفقة، والتي تنتزع الحق الفلسطيني في القدس و30% من مساحة الضفة وغزة، أي أنهم يريدون أن تكون الدولة الفلسطينية على مساحة 11% فقط من فلسطين، ومنزوعة السلاح وبلا حدود مع الأردن، ومن دون سيادة براً وجواً، وهي قطع غير متصلة على أن تربط بينها أنفاق وجسور، ووصفها بأنها أشبه بقطعة «الجبن السويسري». حقيقة الأمر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر المشاركة في الاجتماع الوزاري العربي، وهو أكثر إصراراً على تمرير مشروع القرار الذي تم تجهيزه من الوفد الفلسطيني، نظراً لخطورة توابع تمرير صفقة القرن، التي تعني ببساطة إنهاء القضية الفلسطينية تماماً، ولم يستجب لأي ضغوط مورست عليه من العديد من الجهات، التي سعت إلى تخفيف اللغة، وعدم الصدام مع الولايات المتحدة الأميركية، وكان من رأي عباس أن كثيراً من المنظمات الدولية والإقليمية في انتظار البيان العربي، لتحدد مواقفها من الصفقة، خاصة وأن السلطة الفلسطينية لديها خطة تحرك تالية على المستوى الإسلامي، وهو ما تم بالفعل، الذي أنهى اجتماعه الوزاري بالإشارة إلى ضرورة إنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لدولة فلسطين.. ورغم أن البيان لم يتعامل مع اسم خطة القرن، ولكنه أعرب عن أسفه لأن المقاربة المنحازة في الخطة تبنت الرواية الإسرائيلية بالكامل، وهناك أيضاً تحرك فلسطيني باتجاه القمة الإفريقية المقبلة خلال أيام، ودول عدم الانحياز، وكذلك اجتماع مجلس الأمن، وبالفعل تغيرت اللهجة الأوروبية تجاه صفقة القرن، سواء من الاتحاد الأوروبي أو دول القرار الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا، وتحقق لعباس ما أراد، في الوقت ذاته الذي تنوي كل دولة في مشاوراتها مع واشنطن، التأكيد على أن بياناتها الصادرة من وزارة الخارجية تمثل موقفها الحقيقي. ولعل مفاجأة لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، في العاصمة الأوغندية عنتيبي، والذي جاء بعد ساعات فقط من نهاية اجتماع وزراء الخارجية العرب، أبرز دليل على ذلك، في الاجتماع الذي شارك فيه وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني، حيث أكد على ضرورة تضافر الجهود لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وقبل أن يجف المداد الذي كُتب به البيان، ووقّع عليه الوزير السوداني، وذلك تجسيداً لازدواجية السياسة العربية، فهل اللقاء يمثل دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني؟ الاجتماع مثل «طعنة في الظهر» لتلك الحقوق، خاصة وأن التصريحات الإسرائيلية تكشف عن صفقة بين الطرفين، الخرطوم طلبت مساعدة تل أبيب لها لدى الإدارة الأميركية في رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب الأميركية، مقابل السماح للطيران الإسرائيلي بالعبور في الأجواء السودانية في طريقها إلى دول أميركا اللاتينية، السودان كحالة لن يكون الاستثناء، فهناك دول عربية كانت ضالعة في مناقشات الصفقة وبنودها، وافقت أو التزمت بالمساهمة بالمليارات في تمريرها. خلاصة القول، إن العرب قالوا لمحمود عباس كما قال بنو إسرائيل لموسى: «إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ» بعد أن حصل أبو مازن على البيان الذي طلبه وأصرّ عليه، يحق لنا أن نفعل ما نريد ونتخذ ما نشاء من المواقف.
لا أدري إذا كانت تصريحات المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، حول حقيقة ما جرى منذ هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الغادر على العاصمة الليبية طرابلس في أبريل من العام الماضي، نوعاً من إبراء...
عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل أكثر من مائة وخمسين عربي في مصر والسودان، فنحن في حاجة إلى الاصطفاف والحذر، والحرص في التناول والتعامل أثناء التعامل مع ملف سد النهضة، وعندما تكون القضية تخصّ شريان الحياة،...
هاهي أميركا تجني ثمار ما زرعته في العراق، فبعد أكثر من 17 عاماً من غزوها العاصمة بغداد، تجد نفسها مجبرة على الدخول في حوار استراتيجي مع حكومة الكاظمي؛ للاتفاق حول شكل وحجم قواتها هناك، بعد...
إن أي مراقب محايد وحريص على التجربة الديمقراطية الوليدة في أعقاب أنجح نماذج الربيع العربي، لا بدّ أن يقرّ ويعترف بأن هناك أزمة حقيقية تعاني منها تونس، وبداية الحل في الاعتراف بوجودها، والاتفاق على آليات...
عندما يجتمع «الهوان» العربي، و»التخبّط» الفلسطيني، مع «الدعم» الأميركي، وموقف «إبراء الذمة» الأممي والأوروبي، فالنتيجة أن المشروع الإسرائيلي لضمّ 30% من الضفة الغربية -وهو قيد التنفيذ- في يوليو المقبل سيمرّ، وعلى الجميع أن يتنظر خطوة...
بكل المقاييس، فإن شهري يونيو ويوليو المقبلين هما الأخطر في مسار أزمة سد النهضة، وسيحددان طبيعة العلاقات المصرية السودانية من جهة، مع إثيوبيا من جهة أخرى، وكذلك مسار الأحداث في المنطقة، وفقاً للخيارات المحدودة والمتاحة...
أسباب عديدة يمكن من خلالها فهم الاهتمام الاستثنائي من جانب الكثيرين من المعلّقين والكتّاب -وأنا منهم- بقضية سدّ النهضة، والأزمة المحتدمة على هذا الصعيد بين مصر وإثيوبيا والسودان، ومنها أنها تتعلّق بحاضر ومستقبل شعبين عربيين،...
بعد عدة أشهر من استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي، كان الخيار الأول لمن يخلفه هو مصطفى الكاظمي رئيس الاستخبارات العراقية، ولكنه تحفّظ على قبول التكليف، ووسط عدم قبول كتل شيعية له؛ ولكنه أصبح...
المتابعة الدقيقة لمسيرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تؤكد أن الرجل لم ولن يتغير؛ فقد ظهر بشكل كوميدي لأول مرة في فبراير 2014، داعياً الليبيين إلى التمرّد على المؤتمر الوطني العام المنتخب من قِبل الشعب الليبي،...
أزمات لبنان الحقيقية تبدأ وتنتهي عند المحاصصة السياسية والطائفية، يضاف إليها الرغبة في التسييس والتأزيم، مع تمترس كل طائفة وتيار وحزب سياسي وراء مواقفه، دون الرغبة في اللجوء إلى التسويات السياسية، أو لقاء الآخر عند...
لن تخرج الاحتمالات الخاصة بتمرير الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن هذه الاحتمالات؛ إما أن ينجح الرجل فيما فشل فيه سابقاه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، ويصل إلى التشكيلة المناسبة ليتم تمريرها عبر مجلس...
لا أسامح نفسي على إطراء شخصية مثل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يقع في إطار إقرار واقع وقراءة في مسيرة الرجل، الذي استطاع عبر سنوات طويلة، أن يستخدم أدواته بصورة جديدة، ليحتفظ بالموقع طوال...