alsharq

أحمد بن راشد بن سعيّد

عدد المقالات 189

لن أتوقّف عن الصّمت!

03 مايو 2017 , 01:15ص

علّمونا ونحن صغار أنّ «الصمت من ذهب»، وكان جدّي لأمّي يكرّر لي البيت: يموت الفتى من عثرةٍ من لسانِهِ/وليس يموت المرءُ من عثرة الرّجْلِ، وقديماً قال جدّنا أكثم بن صيفي: «الصمت حُكمٌ وقليلٌ فاعله». كبرنا، واكتشفنا أنّ الصمت ليس فضيلة دائماً، وأنّه قد يسبّب التوتّر، ويكرّس الظلم. أذكر أنّ الشيخ يوسف المطلق دعاني إلى عشاء في منزله، ولم يمض سوى ليلتين على استشهاد الشيخ عبد الله عزّام. ولمّا وُضع العشاء، شرع أحد الضيوف في النيل من الشيخ الشهيد، فلم أنبس ببنت شفة. استمرّ يلتهم اللقمة تلو الأخرى، وهو يهاجم الشيخ، حتى قال: «تراه من الإخوان! تراه من ربع سيّد قطب، تراه رفيق سيّاف، عدوّ التوحيد»! ثمّ أردف، وهو يغرس أصابعه في «المفطّح»، والدّهن يقطر من لحيته الكثّة: «يمكن خير له أنه في قبره»! عقد الصمت لساني، ولا أدري لماذا لم أحتج. ربّما لأنّ المهاجم كان وقتها يهدر ويزمجر، وفي المجلس من هم في نظري أولى بالردّ مني، غير أنّي ما ندمت على صمتٍ قط كندمي يومئذ. شعرت أنّني فرّطت في جنب الله، وأنّني أحجمت عن قول كلمة حق في موضعها، ولم أنتصر لأخ مسلم في موطن كان يجب عليّ فيه نصرته. كرّت الأيّام، وكنت أرفع صوتي ضدّ ما أعتقد أنّه خطأ أو ظلم. دفعت بعض الأثمان لاتساقي مع نفسي وانحيازي إلى قيمي، وقلّما كنتُ «أسدّد وأٌقارب» في مواقف لا تحتمل غير اللونين الأبيض والأسود. وكان بعض الأصدقاء يفسّر ذلك بوصفه «حدّة»، وهو في حقيقة الأمر «بلاغة»، فما ينبغي للمسلم أن يُميت دينه باسم الرفق، ولا أن يضعف عن مطالبته بالإصلاح، وهو مأمور أن يأخذ الكتاب بقوّة. ولطالما نادى كثير منهم بما يسمّونه «الحكمة» في التعامل مع مواقف وأشخاص، ويقصدون بها اللين، بينما الحكمة ممارسة تتغيّر بتغيّر الأحوال، لأنّها تعني وضع الشيء في موضعه، وقد قال تعالى: «ومن يُؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً»، وانتقد أبو الطيب نزعة بعض الناس إلى وصف الاستسلام للواقع الخاطىء بالعقلانيّة عندما قال: يرى الجبناءُ أنّ العجزَ عقلٌ/وتلك خديعةُ الطبع اللئيمِ، وقال عن ميلهم إلى إساءة التعامل مع المواقف المختلفة: ووضعُ النّدى في موضع السّيف في العُلا/مضرٌّ كوضع السّيف في موضع النّدى. عندما يقع الظلم وينتشر (المذابح وحملات القمع مثلاً)، يصبح الصمت جريمة. عمر بن الخطاب انتقد «جلَد الفاجر وعجز الثّقة». داعية الحقوق المدنيّة الأميركي، مارتن لوثر كنغ جونيور، قال ذات مرّة: «في النهاية، لن نتذكّر كلمات أعدائنا، بل سنتذكّر صمت أصدقائنا»، وقال: «سوف يسجّل التاريخ أنّ أكبر مآسي فترة الانتقال الاجتماعي هذه، ليس الجلبة العالية للأشرار، بل الصمت المروّع للأخيار». ليونادرو دافنشي قال: «لا شيء يقوّي السّلْطة كالصمت»، والمثقفة الهندية، أروندهاتي روي، قالت: «يا لتعاسة أمّة تُجبر كتّابها على الصّمت لأنّهم يعبّرون عن أفكارهم». لكن، مرّة أخرى، قد يُضطرّ المرء إلى الصمت ليوصل رسالة ما. أهمّ ما في الاتصال، أن تستمع إلى ما لا يُقال. في الحديث: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت». من الغريب أن يكون الصمت وسيلة اتصال سياسي، لكنّ ذلك يحدث. إن لم تستطع قول ما تعتقد أنّه حق، فربّما كان سكوتك عن قول الباطل، أو الانضمام إلى جوقة المهلّلين له، موقفاً يحمل دلالة اتصالية مهمّة. في عالم السياسة، نرى دولاً ومنظّمات تلزم الصمت تجاه قضايا شائكة أو خطيرة، ويُفسَّر هذا بوصفه رسالة ذات مغزى. الصمت بيان كما أشار أبو الطيّب: وفي النّفس حاجاتٌ وفيك فطانةٌ/سكوتي بيانٌ عندها وخطابُ. «الصمت من ذهب»، يقول محمد علي، «عندما تعجز عن التفكير في إجابة جيّدة». صمتي لا يعني توقّفي عن الاتصال، لأنّ الصمت سلوك اتصالي، والاتصال عمليّة حتميّة ولا تنتهي. سأبقى إذن «على اتصال» حتى في لحظات النأي عن الخطابة أو الكتابة. الصمت، كما قالت الممثلة الأميركية مارلي ماتلن، «آخر شيء سوف يسمعه العالم منّي».

