alsharq

د. وائل مرزا

عدد المقالات 101

د. هدى النعيمي 26 أكتوبر 2025
صدى روايات خالد حسيني.. تردده الأجيال
هند المهندي 26 أكتوبر 2025
ريادة قطرية في دبلوماسية السلام
سعد عبد الله الخرجي - المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني 27 أكتوبر 2025
خطاب يرسم خريطة طريق

«الهجرة» السورية الكبرى

10 مارس 2013 , 12:00ص

يمكن وصف الثورة السورية بألف طريقة وطريقة، فهي تحمل في طياتها بحراً من المعاني سيأتي قريباً اليومُ الذي تظهر دلالاتهُ الحقيقية للناس. لكن وصف (الهجرة) قد يبدو في هذه المرحلة مُعبّراً عن واقع السوريين أكثر من غيره من التوصيفات. صبرَ الشعب السوري عقوداً طويلة على واقعٍ مرير، تارةً باسم التحرير والممانعة، وتارةً أخرى باسم التنمية والتقدم والازدهار. مرّت السنوات والعقود، فلم يسمع الشعب إلا الوعود، ولم يرَ إلا الاحتفالات بإنجازات كلامية ليس لها أثر على أرض الواقع. ظهرت مسمياتٌ دون مضمون، وبُنيت هياكل كان يملؤها أولاً الفراغُ والضباب، ثم صار يحشوها الزيف والفساد والمحسوبية والنفاق. طال زمن الانتظار السوري على رصيف التاريخ. لم يعد ممكناً التعامل مع هذا الواقع بأنصاف الحلول ولم يكن هناك بدٌ من هجرةٍ كبرى. صبرت سوريا التاريخ والحضارة سنوات وسنوات، وحين توارت النخبة قليلاً تحت سيف القمع الرهيب، لم يجد الشعب بداً من أن يخرج بنفسه إلى الشوارع. سدّ الفكر السياسي المتخلّفُ للنظام الزائل جميع المداخل، وأغلق كلّ الأبواب والنوافذ، لكنه نسي أن حركة التاريخ لا يمكن أن تتوقف. انفجرت العبقرية الجماهيرية للشعب السوري وظهرت باهرةً كضوء الشمس من تحت ركام سنين طويلة من الألم والمعاناة. قرر المارد أن يخرج بنفسه من القمقم، وجدَ أن الوقت قد حان لكي يستلم زمام الأمور، ولكي يطلب حقوقه بصورةٍ تليق بكل المعاني الكبرى الكامنة في حضارته العريقة. هاجر السوريون إذاً بحثاً عن ولادةٍ جديدةٍ لواقعٍ إنسانيٍ جديد. واقعٍ لا تتنافر فيه بالضرورة مقوّمات الأصالة مع مقوّمات المعاصرة، ولا يشتبك فيه لزاماً التاريخ بالحاضر، ولا تتناقض فيه وجوباً متطلبات الدنيا مع متطلبات الآخرة، ولا تتضارب فيه عوامل الهوية الذاتية مع مقتضيات العلاقة مع الآخر. وفي خضمّ ثورتهم، يهجر السوريون تدريجياً ثقافةً حدّيةً تنظر إلى العالم وتفهم الحياة فقط من خلال الثنائيات المتناقضة، ويهاجرون بحثاً عن ثقافةٍ أخرى. ثقافةٍ تدرك كيف يمكن أن يكون شعبٌ أصيلاً ومعاصراً في الوقت نفسه. ثقافة تتصور إمكانية أن يعيش شعبٌ حاضرهُ وزمانه بكل الحيوية المطلوبة، وأن يكون في الوقت نفسه ممتلئاً بعبق التاريخ. ثقافةٍ تفهم أنه يمكن لشعبٍ أن يحيا في هذه الدنيا حياةً طيبةً، ملؤها الخير والحق والعدل والحرية والجمال، ثم تكون تلك الحياة بحدّ ذاتها طريقاً إلى نعيم الآخرة الموعود للصالحين المصلحين من بني البشر. ثقافةٍ تدرك أنه يمكن لشعبٍ أن يحافظ على كل خصائص ومقومات هويته الذاتية، وأن ينفتح في الوقت نفسه على الآخر في هذا العالم أياً كان، ويتفاعل معه أخذاً وعطاءً، بكل الطلاقة وبكل الحيوية، دون