بين الـ «أجندة» والتجنيد.. وجند الله

قبل كم يوم بدأ تويتريون بالترويج لحساب فتاة مقدسية، ولله الفضل لاقت الحملة قبولاً وتأييداً نحسبه نصرة وجبر من مسبب الأسباب، ولكن ليس هنا مربط الخبر، بل في التالي. بعد أن زاد أعداد المتابعين لأختنا، وبالطبع فأمة الغثاء مبتلاة بنماذج أصلها بشري وسلوكها بهيمي، بدأ البعض يطلب منها أن تضع شعارا ما، أو تصور الأقصى مع إشارة ما، وغيرها من الطلبات التي تعكس أجندة وهي أبعد عن الاستقلالية التي تمثلها الفتاة بحسابها لتصل لكل الشرائح وتجعل الأقصى هو الشعار الأوحد لنتحد عليه خلال تشرذمنا فيما بيننا بسبب العصبيات. هذه المقدمة فرشة لما يلي من ملاحظات دونتها عن سلوك البعض، وخلفياته الاجتماعية وانعكاساته على قضايا الأمة الكبرى، كالمسجد الأقصى وتحريره، والاستخلاف في الأرض والأخذ بسببه عند الأفراد، والأخلاق الإسلامية التي باتت وأفاقت على مسلمين بالهوية لا أكثر، حررتهم الرسالة المحمدية، ولكنهم أبوا إلا العبودية لرسالات آخرين، وهم يحسبون أنهم بهذا يحسنون صنعاً لتجديد الدين بتفرقة المسلمين على تسميات. بل هم يقاتلون في سبيل تلك الرسالات التي وإن كانت بشعار إسلامي، إلا أنها تبقى أقل منه، فالإسلام يجب كل الرسائل والأفكار والقناعات التي تتخذ منه مصدرا وأصلا لذلك فالذب عن جماعة بعينها استقتالاً، جاهلية أولى نبذها الذين كانوا يسجدون للأصنام فصاروا بالتحرر صحابة، واليوم يعود وثن الوطن والحزب والشخص. لاحظت أن هناك في وسائل التواصل الاجتماعي التالي: أولاً جماعة الأجندات، وهذه ممكن أن تكون حزبية تخدم أغراض جماعة ما، وهذا ما أسميه «المافياتية» وهو مصطلحي الشخصي لأسلوب العصابات الناعم بالترويج لأفكارهم عبر مسدس ماء بدلاً من مسدس رصاص بكاتم صوت، ويجد في وسائل التواصل تربته. مهمتهم غسيل العقول المتهتكة من تكرار دورانها في «المغاسل» وإيجاد بوصلة للأرواح التائهة أصلاً منذ أن غادرها الهدف من خلقها، واحتل مكانه التغريب ليزنّ في أذنها أن العقل والمنطق أساس الثقة بما يجب أن تتبع وتعمل في سبيله، فزادت توهاناً فصارت معرضة لأجندات أولئك. ثانياً جماعة التجنيد، سواء كان الفاعل أو الهدف المجند أو المجند، فالنتيجة أن العمل له أسلوب «مخابراتي» في جذب العامة للفمرة أو الرسالة أو الحزب أو الجماعة أو غيرهم، وهؤلاء حملة الكير هم أهل سوء وينشرون السوء، ومحتقَرون حتى من رؤسائهم. ثالثاً جند الله، وهؤلاء لا يعلمهم إلا هو، موجودون في كل مكان وزمان ووسيلة، ينسفون كل أجندة فاسدة، وينظفون كل العقول من وسخ الجهل، ويلغون أي تجنيد لا يكون في سبيل الله. الجماعة، المذهب، الفرقة، الشخص، الوطن، السياسة، كل من يسعى في سبيل أولئك معلومون عند الله بنواياهم. يركمهم فوق بعض وينبذهم في الهَمَل بعد أن يكشفهم وهو قدير، أو يسترهم وهو حكيم. ويبرز جنده العاملون في سبيله وحده لا شريك له بنيات صادقة وقلوب واثقة وأجساد راضخة وأرواح محلقة في اليقين بأجنحة التوكل والصبر والإيمان. أخيراً أقول: لقد لفت انتباهي وحفيظتي أيضاً كيفية التزام الشر بخطته، وتعرقل الخير في خطواته، الذين يسعون لعمل نافع صالح مهم للبشرية بطيئون، أما المخربون فأسرع من البرق يقومون بأدوارهم ويتركون المكان بفوضاه ترتع فيه المخلوقات التي تقتات في الدمار! هكذا أرى النزاع بين الخير والشر، ولكن قبل أن أختم أحب أن أضيف أهم نقطة أن البناء خير، والهدم شر، بالطبع لن أفصل في فلسفة الهدم كفعل قدري في سبيل خير أكبر، ولكن لأبسطها على القارئ: نعم الخير بطيء الحركة ولكنه كثير البركة لأنه مؤيد من السماء، أما الشر فسريع كالغزال ولكنه ملعون أبداً، وهذه الآية العظيمة تحل سقم قلبي إذا اشتد الشر وفتك بالخير وتمنيت لو يحل عقاب الله فأكرر قوله جل جلاله: (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) فأسكن وأبتسم. قد لا نرى انتقام الله من الشر، وقد لا نلحق بزمن نصره للخير، ولكن يكفي أن نموت ونحن في الطريق إلى الله ومع عصبة الخير.