


عدد المقالات 101
كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً لا يمكن الهروب منها بأي شكلٍ من الأشكال. فهذا البلد يقع في القلب من أكثر المناطق الإقليمية في العالم حساسيةً على جميع المستويات. وثمة تقاطعٌ معقدٌ في مصالح دول إقليمية وعالمية حين يتعلق الأمر بالقضايا العديدة المتعلقة بسوريا ودورها في المنطقة. من هنا، فإن ضمان المصلحة الوطنية السورية العليا لا يتحقق بتجاهل تلك الحقيقة ومقتضياتها، ولا بالإصرار على مفهومٍ سكونيٍ انعزالي لموضوع الاستقلالية. بل إن الأمر على العكس من ذلك تماماً. فنحن نعيش عالماً لم تعد العزلة فيه فعلاً بشرياً ممكناً. وما من إمكانيةٍ على الإطلاق لأن نغلق على أنفسنا الأبواب والنوافذ، ونعتقد أن هذا هو السبيل إلى ضمان الاستقلالية. وإذا حاولنا القيام بذلك، في عالمٍ سقطت فيه الحدود والحواجز ثقافياً وإعلامياً واجتماعياً واقتصادياً، فإن النتيجة ستكون أشبه بوجود فريسةٍ في خلاءٍ مفتوح تنتظر صيادها بعجزٍ وسلبية. إذ لن يتوقف العالم عن محاولة التدخل في شؤوننا والتأثير في توجهاتنا، بل والعمل على صياغة حاضرنا ومستقبلنا. لهذا، يكمن البديل في أن نعترف بأننا نعيش في عالمٍ يموج بأعاصير المصالح، وفي أن ننتقل بوعيٍ إلى موقع الفاعل المُبادر، بدلاً من أن نكون مجبرين على التعاطي مع العالم بمنطق ردود الأفعال. وإن نظرةً إلى الموضوع تنطلق من فهم الواقع الدولي وموازينه، وتنبع من الثقة الحقيقية بالنفس، وتتمحور حول إدراك مناط المصلحة الوطنية السورية العليا، يمكن أن توظف بفعالية مفهوم الاستقلالية بحيث تحقق تلك المصلحة المنشودة. وإذا كانت تلك حقائق معادلة الاستقلالية في الأوضاع العادية، فإن المسألة تأخذ أبعاداً أكبر في ظروف الثورة التي تعيشها البلاد حالياً. فالاستقلالية كمبدأ، وبدلالاتها العامة، مطلوبةٌ بشكلٍ لا يقبل المساومة والحوار. وبعد عامين من العطاء والتضحية في سبيل الاستقلال من نظامٍ هو الأكثر دمويةً في تاريخ البشرية المعاصر، لا يمكن لقوةٍ في العالم أن تحلم بأن يوجد في الشعب السوري من يستطيع أن يساوم على استقلاليةٍ كانت لا تزال وستبقى العنصر الأول في تحقيق ذلك الاستقلال المنشود. لن تؤرق هذه الحقيقةُ الغالبيةَ العظمى من العاملين للثورة والمشاركين فيها، لأنهم ليسوا أصلاً في وارد التفكير بمثل تلك الممارسة. لكننا نعيد التذكير بها هنا للتأكيد بأنها سوف تكون سيفاً مُسلطاً على كل من تسوّلُ له نفسه ممارسة الارتهان الذاتي لإرادةٍ تضرّ بالثورة، فضلاً عن محاولة رهن القرار العام لمثل تلك الإرادة. لكن التعامل مع مفهوم الاستقلالية لا يكون، كما أوضحنا أعلاه، بمنطق إنكار الطبيعة المعاصرة للعلاقات الدولية بشكلٍ كامل، ولا بعقلية الانغلاق على الذات، ولا بإنكار حتمية وجود المصالح المشتركة، والغفلة عما يُقدّمه الآخرون، وعن إمكانية الوصول إلى تصوراتٍ مبتكرة وخلاقة لتحقيق تلك المصالح. ولتأكيد الكلام وتوضيحه، فإننا ندرك مُقتضيات الواقع العالمي والإقليمي المعاصر، وما يفرضه من حدود وحسابات وتوازنات ومعادلات حسّاسة.. ونعترف بحقيقة وجود المصالح والاحتياجات والأدوار المتبادلة في عالم العلاقات الإقليمية والدولية.. غير أن علينا أن ننتبه وننبّه كل من له علاقة، أن