


عدد المقالات 272
ما بين سقوط طاغية كابل الطبيب نجيب الله في أبريل 1992 والحدث الشامي بتسلط الطاغية طبيب العيون بشار أسد 22 عاماً، فالواضح أن الطغيان والشهادة الطبية هو ما يجمعهما، فأفغانستان والشام مريضتان لكن بسبب تسلط طبيبين لم يحملا من المهنة إلا شهادتها، وخبرة التشريح التي مارسوها يومياً على ضحاياهم الأحياء، لكن البلدين اجتماعياً سليمتان والدليل إصرارهما المذهل الذي أدهش العالم على انتزاع حريتهما من قيد طبيبين كبلهما، كان يُقال عن سوريا التي حكمها عدد من الأطباء في الخمسينات والستينات هل هي مريضة حتى يحكمها رؤوساء أطباء، لكنها اليوم بسبب فشل وسادية المريض نفسه. أتذكر وأنا الذي غطيت تلك المرحلة الهامة والحرجة من تاريخ أفغانستان وربما من تاريخ العالم كله السباق المحموم بين الخيار العسكري والطروحات السلمية التي قادها يومها الوسيط الدولي بينون سيفان، فقد كانت تتهاوى حصون وأوكار الشيوعية العالمية بواجهتها الأفغانية، أما سياسياً فكان السماسرة الدوليون يواصلون لعبتهم المفضلة في منح الطاغية مزيداً من الوقت للدمار والخراب، وهو ما يجري اليوم زحمة في المبادرات التي لا تُلزم الطاغية ولا داعميه. تنتعش ذاكرتي اليوم وأنا أرى إصرار الحلول السلمية أو الاستسلامية لسرقة ثورة الشام العظيمة تماماً كما حاول كل سماسرة الوساطات الدولية قبل 22 عاماً سرقة منجزات الشعب الأفغاني المنتفض ضد نظام استبدادي شمولي كلفه ملايين الشهداء والجرحى والمعوقين والمشردين، ولقائل يقول وماذا كانت نتيجة ذلك الجهاد، والرد هو أن الجرح عندما يتأخر علاجه لا بد أن يُصيبه القيح ويضر بالجسم بعضه أو كله، وحينها على الأعضاء الأخرى أن تدفع الضريبة. اليوم نرى في الشام تهاوي معاقل كبرى للنظام في وادي الضيف والحامدية، وما يجري من اقتحام لخزان النظام البشري من المقاتلين الأجانب الموالين له ومن ميليشياته الطائفية بقريتي نبل والزهراء بالريف الحلبي، كله قد يعكس استماتة الوسيط الدولي ستيفان ديميستورا فرض خطته بتجميد الوضع بحلب ربما خطفاً لخطة تركية دعمتها فرنسا في فرض حظر جوي على المدينة، فكان الرد الحلبي كرد المجاهدين الأفغان قبل 22 عاماً مهاجمة معاقل النظام وكسر الحصار عن حلب التي حلم النظام بإكمال حصارها، فتحررت منطقة المياسات والبريج وتوج الأمر بمحاولات اقتحام قريتي نبل والزهراء، سبقه توحد عدد من الألوية والكتائب الحلبية تحت راية الجبهة الشامية. واقع النظام السوري اليوم شبيه بنظام نجيب الله قبل السقوط، فأسياد الأخير في موسكو كانوا قد خرجوا من البلاد يجرون أذيال الهزيمة والخيبة، بعد أن أيقنوا أن لا مستقبل له فبدؤوا بترتيب أوراقهم، ولكن ما يزيد عليه النظام السوري، هو الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه أسياده في طهران وموسكو مشفوعاً بالأزمات والجبهات التي فتحها أسياده على نفسيهما، كما جرى مع روسيا في أوكرانيا وحربها الباردة مع الغرب، وجبهات إيرانية في العراق واليمن أثقلت خزينة الدولة الإيرانية، ما دفع رئيس وزراء النظام وائل الحلقي أن يعود خائباً من زيارته إليها بعد أن كان يأمل أن يعود بقسط كبير من موازنة نظام القتل. العنصر البشري القتالي في تراجع كبير لدى نظام أسد لاسيَّما بعد فقدانه أكثر من نصف عدد قواته خلال السنوات الأربع الماضية، مع تهرّب العلويين من الالتحاق بالجيش، ألجأ النظام لتجنيد العلويات ضمن دورات عسكرية سريعة لتعويض خسائره البشرية في الجبهات، ولكن مع هذا فإن الصمود الأسطوري الذي أبداه الثوار في جوبر بدمشق، والغوطة ودرعا، وعودة الثوار إلى القلمون ثم فك الحصار عن حلب، أشعر النظام ومؤيديه داخلياً وخارجياً باستحالة بقائه، ولكن الثمن المطلوب للثورة ولمئات الآلاف من الشهداء والجرحى وملايين المشردين ودمار أكثر من %70 من البلد لن يكون سهلاً عليهم تقديمه، تماماً كما أنه ليس سهلاً على السوريين قبوله إلا بسقوط بنية العصابة التي قادت البلد إلى هذه النهاية. على هذه الخلفية تنادت روسيا إلى ترتيب مؤتمر تشاوري من أجل بحث الأزمة السورية، ولكن لم تستجب لها المعارضة، فالشركاء في طهران وموسكو على ما يبدو متشاكسان إن كان بما يتعلق بالشأن السوري ومستقبله، أو بما يتعلق بشكوك روسية بالحوار الإيراني مع الغرب وتأثيره على مصالحها في المنطقة والعالم، وهو ما عززه تحالف إيراني صامت مع الغرب في مقاتلة داعش، رفضته موسكو كونه يمس بالسيادة السورية كما تقول، لكن الباطن أنها تخشى من أن يتكرر عليها. أخيراً المقاربة الأفغانية مهمة جداً لفهم المقاربة السورية إن كان من حيث حجم التدخلات الخارجية وتحديداً الروسية والإيرانية، أو من حيث الميليشيات الأجنبية المقاتلة التي تُكرر ما جرى في أفغانستان، مع كثرة الكتائب والألوية المقاتلة، بالإضافة إلى وساطة الأمم المتحدة في المنطقتين كلها عوامل تدفع إلى ضرورة التعمق بفهم الأولى لفهم أفضل للثانية.
