alsharq

جيهان أبوزيد

عدد المقالات 103

جاء الحب وترك الباب مفتوحاً

03 أكتوبر 2011 , 12:00ص

«سأحطم الحجر وأنفذ خلال الصخور وأفيض على الأرض وأملأها نغما، سأنتقل من قمة إلى قمة، ومن تل إلى تل، وأغوص في واد وواد. وسأضحك بملء صدري وأجعل الزمن يسير في ركابي»، هكذا التقانا في واحد من معابده. فقد اعتبر كل الأرض معبدا طالما كانت قلوبنا جاهزة للصلاة. اجتمعنا في قاعة راقية عالية الجدران. يتسرب منها عطر هندي وموسيقى أبدعها «طاغور» كانت بعذوبة أشعاره. وكانت صوتا حيا للوحاته. طل علينا بوجهه الملائكي وعينيه الغائرتين الواسعتين المسافرة إلى زمن ومكان آخر. في نظرته إباء وتواضع. وفي كلماته لحن وسمو. وفي عمق عينيه حب أبدي. استقبلنا جالسا بكبرياء. كاد أن يقف لنا. لكن أعوامه الثمانين لم تسعفه. فظل ممسكا بعصاه مستندا إليها مضيئا كما كان أبدا. كانت صورته في مدخل المركز الثقافي الهندي بالقاهرة كبيرة، وإن لم تبلغ قامته. واضحة الألوان صافية. وأن لم تصف كما صفا قلبه. لم أشعر بغيابه ونحن الذين التقينا لنحتفل بمرور مائة وخمسين عاما على مولده. وتخصيص عام 2011 كعام طاغور كما أعلنته منظمة اليونسكو. كانت روحه بيننا. فكان اللقاء دافئا ودودا وكأنما طاقة من حب قد أرسلت لنا. بعثها هو من مكانه البعيد العالي. وكأنما يطلب إلينا أن نرد عليه وهو يسألنا: - لِمَ انطفأ المصباح؟ لقد أحطته بمعطفي، ليكون بمنجىً من الريح، ولهذا فقد انطفأ المصباح. - لِمَ ذوت الزهرة؟ لقد شددتها إلى قلبي، في شغف قلِق، ولهذا فقد ذوت الزهرة. - لِمَ نضب النهر؟ لقد وضعت سداً في مجراه لأفيد منه وحدي، ولهذا فقد نضب النهر. - لمَ انقطع وتر المعزف؟ - لقد حاولت أن أضرب عليه نغماً أعلى مما تطيقه قدرته، ولهذا فقد انقطع وتر المعزف. لم يكن بيننا من هو بقامة الشاعر الهندي العظيم رابندرانات طاغور ليرد شعرا على أشعاره. طاغور الشاعر، الكاتب الفيلسوف، المسرحي، المعلم الموسيقي الرسام، إنه عبقرية أهدتها الهند للعالم. كان لطاغور نور فياض يشع بكرم على الحياة. مازال الأطفال كل صباح في الهند وفي بنغلاديش يتغنون النشيد الوطني الذي ألفه طاغور حين التقى به الشاعر الفرنسي رومان رولان كتب يقول «حين تقترب من طاغور يناسم نفسك شعور أنك في معبد، فتتكلم بصوت خفيض. وإن أتيح لك، بعد هذا، أن تتملى قسمات وجهه الدقيقة الأبية، فإنك واجدٌ خلف موسيقى خطوطها وطمأنينتها، الأحزان التي هيمن عليها، والنظرات التي لم يداخلها الوهم، والذكاء الجريء الذي يواجه صراع الحياة في ثبات». ولد طاغور في السادس من مايو عام 1861 في قصر «جوروسنكو» بمدينة كلكتا فكان سليل أسرة هندية عريقة في القسم البنغالي من مدينة كالكتا، والده روبندرونات تاكور كان مصلحا اجتماعيا ودينيا معروفا وسياسيا ومفكرا بارزا، تلقى تعليمه في منزل الأسرة على يد أبيه وأشقائه ومدرس يدعى دفيجندرانات الذي كان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً وكذلك درس رياضة الجودو أطلق عليه والده اسم «رابندار» ويعني «الشمس» تيمناً بأنه سيشرق كالشمس، وكان والده ينتمي إلى إحدى الفرق الدينية «اليوبانيشاد» التي تركت في الهند أثراً صوفياً بالغاً. جاء إنتاج طاغور غزيراً ما بين فلسفة وشعر ورواية وقصة ومسرح، نشر أولى محاولاته الشعرية في إحدى المجلات الأدبية الصادرة بكلكتا، وقد لقبه الزعيم الهندي المهاتما غاندي بـ «منارة الهند»، قدم للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية، وحوالي 25 مسرحية بين طويلة وقصيرة وثمانية