قراءة منطق التاريخ، تُبيّنُ أن هذا الواقع، مهما كانت طبيعتهُ، إنما هو في النهاية بَوتقةٌ ووعاءٌ إنسانيٌ لمجموعةٍ ضخمة ومتنوعة من الخصوصيات المحلّية التي تُشكِّلُه، وأنّ من قوانين العلاقات الدولية والإقليمية الأساسية، أن لكلٍ من تلك الخصوصيات وزناً ودوراً وتأثيراً يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار.. ولا يصحُّ تجاوزهُ والقفز عليه بسهولة.. وأن الخصوصيات المحلية، الثقافية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تَرسمُ أحياناً، وبعد استنفادِ كلّ ما فيها من مرونة.. سقفاً لا يُمكن تجاوزه لا من قِبلِ اللاعبين المحلّيين، ولا من قِبلِ اللاعبين الإقليميين والدوليين. أهمُّ من هذا كله، يجب علينا الانتباه إلى أن التعامل بواقعية مع الحقيقة السابقة بحدّ ذاتها هو الذي يحفظ كثيراً من التوازنات والمعادلات التي أشرنا إليها قبل قليل، وهو الذي يحفظ، بالتالي، المصالح المشتركة. ثمة حساباتٌ سياسية واجتماعية وثقافية وأمنيةٌ معقدة يجب أن تحصل في معرض أخذ القرارات المصيرية، فليس الأمر أمر عنادٍ من جانب، كما أنه لا يجب أن يكون مجرد استجابةٍ تتعلق بمطامح فردية أو رؤيةٍ مجتزأة من جانبٍ آخر. وفي نهاية المطاف، فإن على الأصدقاء الخُلّص للشعب السوري أن يدركوا أن الشرائح الفاعلة في الثورة السورية بشكلٍ عام، وفي المعارضة السياسية تحديداً، تُدرك تماماً حجم الدعم المقدم للثورة. أكثر من هذا، تدرك تلك الشرائح بشكلٍ دقيق مفاصل التداخل بين مصلحة الشعب السوري وثورته من ناحية، والمصالح الاستراتيجية للأصدقاء الخُلّص من ناحيةٍ أخرى. وإذا كان الإصغاء لنصائح الأصدقاء طبيعياً، فإن (أهل مكة يبقون أدرى بشعابها) كما يقول المثل العربي العريق. وبالتالي، فإن اتخاذ القرارات النهائية بالنسبة للقضايا الحساسة تحديداً يتطلب معرفةً عميقة وتفصيليةً وشاملةً بتلك الشعاب لن يقدر على الإحاطة بها إلا أهل البيت. والأرجح أن تكون هذه المعرفة سبباً للوصول إلى قرارات تحقق فعلاً تلك المصالح المشتركة. في حين يمكن أن يتسبب الاعتماد على معلومات جزئيةٍ لصناعة القرار في ضياع تلك المصالح على جميع الأطراف.. ومع تسارع الأحداث في كل ما يتعلق بالثورة السورية، فإن شيئاً من الصبر الجميل قد يُظهر صدقية هذا التحليل بكل وضوحٍ وجلاء.
بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...
{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...
لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...
منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...
قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...
ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...
منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...
كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...
يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر...
في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...
كي لا نجلد أنفسنا ليل نهار. كي لا نقع فريسة الأحلام الوردية والتوقعات الكبيرة قصيرة الأجل. كي لا نعيش على وقع ردود الأفعال النفسية والعاطفية الناجمة عن طول عملية التغيير وصعوبتها. كي لا نقع في...