


عدد المقالات 189
في أواخر عام 2008 شنت إسرائيل عدواناً وحشياً على قطاع غزة المحاصر والمنهك في ظل تواطؤ النظام المصري آنذاك الذي كان يحتكر التعامل مع الملف الفلسطيني. وقتها انحاز جورج دبليو بوش كعادته إلى إسرائيل مؤكداً حقها في «الدفاع عن النفس» بحسب قوله. ترددت أصداء العبارة في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت جزءاً من الخطاب السياسي الدولي المتعلق بالمشهد الفلسطيني. حرصت كثير من الميديا أو وسائط الإعلام العالمية (وجزء من الميديا العربية) على «التوازن» في نشر مواقف الطرفين، بما في ذلك «الحساسية الأمنية» لإسرائيل، وحقها في حماية «مواطنيها». كيف يمكن للصحافة إعطاء الطرف الذي يمارس قتل المدنيين، ويهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، مساحة للتعبير مساوية للضحية التي تقع عليها الاعتداءات؟ هل من المقبول أن يتمسك الصحافيون بالتجرد وعدم الانحياز خارج نطاق التجربة الإنسانية، وبعيداً عن أشلاء الأطفال وآهات الثكالى؟ بمعنى آخر، وكما يرسم الصورة بدقة الصحافي الأميركي كريس هدجيس، فإن «المفهوم المضحك» للحياد أو اللاتحيز «يجعل المراسلين يعطون ببرود مساحة ووقتاً على الهواء متساويين للحقيقة والأكاذيب»..أصبح التوازن «ترياقاً لمواجهة الحقائق المزعجة..ووسيلة لاسترضاء القوي». مضيفاً: «إننا نقوم بتوثيق نقمة فلسطيني فقد طفله في ضربة جوية في غزة، ولكننا نحرص على ذكر «حاجات إسرائيل الأمنية»، ناقلين تصريحات لمسؤولين إسرائيليين بشأن حدوث إطلاق نار من البيت أو المسجد أو المدرسة، ومشيرين بالطبع إلى حق إسرائيل في الدفاع عن النفس». هذا «التوازن»، بحسب هدجيس، لا يخص مجازر غزة وحدها...»إذ إننا نقوم بتوثيق الخسارة البشرية في العراق، لكننا نذكّر كل أحد أن «صدام قتل شعبه»؛ نكتب عن موت عوائل في أفغانستان خلال ضربة جوية لكن لا ننسى أن نذكر أن طالبان «تضطهد النساء». جرائمهم تمحو جرائمنا..»، ويضيف: «ما دمنا نتكلم باللغة الباردة والميتة لأولئك الذين في السلطة؛ اللغة التي تقول إن الكذبة صالحة بقدر صلاح الحقيقة؛ اللغة التي تصبح فيها إحدى روايتي التاريخ جيدة بقدر الرواية الأخرى، فإننا نصبح جزءاً من المشكلة، لا جزءاً من الحل» (موقع تروث ديغ، 26 كانون الثاني/ يناير 2009). وبالرغم من هذا «التوازن»، فإن الوعي الذي شكّلته الوسائط الاجتماعية جعل مساواة الجلاد والضحية مجرد خطاب دعائي تسعى النخب إلى تسويقه عبثاً، بينما تمجّه الجماهير ولا تستسيغه. تقول ناشطة السلام الإيرلندية ميريد ميغور إنه «بالرغم من كل الدعاية..، فإن كثيراً من شعوب العالم تدرك أن ما يجري في غزة استمرار لسياسة الحرب الإسرائيلية، وبناء المستوطنات...وللاحتلال غير الشرعي...، ومصادرة الأرض الفلسطينية» (موقع كاونتر بنش، 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2012). ربما كان التوازن دليلاً على الانحياز. عندما تتحدث صحيفة النيويورك تايمز في حرب 2008 عن تعرضها للهجوم من «عدوين»، بسبب وقوفها في منتصف الطريق، مستشهدة على ذلك بالقول: «القنابل والصواريخ تتطاير بين إسرائيل والفلسطينيين»، فإن ذلك يجعل الصحيفة تلقائياً في خندق الطرف الأقوى الذي يملك من قوة النار ما لايملكه الطرف الآخر. كيف يمكن أن يكون «التطاير» متساوياً بين الجانبين؟ هذا ما يجعل وصف فضائية إخبارية عربية العدوان على غزة بالهجوم مدعاة إلى السخرية. الهجوم يشير إلى حال فردية معزولة، وليس إلى عدوان شامل جوي وبحري وربما بري. إنه مثال للانحياز المستتر بالتوازن. بل حتى وصف «الحرب» ضرب من السخف؛ لتكن محرقة؛ إبادة،؛ أو على الأقل عدواناً. التوازن يعني في أبسط معانيه تسمية الأشياء بأسمائها، والابتعاد عن "تجميل القبيح". تحاول الفضائيات الإخبارية في تناولها العدوان على غزة، أن تلتقي بمن يمثّل الفلسطيني الغزي، ومن يمثّل الإسرائيلي (فضائية عربية، ويا للهول، تلتقي هذه الأيام بشخصيات من حركة فتح في رام الله لتسألها عن الوضع في غزة!). تحاول الفضائيات أيضاً أن تنقل رواية الطرفين (القناة "العربية" عينها لا تكاد تنقل إلا رواية جيش الاحتلال، وشكّكت مرةً في تأكيد كتائب القسام أنها قصفت تل الربيع (تل أبيب)، بدعوى أن الجيش لم يؤكد القصف بعد). لكن لماذا تلجأ الميديا إلى «التوازن»؟ لسببين، كما يقول الصحافي البريطاني جوناثن كوك، الأول: «للتأكيد أن الطرفين يجري تمثيلهما بصورة عادلة، ولتهدئة الغضب المحتمل من موت الفلسطينيين من خلال إعطاء وقت مساوٍ لمعاناة الإسرائيليين». يضيف كوك: «لكن الوظيفة العميقة لهذا التناول، في ظل افتراض الميديا أن قنابل إسرائيل هي ببساطة رد على إرهاب حماس، هي إعادة توجيه غضب الجمهور إلى حماس وحدها، التي حُمّلت ضمنياً المسؤولية عن معاناة الإسرائيليين والفلسطينيين معاً». (كاونتر بنش، 19 تشرين الثاني/يناير 2012). خطاب «التوازن» يخفي حقائق الصراع. في البدء كان الاحتلال، والتوازن الحقيقي هو الذي يعيد القضية إلى مربّعها الأول قبل الصواريخ والمعابر و «تهريب السلاح»: غزة أرض محتلة من قبل قوة أجنبية. ينسى «المتوازنون» أن الحصار أداة من أدوات الحرب، وشكل من أشكال العقاب الجماعي، وأن إسرائيل تزج بأكثر من مليون ونصف مليون من البشر في سجن كبير منذ انسحابها من القطاع عام 2005. ينسى المتوازنون (وكثير منهم متحاملون) الخبر الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت والذي مؤدّاه أن المصريين قدّموا إلى إسرائيل مقترح هدنة قبل اغتيال الجعبري بساعات فقط.. صحيفة الغارديان أيضاً نقلت عن صحيفة هاآرتس قولها إن الجعبري تلقى مسودّة هدنة دائمة مع إسرائيل قبل اغتياله ببضع ساعات (15 تشرين الثاني/نوفمبر 2012). يقال إن الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب. لكنها لم تعد كذلك في عصر السماوات المفتوحة والوسائط الاجتماعية. يجب ألا يكون «التوازن» في تناول الأحداث سبباً في فقدان التوازن. وإذا كانت قوى الدعاية السائدة تتمتع بالقدرة على فرض خطاب متوحش يزدري الضحايا وينحاز إلى المعتدي، فإن الجماهير بتفاعلها الإيجابي مع ثورة المعلومات، وبقدرتها الخلاقة على مقاومة الهيمنة، قادرة على تحطيم حصون الدعاية بالقبضات العارية. *أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود @LoveLiberty
نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء. نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع...
في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس...
اليمن تاريخياً بلد واحد غير مقسّم، والتقسيم إضعاف لهذا البلد، وتشتيت لشعبه، وفتح أبوابه لتدخّلات عسكرية وقواعد أجنبية واضطرابات وحروب قد تكون أسوأ من وضعه إبّان الانفصال القديم في الستينيات والسبعينيات. وبينما يتّجه العالم إلى...
حدّث سهم بن كنانة، قال: كان في القرن الخامس عشر بجزيرة العرب، رجل يزعم أنّه واحد دهره في الأدب، وأنّه أدرك من أسرار البيان، ما لم يدركه إنسٌ ولا جان، وقد اشتُهر بابن الغلامي، أو...
علّمونا ونحن صغار أنّ «الصمت من ذهب»، وكان جدّي لأمّي يكرّر لي البيت: يموت الفتى من عثرةٍ من لسانِهِ/وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجْلِ، وقديماً قال جدّنا أكثم بن صيفي: «الصمت حُكمٌ وقليلٌ فاعله». كبرنا،...
قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا...
كان يا ما كان، في آخر الزّمان، أنّ رجلاً كان مريضاً فتعافى، فغضبت عجوزٌ كانت ذات يوم سبباً في إمراضه حتى مزّقته إرباً إرباً، وطفقت تولول وتشقّ جيبها، وتدعو بالثبور، وعظائم الأمور، فلم تكن تتوقّع...
حدّث سهم بن كنانة، قال: في أواخر القرن الرابع عشر، قبل أن تُولد الفضائيات وتنتشر، ظهرت في جريدة اسمها «اليوم»، قصيدة أثارت كثيراً من اللوم، وكانت متحرّرة القوافي، واسم كاتبها حميد غريافي، وقد جاء في...
تسعى الخطابة السياسية عادةً إلى توحيد المواقف، وردم الفجوات، والتركيز على القواسم المشتركة. هذا هو لبّ الخطابة وفلسفتها عبر التاريخ: الدعوة إلى «التعاون»، وإحياء الروح الجماعيّة، وتغليب المصلحة العامة على الخلافات البينيّة. لكنّ ذلك لا...
كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في...
حدّث سهم بن كنانة، قال: اعتراني ذات يوم السأم، وشعرت بأنواع الألم، وجفا عينيّ الكرى، وعادت صحّتي القهقرى، فراودتني الرغبة في الخروج، والاستئناس بين المروج، ودُللتُ على قرية تُسمّى «سراج»، شعارها «لدينا كلّ ما تحتاج»،...
كان الرئيس التركي، أردوغان، محقّا في اتهامه عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بالارتهان للفاشية والنازيّة إثر إلغاء ألمانيا عدداً من التجمّعات الانتخابيّة التي كان من المقرّر أن يحضرها وزراء أتراك في مدن ألمانيّة، ومنع هولندا...