أن يكون هذا بالضرورة سبيلاً لذوبان الهوية وضياع الخصوصيات. وجد الشعب السوري في رحلة الهجرة، وبعد عقودٍ من الصبر والمعاناة والتعب، فِراشهُ الأصلي الذي كان يبحث عنه، فراش الكرامة والحرية والوحدة الوطنية، وبدأ يندسُّ في هذا الفراش الممتدّ على مساحة الوطن بأسره. شرح الله من عليائه صدر هذا الشعب المصابر على طريق الهجرة، فرمى عن ظهره وزر أثقال أنقضته من القهر والذلّ والهوان، واندسَّ في ذلك الفراش، ملتحفاً بكل ما في طاقة الإنسان على هذه الأرض من معاني العزّة والشجاعة والبطولة والتضحية والفداء. شعر بالدفء بعد بردٍ قارسٍ طويل، فانفجرت عبقريته بألف طريقة وطريقة لتُظهر للعالم نموذجاً فريداً عما يمكن أن تفعله الشعوب حين يشتعل شوقها إلى الحرية. كلمةٌ واضحة هي مناطُ التكريم الإنساني الفريد على هذه الأرض، ولا تحتاج إلى تعريفٍ تطلبه أبواقٌ تافهة لا تستحق أن تُذكر بأكثر من هاتين الكلمتين. اندسَّ الشعب السوري في فراش الكرامة والحرية، فظهرت فيه طاقةٌ أسطورية على مواجهة الرصاص والمدافع والدبابات. يمضي اليوم وراء اليوم، والأسبوع خلفه الأسبوع، وإرادة هذا الشعب لا تتزعزع. يتساقط الشهداء مثل ورود ربيعٍ قطفتها يدٌ آثمة، تُعتقل آلافٌ في إثرها آلاف، تُحاصر مدنٌ ومناطق بكل ما فيها ومن فيها، تُستخدم كل أنواع الإرهاب والترويع والتعذيب والإهانة لكسر النفوس قبل الأجساد. فلا تجد إلا الإصرار على متابعة المسيرة، ولا تسمع إلا قصص الصمود والتحدي والتصدي. كلماتٌ حسب الناس أنها صارت محض شعارات تلوكها الألسن زوراً وبُهتاناً، وإذا بالشعب السوري يبث فيها روحاً تنبض بالحياة. هكذا تستعيد الشعوب رصيدها الأخلاقي السامي في لحظاتٍ تاريخية تسوق الأقدار ظروفها المناسبة. عرف شباب سوريا أنه لم يبقَ أمامهم إلا أن يفرضوا عودتهم إلى التاريخ فرضاً، فقاموا بكل ما يجب عليهم القيام به لتحقيق ذلك الهدف. المفارقة التاريخية أن سوريا شهدت خلال رحلة الهجرة تطبيقاً حقيقياً لكل الشعارات التي كان النظام ينادي بها زيفاً وادّعاءً على مدى عقود. أظهر السوريون خلال هذه الفترة ما هو المعنى الحقيقي لمقولة إن سوريا هي (قلب العروبة النابض). فالقلب هو العضو الحساس في الجسد، وهو الذي يجب أن يقاوم بكل ما يستطيع ليبقى الجسد حياً، مهما كانت الهجمة عليه قويةً وشرسة. ستنتصر الثورة السورية وستكتمل هجرتها الكبرى في آخر الأمر وقف العالمُ معها أم لم يقف. فمن الواضح من جميع المؤشرات أن خيار الشعب السوري يتمثل في استمرار ثورته وتطويرها، حتى لو سار فترةً من الزمن على طريق الآلام كما سار المسيح عليه السلام، وستغير هجرته وجه المنطقة والعالم، تماماً كما حصل بعد هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

الحكومة المؤقتة في سوريا.. أو الطوفان

بعد بضعة أيام من نشر هـذا المقال، يعقد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية اجتماعاً سيكون من أكثر الاجتماعات حساسية في تاريخه وتاريخ الثورة السورية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. وتنبع خطورة الاجتماع بالدرجة...