كشفت الوثائق الأميركية الأخيرة عن عودة روسية قوية إلى أفغانستان للانتقام من القصف الأميركي الذي قضى على المئات من قوات الفاغنر الروسية في دير الزور بسوريا بشهر فبراير من عام 2018، ابتلعت موسكو يومها الإهانة...
قطاعا التعليم والصحة في الشمال المحرر من القطاعات المهمة التي تستأثر باهتمام الشمال وأهله، لا سيما في ظل الحاجة إليهما، يضاعفهما الحالة الاقتصادية الضعيفة لدى ساكني المنطقة، لقد ظل القطاعان مدعومين من المؤسسات الدولية، لكن...
أوجه معاناة الشمال السوري المحرر لا تنتهي، فبعد أن كان الخوف والقلق من العدوان العسكري يسيطر على تفكير الأهالي، صار اليوم القلق أكثر ما يكون بشأن معاناة الحياة اليومية الممتدة من المعيشة إلى العودة للبيوت...
لم تكن لتتخيل عائشة وفاطمة وأحمد للحظة أن يحلّ بهم ما حلّ في أول عيد يمضونه خارج البيت الذي ضمهم لسنوات، فجأة وجدوا أنفسهم في خيام رثّة على الطريق الرئيسي الواصل بين اللاذقية وحلب، ليرقبوا...
ما جرى أخيراً في ليبيا من انهيار وهزيمة لم يكن لقوات الانقلابيين والثورة المضادة بزعامة خليفة حفتر، ولا للمشغل الروسي والإماراتي، بقدر ما هو انهيار للأسلحة الروسية، وعلى رأسها منظومة سلاح «بانتسير» المفترض أن تكون...
الخلاف الذي برز للسطح أخيراً بين رامي مخلوف وبشار الأسد ليس من طبيعة نظام السلالة الأسدية، التي عرفت بالغموض والتستر على بعضهم بعضاً، ولعل ما حصل في عام 1984 بين حافظ الأسد ورفعت دليل يمكن...
منذ بوادر الثورة اللبنانية قبل أكثر من عام تقريباً، وحتى الآن، والسوريون ينظرون إلى ما يجري في لبنان، على أنه انعكاس وربما امتداد لما جرى ويجري في سوريا، نتيجة العلاقات المتشابكة بين البلدين، فضلاً عن...
تتحكم القوى المتنافسة أو المتصارعة بشكل مباشر على سوريا، وهي تركيا وروسيا وإيران بدوائر معينة، ولكن باعتقادي أن الدائرة السورية الأكبر تتحكم بها الولايات المتحدة الأميركية، وقد تدخل إسرائيل على الخط أحياناً مساعداً أو مكملاً...
يظل التاريخ هو الحكم بين البشرية، ليس في مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة فحسب، وإنما حتى في المجال الطبي حديث الساعة اليوم، والذي استُدعي على عجل خلال هذه الأزمة، فبدأ العلماء ينبشون دفاتره القديمة، يستذكرون تاريخ...
أفغانستان أمام خيارين، تماماً كما كانت قبل سقوط كابل بأيدي المجاهدين في أبريل 1992، إما حل سياسي تفاوضي يؤدي إلى تسوية، أو حرب تعيد مآسي الحرب الأهلية التي خاضها الإخوة الأعداء في تلك السنوات العجاف،...
الحالة الصحية الموجودة في مناطق نظام الأسد سيئة، سواء كان من حيث الخدمات أم من حيث هروب الأدمغة الطبية المعروفة التي كانت في سوريا قبل الثورة، وقبل هذا كله التخبّط في القيادة والتحكّم على الأرض،...
لا سرّ وراء بقاء سلالة «آل الأسد» على مدى نصف قرن في السلطة، كسرّ ولغز احتكارها وتغييبها المعلومة، فلا شيء أخطر على ماضي وحاضر ومستقبل الأنظمة الشمولية الديكتاتورية من المعلومة الحقيقية والواقعية. ومن هنا نستطيع...