


عدد المقالات 189
حدّث سهم بن كنانة، قال: كان في القرن الخامس عشر بجزيرة العرب، رجل يزعم أنّه واحد دهره في الأدب، وأنّه أدرك من أسرار البيان، ما لم يدركه إنسٌ ولا جان، وقد اشتُهر بابن الغلامي، أو نحو هذا من الأسامي، وكان يصف نفسه بالعصامي، والناقد والإعلامي، الذي يرى ما في الخطاب من فطور، ويجيد قراءة ما بين السطور، ويمتلك أدوات النّقد، من غير تحيّز ولا حقد، ويقضي أيامه مع الورق، تفكيكاً لما يصفه بالنّسق، زاعماً أنه لا يكفّ عن سبر النص، إلا إذا بان الحقّ وحصحص. قال سهم بن كنانة: وكان ابن الغلامي يؤمن بعقيدة غربيّة، تُسمّى الليبرالية العلمانية، تقوم على عزل الإسلام عن السياسة، وإقصائه عن شؤون الرياسة، وقصرِه على شعائر العبادة، بعيداً عن الحكم والسيادة، وكأنّ الدين الذي كتب الله له الريادة، ونشر به العدل وزيادة، لم يجعل الذروة جهاده، وإصلاح المجتمع عماده، بل كأنّه، معاذ الله، لم يُشرَعْ للقيادة، ولم تحمله أمّة كلَّفها الله بالشهادة، ولذا كان ابن الغلامي يتوجّس ممّن يعتقد شمولية الدين، ويعدّهم عن الصراط ناكبين، وقد عاش حياته حاملاً عليهم بقوّة، تحت ستار نقد «الصحويّين» و «الصحوة»، فلم يترك محفلاً إلا نال منهم فيه، متظاهراً بالنصح وهو يريد التشويه، وربما اختلق ذريعة للنيل ممن يبغض، أو ممن يخاف أن يبزّه فيمرض، وما أسهل أن ينقّب في تدويناتهم، ليلوي أعناق عباراتهم، ثم يرمي عالماً بقبح الأغراض، وآخر بالمسّ بالأعراض، فإذا لامه الناس على سوء كلامه، أو انتقدوه لجور أحكامه، صاح: إنّما أنا ناصح أمين، وعسى الله أن يهديهم أجمعين، فأظهر أنّه رمز اعتدال، ورمى ضحاياه بالضلال، ثمّ دعا لهم بحسن المآل. قال سهم بن كنانة: واجتمعت في ابن الغلامي الكراهية والحسد، وهما خصلتان تأكلان الرّوح والجسد، وقد كان جدّي يعجب من صبره على نفسه، ويدعو الله أن يطهّره من رجسه، كما كان يعجب من غيرته ممّن هم أصغر من سنّه، بل ربما كان بعضهم في عمر ابنه، ولهذا حتماً سبب نفسي، فلا دواء يطفىء الغيرة أو يُنسي، إذ كان يريد أن يستأثر بالبريق، ويستمتع وحده بالتصفيق، وأن تتصدّر أخباره الجرائد، وتشيع أقواله كالفرائد، وأن يظل في دائرة الضوء، وعلى من يعاديه دائرة السوء. قال سهم بن كنانة: وطالما ردّد ابن الغلامي أنّ النقد مبضع، ولا يكون نافعاً إلا إذا أوجع، فأبقى مبضعه مُشهراً في الوجوه، حتى كرهه الناس ومجّوه، ومن عجب أنّه كان يحمل المباضع، ويتظاهر في الوقت نفسه بالتواضع، داعياً إلى مناداته من غير لقب، مردّداً: الشأن في الأفعال لا في الرُّتَب، وقد نجح في خداع بعض من عاصروه، حتى قال قائلهم: لله أبوه، ومن العجائب أنّه كان يتباهى بالثناء على تواضعه، ويعيد نشره بنقرة من أصابعه، ثم يُسدي للمادحين الشكر، وهو يتمايل كأنّ به سُكْر! قال سهم بن كنانة: وذات ليلة خرج ابن الغلامي على الناس، وهو يكاد يطير من الاستئناس، فقال: ليس العلم باختباراتٍ تُدقّق، ولا شهاداتٍ تُعلّق، وإنما العلم بالإنجاز، ثم التحليق كالباز، فذلكم الإعجاز، فذلكم الإعجاز. ثم أضاف بروح مندفعة، ومثاليّة مصطنعة، أنّه تلقّى قبل بضعة عقود، أعلى الشهادات بالبريد، فما فرح لورودها، ولا اهتمّ بوجودها، بل ضرب عنها صفحا، وطوى عنها كشحا، فحلّت عليها