الثورة السورية.. وقصة البشرية على الأرض

{وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفكُ الدماء ونحنُ نُسبّحُ بحمدك ونُقدّس لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون}. بغضّ النظر عن الحشو الذي يملأ بتفاصيله...

عرب المشرق وطوفان إيران

لم يعد ثمة مجالٌ على الإطلاق، وبأي حسبةٍ من الحسابات، أن يسمح عربُ المشرق، ومعهم تركيا، لهذا الطوفان الإيراني أن يجتاح المنطقة بهذا الشكل الصارخ، ليس فقط في قباحته وابتذاله، بل وفي دلالات الموقف الدولي...

الثورة السورية بين مفتي السعودية والقرضاوي

منذ بضعة أيام، صدرت عن الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مواقفُ نعتقد أنها غير مسبوقة، وأن دلالاتها السياسية والدينية والثقافية تحتاج إلى كثيرٍ من التأمل. خاصةً عندما نفكر بأسبابها من جهة، ومآلاتها...

هل تفهم أميركا الثورة السورية بشكلٍ استراتيجي؟

قلائلُ هم الرؤساء الأميركان الذين يعرفون لماذا وصلوا فعلاً إلى البيت الأبيض, وماذا سيفعلون فيه على وجه التحديد. هذه حقيقةٌ معروفةٌ في أميركا، رغم أن عدد ساسة هذا البلد الذين يحلمون بالوصول إلى أهم موقعٍ...

الثورة السورية والمشهد الإقليمي

ما من شكٍ أن ثوار سوريا على الأرض كانوا ولا يزالون وسيبقون أصحاب القرار الحقيقي، لا نقول فيما يتعلق بمصير الثورة السورية، وإنما في تحقيق نصرها المؤزر في نهاية المطاف. لكن هذا لا يتناقض مع...

الحكومة السورية المؤقتة نقلة في عمل المعارضة

من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية. ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك. يبدأ...

الحكومة السورية المؤقتة.. حقائق وشبهات

منذ أكثر من خمسة شهور، وفي لحظة تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أعضاؤه يعرفون، ومعهم العالم أجمع، أن الائتلاف هو المؤسسة الأم التي ستتولد عنها ثلاث مؤسسات أخرى أحدُها الحكومة المؤقتة. لم...

تحدي «استقلالية» قرار الثورة السورية

كثيرةٌ هي التحديات التي تواجه الثورة السورية، لكن تحدي الحفاظ على (الاستقلالية) بحساباتها وموازناتها الشاملة قد يكون أكثرهاً خطورةً وأهمية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الاستراتيجي لسوريا فإن التعامل مع هذا التحدي كان وسيبقى مهمةً...

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد. قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لا تبدو هذه المعارضة...

سوريا.. ولادةُ وطن

في عددها مطلع الأسبوع الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان «سوريا، موت وطن». وعلى غلاف العدد، وضعت المجلة رسماً من ثلاثة أسطر يُعبّر عن دمار سوريا بشكلٍ تدريجي وصولاً نحو الخراب الكامل. بعدها بأيام،...

الثورة السورية بين الأمل والواقعية

كي لا نجلد أنفسنا ليل نهار. كي لا نقع فريسة الأحلام الوردية والتوقعات الكبيرة قصيرة الأجل. كي لا نعيش على وقع ردود الأفعال النفسية والعاطفية الناجمة عن طول عملية التغيير وصعوبتها. كي لا نقع في...