لا فضل لصحافي على آخر إلا بالمهنية

من المضحك أن تقوم دول عظمى ودوائر مكلفة بحماية أمن عالمي فضلاً عن دولة عظمى بتسريب وثائق تخص أفراداً أو مؤسسات، وكأننا أمام عصابات تحاول ابتزاز خصومها ومنافسيها، والأعجب أن تظن هذه الدوائر أن هناك من يصدقها القول والتسريب في ظل الإخفاقات اليومية بقيادتها العالم إلى الخراب والدمار فضلاً عن التحالف العضوي مع الاستبداد ومع كل هولاكات وتتارات ومغولات العصر وكل عصر. أقول هذا وأمامي عشرات الوثائق التي لا تُسمن ولا تغني من جوع سربها البنتاجون بعد أن عثر عليها في مخبأ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بـ أبيت آباد في مايو 2011 خلال الغارة التي نفذها الأميركيون وأسفرت عن مقتل زعيم القاعدة في حينه. العجيب أن الوثائق تتحدث عن أسامة بن لادن وطريقة عيشه وتفكيره وهو الأمر الذي سعت الجزيرة منذ يومها الأول إلى تعريف العالم به ولكن حسداً وضيق عين كما يقال دفع البعض في هذا العالم أصحاب الضوضاء والجلبة أن يشككوا بالجزيرة ومصداقيتها آنئذ، ولو كان من عندهم لكان لهم موقف آخر، والدليل أن أول لقاء صحافي لزعيم تنظيم القاعدة عام 1997 لم يكن على شاشة الجزيرة، وتبعه لقاءات أخرى له مع قنوات ومحطات غير الجزيرة، ولكن كلها لقاءات لم تسترع اهتمام البنتاجون وأشقائه وشقيقاته، كل ما استرعى اهتمامهم لاحقاً هو مقابلة أو تلقي شريط للجزيرة وللجزيرة فقط من أسامة بن لادن، ووصل الأمر إلى أن يجلس جورج بوش وتوني بلير في أوج قوتهما ليقررا قصف مقر الجزيرة بالدوحة كما تسرب يومئذ، وهو ما أكد أن الهدف المطلوب رأس الجزيرة وليس صحافي هنا أو مكتب هناك كما حل بقصف مكتبي الجزيرة في كابل وبغداد. اليوم الجزيرة مدينة بالاعتذار من كل من كان يُشكك بها ويتهمها ويهاجمها فيما يتعلق بتغطية القاعدة وأسامة بن لادن، فهي التي سعت إلى كشف ذلك الصندوق الأسود للعالم من خلال اللقاءات معه أو بث أشرطته والوثائقيات، يوم حبس العالم كله أنفاسه لمتابعة سنوات الجمر تلك، لكن للأسف نرى أن البعض لا يزال سادراً في غيه ويواصل سياسات ابتزاز الإعلام وابتزاز الجزيرة بشكل رخيص لا علاقة لها بالمنطق ولا بالمهنية. وبينما نتابع ما يتم تسريبه وما يرافقه من صمت رسمي أميركي لا ينبس ببنت شفة إزاء هذه التسريبات، وكأنها سيف ديموقليس فوق المستهدفين، نرى كيف يقوم صحافيون آخرون ومن وسائل أجنبية بالتملق وبتزييف الحقائق عن الواقع السوري لصالح مقابلة مع طاغية الشام بشار الأسد، ولا نسمع لأحدهم ركزاً أو همساً لهذا الانحدار الأخلاقي المهني الصحافي، بينما نرى الوثيقة التي سُربت عن مهنية الجزيرة الرائعة في رسالة أسامة بن لادن شخصياً بخصوص إعدادها وبثها وثائقياً عن القاعدة. الجزيرة التي آلت على نفسها منذ اليوم الأول رفع شعار الرأي والرأي الآخر هي نفسها الجزيرة التي فتحت العالم الخفي لأسامة بن لادن والقاعدة بشكل عام وسعت إلى تهويته ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً ولكن ربما مجيء الجزيرة متأخراً قليلاً في عالم عربي قد أصابه التفسخ والعفن السياسي والاستبدادي هو ما حال دون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقد وصل العفن الاستبدادي إلى النخاع الشوكي للمجتمعات العربية وبالتالي كان لا بد في بعضها من ثورات ربيع عربي تطيح بكل ما أقعد هذه الدول.  @ahmadmuaffaq