مهرجان البندقية

لم تعد مهرجانات السينما في السنوات الأخيرة حكرا على دول بعينها، أو في المدن الكبرى فقط، أو تلك الراسخة في صناعة السينما، اليوم بمقدور العديد من الدول والأفراد إنتاج الأفلام، على الأقل القصيرة منها، وهو حافز مقبول للشروع في تنظيم مهرجان سينمائي. هذه الأيام ستجد مهرجانا سينمائيا سنويا واحدا على الأقل في معظم دول العالم من بوركينا فاسو إلى فينيسيا، من تشيناي إلى صنداس، من ألبانيا إلى مهرجان ترايبيكا الشهير، ومن كان الأشهر وحتى قرطاج، ومن مهرجان برلين حسن السمعة إلى مهرجان السينما المستقلة بالخرطوم الذي ينظم برعاية معهد جوته، (وليس للإبداع وطن). ليس هذا فحسب فالقائمة تطول وتطول حتى تصل إلى قرابة 5000 مهرجان سينمائي في العام، وتضم مهرجانات مثل فقر الدم السينمائي ومهرجان الدراجات للأفلام (الذي يضم أفلاما حول الدراجات بالطبع)، ومن مهرجان المرفأ في تكساس إلى مهرجان الواجهة البحرية السينمائي، ومن ليلة من الرعب تكفي السينمائي إلى مهرجان الفانتازيا إلى مهرجان 11/9 السينمائي الدولي إلى مهرجان أفلام القطط الذي تجري فعالياته في متحف الفن المعاصر في سانت لويس بولاية ميسوري الأميركية، وكلها في نهاية المطاف تملك أهدافا أو مشروعا محددا وتسعى إلى رفع الوعي السينمائي ومختلف جوانب السينما في جميع أشكالها كفن وصناعة وترفيه وتجارة ودعاية إلخ.. حسنا.. كالعادة لن نأخذ معظم هذه الفعاليات محمل الجد، غير أن هناك بعض المهرجانات -مثل كان الفرنسي وصنداس الأميركي وبرلين الألماني ومهرجان البندقية السينمائي الدولي في إيطاليا الذي تنطلق دورته الـ71 صباح اليوم وتستمر حتى 6 سبتمبر القادم- ندرك موقعها جيدا، وأهميتها بالنسبة لصناعة السينما ورجالات السينما وهي العنصر الفاعل في حركة التطور السينمائي العالمي. مهرجان البندقية هو أقدم مهرجان سينمائي دولي في العالم، تأسس عام 1932 بمبادرة من الكونت جوزيبي فولبي في جزيرة الليدو الإيطالية، وبعد ثلاثة أعوام من جوائز الأكاديمية الأميركية (الأوسكار) التي تأسست عام 1929 (وهي مسابقة محلية رغم شهرتها الداوية تعنى بصناعة السينما الأميركية وأصبحت تمنح جائزة واحدة لأفضل فيلم أجنبي). مهرجان البندقية أسهم خلال مسيرته المضيئة في خدمة الفن السينمائي، والتعريف بالتطورات التي تحدث على مستوى هذا الفن العظيم، وبالضرورة أسهم في نمو السينما في بلدها إيطاليا، كتب الناقد جابرييل نيولا في النسخة الإيطالية من (وييرد) أن نسبة الأفلام المنتجة محليا في المملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا تتراوح بين %10 و%20، بينما في إيطاليا وصلت العام الماضي إلى %31 وذلك بفضل التشجيع الذي يوفره مهرجان البندقية للسينما الإيطالية. اختار المهرجان هذا العام 20 فيلما للمنافسة على أسده الذهبي من بين 55 فيلما طويلا تعرض ضمن فعاليات المهرجان، اختير للافتتاح فيلم (الرجل الطير– فضيلة الجهل غير المتوقعة) للمكسيكي أليخاندرو جونزاليس الذي عرفه جمهور السينما من خلال فيلمه بابل. الوجود العربي كالعادة غائب والبركة في المخرج الفلسطيني إيليا سليمان الذي تم اختياره عضوا في لجنة التحكيم.