alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

نحو إعلان مجلس وطني سوري.. القصة الكاملة

28 أغسطس 2011 , 12:00ص

ثمة ممارسات وأعمال يلخص العرب رؤيتهم لها بقولهم إنها تدخل في نطاق (السهل الممتنع). وهذه هي تحديدا الصفة التي يمكن أن تطلق على الجهود التي بدأت منذ أسابيع لرسم خارطة إنشاء المجلس الوطني السوري. انبثقت الفكرة تدريجيا بعد حوارات قام بها ثلة ممن شاركوا في الحراك السوري بمختلف ألوانه. استعرض هؤلاء التجارب السابقة التي هدفت لتجميع المعارضة، خاصة عن طريق المؤتمرات. استفادوا من تجربتها، وأدركوا أنها كانت مدخلا ممتازا لتعارف أطياف تلك المعارضة التي شتتها النظام على مدى عقود، لكنها لم تكن الآلية التي تضمن خروج مجلس وطني يقوم بالمسؤوليات الكبيرة والدقيقة والحساسة التي يجب أن يقوم بها في المرحلة القادمة، بدليل أن هذا الهدف لم يتحقق عمليا نتيجة تلك النشاطات. ضمت المجموعة خبراء من مختلف الأطياف والخلفيات، وقد ميزها وسهل عملها أنها كانت تضم شريحة مقدرة من المستقلين. كان واضحا في الأذهان أن العمل يجب أن يزاوج بمهارة بين الواقعية والمثالية، وأنه لا بد من الانطلاق من صورة الواقع السوري كما هي عليه الآن في محاولة للوصول إلى صورة سورية المستقبل. من هنا، وبما أن المجلس سيكون في نهاية المطاف مكونا من الأفراد، فقد رسمت خارطة أولى ضمت تقريبا جميع أسماء الفاعلين في الحراك السوري بعيدا عن النظر إلى أي خلفية إيديولوجية أو مناطقية أو غيرها. بعد هذا، انتقل العمل إلى مرحلة تالية رسمت فيها خرائط تتعلق بقضايا التمثيل، فظهرت واحدة تتعلق بالتمثيل المناطقي اعتمدت على الإحصاء السكاني الأخير في سوريا، وأخرى تتعلق بالحركات والتيارات والأحزاب والهيئات والتجمعات الفاعلة، وثالثة تتعلق بالنشاطات والمبادرات واللقاءات والمؤتمرات، ورابعة تتعلق بالتنوع المذهبي والقومي الذي يشكل نسيج المجتمع السوري، وأخذ بعين الاعتبار أيضا التوازن في وجود الرجل والمرأة، وفي الحضور الشبابي الفاعل والكثيف. وفي المرحلة الثالثة تم البحث في تقاطعات الخرائط المذكورة لاقتراح وترشيح الأسماء، ولكن مع إضافة معيار الكفاءة. لم يكن هذا المعيار عشوائيا بطبيعة الحال، وإنما كانت عناصره عديدة منها وجود تاريخ في العمل العام، وامتلاك درجة من الخبرة والتخصص في أي مجال من المجالات التي سيعمل فيها المجلس، والقدرة على الحركة والمتابعة والتواصل والسفر، والأهلية القانونية المعروفة، وغيرها من العناصر الموضوعية الأخرى. وبما أن جهات عديدة أصدرت خلال الأشهر الماضية مواثيق تحدد ثوابت الثورة السورية من جهة، والمنطلقات الرئيسة لملامح سوريا المستقبل من جهة أخرى، فقد تمت دراسة تلك المواثيق بأسرها، وجرى الخروج من الدراسة بوثيقة توافق وطني تحدد المشتركات الأساسية المتعلقة بتلك الثوابت والمنطلقات. فتم التأكيد من جهة على أن الثورة تهدف لإسقاط النظام، وعلى أنها سلمية، وأن مفصلها الرئيس يتمثل في الوحدة الوطنية ونبذ أي دعوة للطائفية أو المذهبية أو احتكار الثورة، وعلى رفض التدخل العسكري الأجنبي. أما بالنسبة لملامح سوريا المستقبل فقد أكدت الوثيقة على أن سوريا دولة مدنية حديثة يضمن دستورها الجديد الحقوق المتساوية للمواطنين والتداول السلمي للسلطة واستقلال القضاء وسيادة القانون واحترام الحقوق السياسية والثقافية والدينية والشخصية وحرية الإعلام لكافة مكونات المجتمع السوري في إطار الوحدة الكاملة للوطن وترابه. وعلى أن سوريا دولة ذات نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ فصل السلطات والتعددية السياسية، وعلى