عدد المقالات 46
تخيّل معي قصة عروسين شابين يقضيان عطلة شهر العسل بعد قصة حب استمرت لأعوام، وهما في نهاية هذه العطلة وبعد فترة من السعادة والمرح والسفر واكتشاف مناطق جديدة والتفاؤل بمستقبل مشرق ينويان العودة للديار مرة أخرى لبدء حياتهما الطبيعية، فيكتشفان أن حجوزاتهما قد أُلغيت وأنهما لا يستطيعان العودة لبلدهما بالتذاكر التي معهما، فتنهار كل أحلامهما في دقائق معدودة. هذا ما حدث بالضبط للمسافرين الحاجزين عبر أشهر شركات السياحة في العالم وأقدمها على الإطلاق، وهي شركة «توماس كوك». الاثنين الماضي، أعلن بيتر فانهاوزر المدير التنفيذي لشركة «توماس كوك» إفلاس الشركة وتولّي الحكومة البريطانية السيطرة عليها، لتعلن الحكومة في وقت لاحق القيام بأكبر عملية إجلاء منذ الحرب العالمية الثانية بتخصيص 40 طائرة لمدة أسبوعين من أجل نقل أكثر من 150 ألف مسافر علقوا في بلدان مختلفة بسبب إلغاء حجوزاتهم مع شركة «توماس كوك» الشهيرة. تعدّدت التحليلات في بيان أسباب انهيار الشركة البريطانية التي تجاوز عمرها 175 عاماً. فبينما أرجع بعضهم ذلك إلى أسباب سياسية مثل أزمة «البريكست» وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وضبابية الموقف الحكومي وسط الخلافات المتواصلة بين البرلمان والحكومة البريطانية، أرجع آخرون انهيار الشركة إلى أسباب اقتصادية؛ مثل انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني في سوق العملات مقابل الدولار. لكن في الحقيقة، فإن هذه الشركة العريقة التي أسّسها توماس كوك عام 1841 قاومت عديداً من الكوارث الطبيعية والاقتصادية؛ مثل الحرب العالمية الأولى، والثانية، والكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، والأزمة المالية العالمية، والرهن العقاري في عام 2008، وأزمات اقتصادية وسياسية أخرى كثيرة لم تتخذ الخطوات اللازمة لتواكب عصر التكنولوجيا واستخدام التقنيات الحديثة في مجال السفر والسياحة، على الرغم من ظهور شركات صغيرة استطاعت في وقت قصير السيطرة على جزء كبير في هذا المجال. فشركة «توماس كوك» حتى الآن لا تزال تستخدم الأدوات التقليدية في الحجز والسفر وتخطيط الرحلات، وتعتمد بشكل كبير على افتتاح الفروع التقليدية في أكثر من مكان، في وقت أصبح فيه الفرد يستطيع أن يخطط لرحلة سياحية متعددة المحطات والبلدان خلال دقائق دون أن يتحرك من مكانه عن طريق تطبيقات الهاتف الأخرى، حتى وصلت ديون الشركة إلى أكثر من مليار جنيه إسترليني. ذكرتُ في مقال سابق بعنوان «حروب التكنولوجيا» كيف تحولت المنافسة بين الشركات في ظل التطوّر التكنولوجي من منافسة تقليدية تعتمد على المكسب والخسارة إلى حروب بالمعنى الحقيقي لديها كثير من الضحايا، سواء ضحايا مالية أم ضحايا بشرية، عن طريق خسارة كثير لوظائفهم. وتساءلت في نهاية المقال عن الضحية التالية نتيجة استخدام التكنولوجيا. ولكن للأسف الإجابة كانت أقرب مما تصوّرنا جميعاً، بنهاية «توماس كوك» أقدم شركة سياحة على وجه الأرض.
استكمالا لما ذكرناه في هذه الزاوية الأسبوع الماضي حول تسارع وتيرة التحول الرقمي بشكل غير مسبوق وانتقال الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة تقنية مساعدة إلى بنية تحتية أساسية يعاد من خلالها تشكيل الاقتصادات وسلوك المجتمعات،...
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة لتحسين الخدمات أو تسريع العمليات التشغيلية، بل تحوَّل إلى عنصر مركزي يعاد عبره رسم خريطة الاقتصاد العالمي، وأصبح السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يمكن أن يتحول الذكاء...
في زمن مضى، كان النجاح الاقتصادي مرادفًا لتوسّع المصانع وتوظيف آلاف العمال، أما اليوم فقد تغيرت المعادلة هناك شركات تُقيّم بالمليارات لكنها توظف العشرات فقط. فهل دخلنا عصر «الرأسمالية بلا عمل»؟ أم أن هذا النموذج...
في خضم الحديث اليومي عن ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول، ننسى أحيانًا أن الأزمة لا تبدأ عند ماكينة الصراف الآلي، بل قبل ذلك بكثير، في طريقة تفكيرنا، وفيما تعلّمناه – أو لم نتعلّمه – عن المال....
لم يعد فتح الهاتف أو الحاسوب والدخول إلى أحد مواقع التسوق الإلكتروني فعلاً غير معتاد، بضغطة زر يمكنك اليوم شراء كل شيء من علبة شوكولاتة إلى سيارة، ومن تذكرة طيران إلى كورس تعليمي. بل تشير...
في السنوات الأخيرة، لم تعد مفردات مثل «الاستدامة» و»حياد الكربون» و»الصديقة للبيئة» حكرًا على المنظمات البيئية أو الباحثين، بل تحوّلت إلى مفاتيح تسويقية تتغنّى بها الشركات الكبرى على اختلاف مجالاتها. من شركات النفط إلى مصانع...
في مشهد لم يكن متوقعًا قبل سنوات، أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني منذ عدة أيام عن خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من الدرجة المثالية “AAA” إلى “Aa1” مع نظرة مستقبلية سلبية. هذا القرار، الذي يأتي...
عندما تفتح عينيك في الصباح، قد يكون أول ما تفكر فيه هو كوب القهوة الذي سيمنحك الطاقة لبدء يومك. ولكن هل تساءلت يومًا كيف يؤثر هذا المشروب الصغير على الاقتصاد العالمي؟ الحقيقة أن صناعة القهوة...
من الهواتف الذكية إلى محركات الطائرات، لم يعد مصطلح «المعادن» مجرد إشارات لثروات مدفونة في باطن الأرض، بل بات يُستحضر اليوم في قلب النقاشات الاقتصادية والاستراتيجية حول مستقبل الصناعات والتقنية. ومع صعود مفاهيم مثل «النفط...
في العقد الماضي، كانت أشباه الموصلات تُنظر إليها على أنها مجرد مكوّن أساسي في الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، لكن مع الأزمة التي عصفت بالعالم بين عامي 2020 و2024، باتت الرقائق الإلكترونية في قلب السياسة العالمية والصراعات...
استفاقت أسواق المال نهاية الأسبوع الماضي على هزة عنيفة، تسببت في خسائر غير معتادة منذ سنوات. القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية جديدة شمل أكثر من 90 دولة، تراوحت بين 10% ووصلت...
مع كل أزمة اقتصادية جديدة، تتغير أولويات المستهلكين كما لو أن قواعد اللعبة قد أُعيدت صياغتها. فجأة، تصبح الضروريات أكثر أهمية، بينما تتراجع الكماليات إلى آخر القائمة. ومع كل أزمة يواجها العالم، تتشكل أنماط استهلاكية...