مجلدات قصصية وثماني روايات، إضافة إلى عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية، كما كانت له صولات إبداعية في الموسيقى، وتحديدا أكثر من ألفي أغنية، اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنغلاديش. وإلى جانب الأدب والموسيقى اتجهت عبقرية تاكور إلى الرسم، الذي احترفه في سن متأخر نسبيا، حيث أنتج آلاف اللوحات، قال تاكور: «عندما بدأت أرسم لاحظت تغيراً كبيراً في نفسي، بدأت اكتشف الأشجار في حضورها البصري، بدأت أرى الأغصان والأوراق من جديد، وبدأت أتخيل خلق وإبداع الأنواع المختلفة منها. بدأت أكتشف هذه الثروات البصرية الهائلة الكامنة في الأشجار والأزهار التي تحيط بالإنسان». أنشأ عام 1901 في كلكتا مدرسة للنشء قائمة بين أشجار الغابة أسماها مرفأ السلام، وألقى فيها محاضرات ضمها كتابه الشهير «سادهانا». في هذه المرحلة خبر طاغور مرارة الموت إثر فقدانه أمه وإحدى شقيقاته. لكنه استعادها بقسوة أشد حين فقد زوجته ولحق بها ابنه وابنته وأبوه في فترات متتابعة. لكن عاصفة الموت الجديدة هذه أشعرته، كما يقول: «بالنقص وحفزتني على نشدان الكمال، وألهمتني أن العالم لا يفقد ما يضيع فيه». حمل الحزن الذي طبع قلبه إلى قصائده في ديوانه «جيتنجالي» «قربان الأغاني» الذي دفع أندريه جيد إلى القول عنه «ليس في الشعر العالمي كله ما يدانيها عمقاً وروعة». وفي عام 1913 نال جائزة نوبل عن ذلك الديوان، وكان أول شاعر شرقي يفوز بها. منح «تاكور، أو كما نسميه نحن أهل الشرق طاغور تكريما من دول العالم، ففي الهند حاز الدكتوراه الفخرية، كما منحته الحكومة البريطانية لقب «سير» وهو اللقب الذي قام بإعادته للحكومة عقب الأعمال القمعية التي قامت بها عام 1919 بإقليم البنجاب. واستمر في نسج مقالات تؤجج الشعور الوطني وتحرض على مقاومة الاستعمار الإنجليزي، سائراً على درب الزعيم الهندي غاندي الذي اعتبره «منارة الهند». درس طاغور الأديان كافة. ويعتبر كتابه «دين الإنسان» من أهم الكتب التي عكست فلسفته، فيه يقول طاغور «إن كل طفل يولد في عالمنا هذا هو آية حية تقول لنا إن الله لا ييأس من بني الإنسان».

مصر حتنور تاني

إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...

بين اللجوء والنزوح مساحة ألم

سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...

من الطابق التاسع رأيت خط الطباشير الأبيض

في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...

في قلب القاهرة ماتت «شهرزاد»

«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...

ثلاثة مشاهد لا يربط بينها إلا «المياه»

المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...

خطاب بعلم الوصول إلى رئيس مصر

طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...

وبينهن نساء عاشقات لقهوة الصباح

أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...

أم سيد والواد شمعة وسلاح سوريا الكيماوي

أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...

في اكتمالي موتي.. وبالنقصان أستعيد الحياة

كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...

وللنساء مع الزلازل شأن آخر

في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...

ولكل منا أريكته الزرقاء.. ولكل منا آذان أخرى

الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...

في المطار يسألونك: أتحب الغناء والفرح!

أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...