أن السوريين شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد -رجلا كان أو امرأة- منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصوله الدينية أو المذهبية أو القومية. وأن تنال كل المكونات القومية والدينية التي يتشكل منها الشعب السوري حقوقها في سوريا المستقبل على أساس المواطنة من دون أي تمييز، وأن لكل منها حقوقا وواجبات على قدم المساواة مع الجميع، مع الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكردية، وضرورة إيجاد حل ديمقراطي عادل للمسألة الكردية في إطار وحدة الوطن. إضافة إلى هذا، أكد الميثاق على أن القانون فوق الجميع، وأن المحاسبة مبدأ شامل لا استثناء فيه، وعلى عدم تسييس المؤسسة العسكرية التي تتمثل مهمتها في الدفاع عن تراب الوطن وحماية حدوده ضد الاعتداء الخارجي وتخضع دستوريا لسلطة النظام السياسي الديمقراطي بسلطاته الثلاث، وعلى تقوية دور المجتمع المدني ومؤسساته للمساهمة في ترسيخ مفاهيم المواطنة والمشاركة في عملية التنمية، وعلى السعي المستمر لتحقيق العدالة في توزيع الثروة الوطنية، بحيث تكون الموارد الوطنية ملكا للسوريين جميعا في إطار حكم رشيد، وتوجيه ثمار التنمية نحو رفع مقدرات ومستوى حياة جميع شرائحهم ومناطقهم وفي مقدمتها الأكثر حرمانا. وأكدت خاتمة الميثاق بعد ذلك على أن سوريا المستقبل دولة حرة مستقلة الإرادة تحافظ على سيادتها الوطنية، وملتزمة باتفاقياتها الدولية على أساس المصالح الوطنية العليا، وعلى أن العلاقات الخارجية مبنية على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل مع المجتمع الدولي. وتم التواصل من خلال الجهد السابق بجميع مكوناته مع مختلف أطياف الحراك السوري، وعرضت عليها تفاصيله ونتائجه على أنها مسودات أولية تحتمل التعديل مع الحوار والمدارسة. بل سميت الشريحة التي عملت عليه بـ (مجموعة عمل مفتوحة)، بمعنى أنها كانت تطلب ممن يتم التواصل معهم الانضمام إلى متابعة الجهد بكل شفافية ووضوح. وتوسعت دائرة الحوار بشكل كبير، واتسعت معها مساحات الالتقاء والتوافق، فتم الإعلان عن الجهد المذكور الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحافي موسع بعنوان «نحو إعلان مجلس وطني سوري». ليتم تشكيل لجنة تحضيرية تتابع عملية الحوار والمشاورات وصولا إلى صورتها النهائية، ويتم انعقاد المجلس بشكل فعلي في أقرب وقت ممكن. ثار شيء من اللغط والضجيج حول الإعلان المذكور، وتداخلت للأسف عند قلة من الأفراد الأجندة الشخصية بالأجندة الوطنية. لكن الحوار لا يزال مستمرا بين من يضعون بكل جدية مصلحة الوطن والثورة فوق المصالح الشخصية، وبين من يدركون معنى المسؤولية الكامنة في ظهور هذا المجلس، وفي ضرورة تأمين القدرة على القيام بمهامه الثقيلة. بيد أن ما يهمنا جميعا في نهاية المطاف هو رأي المواطن السوري في هذا الجهد. وبما أن العمل الأساسي تم بعيدا عن الإعلام، فسيكون مفهوما أن غياب تفاصيله أثار شيئا من الضبابية والتشويش. من هنا، وبعد العرض المذكور أعلاه، يتمنى المرء من كل سوري يشغله هم بلاده وثورته أن يقرأ الكلام مرة واثنتين، وأن يسأل نفسه ما إذا كان يعبر حقا عن ضمير الثورة وثوابتها وطموحاتها. ليتجاوز بعد ذلك كل الصغائر، ويسهم في تشكيل رأي عام يدفع في اتجاه تشكيل المجلس، عسى أن يكون نقلة نوعية ومؤسسية كبرى باتت مطلوبة للحركة بشكل علمي منهجي يليق بملامح سوريا الجديدة التي نتطلع إليها جميعا.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

«الهجرة» السورية الكبرى

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...