معركة ليست في غزة

يبدو لي أنه سيرتفع الطلب على أدوية القولون العصبي والضغط في الوطن العربي للناطقين بالعربية فقط، لأن ما يجري لا يحتمل على مواقع التواصل الاجتماعي، فهنا على هذه المواقع تجري حرب ضروس بين مستخدميها من أبناء الوطن العربي، حرب الأفكار والمعتقدات والمناكفات والشماتة والتكفير، وكلها لفلسطين ولأجل فلسطين. فسبحان الله كيف يُتفق على الهدف ولا يتفق على الآلية. وكيف يتحول هذا الاختلاف إلى معركة وعداوة إلى حد التشفي والتكفير. وتشغل الناس عما يجري هناك في غزة التي عانت الأمرين وسط صمت عربي وإسلامي مطبق يكاد يصل إلى مرحلة الفراغ واللاشيء وخذلان كبير يُذكرنا بحقبة ملوك الطوائف بالأندلس. حيث كان الشتات والفرقة وموالاة الأجنبي وعداوة القريب. المشكلة أن المعركة في مواقع التواصل الاجتماعي هي بين من لا يملكون أمرهم وليس بيدهم شيء إنما هي فقط حرب التحليلات والموالاة ضد أو مع « أو ربما يعبرون عن غضبهم ويفرغونه من خلال هذه المهاترات التي لا قيمة لها كونهم يتألمون لأهل فلسطين ولا يستطيعون نصرتها. فمثلاً هناك معركة كبيرة بين من يرى أن المقاومة في غزة مشروعة ويباركون 7 أكتوبر ويرون أن ضحايا هذا الحدث الكبير هم الثمن أو الفاتورة التي تدفع لأجل تحرير فلسطين والأقصى، وبين من يرى أن المقاومة جلبت الويلات على أهل غزة وأن الحدث كان خطأ منذ البداية ويفضلون الحوار الحضاري والسلمي لاستعادة الأراضي المغتصبة من المحتل. وكأنه أخذها كذلك لنستعيدها كذلك. من الشام إلى اليمن هناك معركة أخرى بين من يرون أن جماعة أنصار الله الحوثيين عروبيون ويقفون إلى جانب غزة، وبين من يرون أنهم يخدمون أجندات طائفية وما يجري ما هو إلا مسرحيات لكسب التعاطف والشعبية العربية. حتى الآن ما زال الأمر خلافاً طبيعياً ما بين وجهتي نظر وهذا طبيعي وفقاً للفطرة الإنسانية. ولكن أن يتحول هذا الخلاف إلى عداء بين الفريقين فيشمت احدهما بمصيبة الآخر كما حدث في قصف ميناء الحديدة، فهذا غير طبيعي ويحتاج إلى مراجعة للذات، وكذلك أن يصل الأمر إلى حد تكفير من لا يتفق مع «حماس» ويُطعن في دينه وعروبته فهذا أيضا يحتاج إلى مراجعة الذات. أما الإعلام الرسمي «الناطق بالعربية» فحدث ولا حرج، فبعضه يتعامل وكأن نتنياهو يحارب نيابة عن العرب. @almutlke