المسكنة، ومكثت في (كرتونها) أربعين سنة! قال سهم بن كنانة: وظنّ أقوام أنّ رواية ابن الغلامي عن شهادته العليا، لا تخرج عن سياق تواضعه في هذه الدنيا، وأنّه يضرب مثلاً لقيمة الإنجاز، التي تستحقّ وحدها الإبراز، ونسي هؤلاء أنّه إنّما مدح بهذا نفسه مرة أخرى، فأظهرها زاهدة في الأولى راغبة في الأخرى، وأوحى أنّه أنتج ما أنتج بتعبه، لا بشهادته ولا بلقبه، فهو فوق الشهادات والألقاب، لا ترقى إليه كتبٌ ولا كتّاب، ولا أدلّ على ذلك من نشره إعجاب الناس بقصة الكرتون، وما هو إلا جنون العظمة لو كانوا يعلمون. قال سهم بن كنانة: ولم يستطع ابن الغلامي خداع الناس كل الوقت، فحصد في النهاية الازدراء والمقت.
نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء. نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع...
في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس...
اليمن تاريخياً بلد واحد غير مقسّم، والتقسيم إضعاف لهذا البلد، وتشتيت لشعبه، وفتح أبوابه لتدخّلات عسكرية وقواعد أجنبية واضطرابات وحروب قد تكون أسوأ من وضعه إبّان الانفصال القديم في الستينيات والسبعينيات. وبينما يتّجه العالم إلى...
علّمونا ونحن صغار أنّ «الصمت من ذهب»، وكان جدّي لأمّي يكرّر لي البيت: يموت الفتى من عثرةٍ من لسانِهِ/وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجْلِ، وقديماً قال جدّنا أكثم بن صيفي: «الصمت حُكمٌ وقليلٌ فاعله». كبرنا،...
قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا...
كان يا ما كان، في آخر الزّمان، أنّ رجلاً كان مريضاً فتعافى، فغضبت عجوزٌ كانت ذات يوم سبباً في إمراضه حتى مزّقته إرباً إرباً، وطفقت تولول وتشقّ جيبها، وتدعو بالثبور، وعظائم الأمور، فلم تكن تتوقّع...
حدّث سهم بن كنانة، قال: في أواخر القرن الرابع عشر، قبل أن تُولد الفضائيات وتنتشر، ظهرت في جريدة اسمها «اليوم»، قصيدة أثارت كثيراً من اللوم، وكانت متحرّرة القوافي، واسم كاتبها حميد غريافي، وقد جاء في...
تسعى الخطابة السياسية عادةً إلى توحيد المواقف، وردم الفجوات، والتركيز على القواسم المشتركة. هذا هو لبّ الخطابة وفلسفتها عبر التاريخ: الدعوة إلى «التعاون»، وإحياء الروح الجماعيّة، وتغليب المصلحة العامة على الخلافات البينيّة. لكنّ ذلك لا...
كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في...
حدّث سهم بن كنانة، قال: اعتراني ذات يوم السأم، وشعرت بأنواع الألم، وجفا عينيّ الكرى، وعادت صحّتي القهقرى، فراودتني الرغبة في الخروج، والاستئناس بين المروج، ودُللتُ على قرية تُسمّى «سراج»، شعارها «لدينا كلّ ما تحتاج»،...
كان الرئيس التركي، أردوغان، محقّا في اتهامه عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بالارتهان للفاشية والنازيّة إثر إلغاء ألمانيا عدداً من التجمّعات الانتخابيّة التي كان من المقرّر أن يحضرها وزراء أتراك في مدن ألمانيّة، ومنع هولندا...
قُبيل إعلان اسم «الفائز» في برنامج «أرب آيدل» الذي تبثّه قناة إم بي سي، طار رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، إلى بيروت، ليستقبل متسابقي البرنامج ولجنته التحكيمية، ويهمس للمطربة الإماراتية أحلام: «أنا متابعك منيح...