رسالة اعتذار من صهاينة الخليج

نحن الموقّعين أدناه نعتذر إلى الإنسانيّة عن تاريخنا؛ عن ثقافتنا المفخّخة بالعنف؛ عن سيرة أجدادنا الملّطخة بالدماء. نعتذر عن ما كانوا يسمّونه «الفتوح الإسلامية»، وما كانت سوى عمليات غزو واسترقاق، وإجبار للسكان الأصليين على دفع...

السكوت علامة العار

في البدء كانوا مجاهدين، ثم صاروا فدائيين، ثم مقاومين، وتدريجاً أصبحوا مسلّحين، فكان طبيعياً أن يصبحوا في نهاية اليوم، «إرهابيين»، ثم يُسدل الستار على الفاجعة، ولمّا تنته. يصبح الإسرائيلي ضحية، وتصبح أفعاله دفاعاً عن النفس...

اليمن: الانفصال انقلاب آخر

اليمن تاريخياً بلد واحد غير مقسّم، والتقسيم إضعاف لهذا البلد، وتشتيت لشعبه، وفتح أبوابه لتدخّلات عسكرية وقواعد أجنبية واضطرابات وحروب قد تكون أسوأ من وضعه إبّان الانفصال القديم في الستينيات والسبعينيات. وبينما يتّجه العالم إلى...

ابن الغلامي والكرتون!

حدّث سهم بن كنانة، قال: كان في القرن الخامس عشر بجزيرة العرب، رجل يزعم أنّه واحد دهره في الأدب، وأنّه أدرك من أسرار البيان، ما لم يدركه إنسٌ ولا جان، وقد اشتُهر بابن الغلامي، أو...

إذا كان الاستفتاء انقلاباً فالحياة هي الموت!

قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وأثناءه وبعده، لم تتوقف جريدة الحياة اللندنية عن الهجوم على الحكومة التركية. كانت هذه الصحيفة معروفة إلى عهد قريب بحرصها على عدم إبراز أيديولوجيتها، وباستقطابها كتّاب رأي ليسوا...

تركيا: الرجل لم يعد مريضاً!

كان يا ما كان، في آخر الزّمان، أنّ رجلاً كان مريضاً فتعافى، فغضبت عجوزٌ كانت ذات يوم سبباً في إمراضه حتى مزّقته إرباً إرباً، وطفقت تولول وتشقّ جيبها، وتدعو بالثبور، وعظائم الأمور، فلم تكن تتوقّع...

كوني حرّة: كم من باطل أزهقته كلمة!

حدّث سهم بن كنانة، قال: في أواخر القرن الرابع عشر، قبل أن تُولد الفضائيات وتنتشر، ظهرت في جريدة اسمها «اليوم»، قصيدة أثارت كثيراً من اللوم، وكانت متحرّرة القوافي، واسم كاتبها حميد غريافي، وقد جاء في...

الأمير تميم: خطاب العقل في مواجهة الذين لا يعقلون

تسعى الخطابة السياسية عادةً إلى توحيد المواقف، وردم الفجوات، والتركيز على القواسم المشتركة. هذا هو لبّ الخطابة وفلسفتها عبر التاريخ: الدعوة إلى «التعاون»، وإحياء الروح الجماعيّة، وتغليب المصلحة العامة على الخلافات البينيّة. لكنّ ذلك لا...

الموصل: الموت على أيدي «المحرِّرين»!

كنّا نعرف أنّ «تحرير» الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من قبضة تنظيم داعش سيكون دامياً، وكنّا نترقّب فقط مشاهد القتل الجماعي لأهل تلك المدينة بحجة تحريرهم من الإرهاب. لكن لم نكن نتوقع أنّ المجازرستثير في...

اليوم العالمي للنّوم!

حدّث سهم بن كنانة، قال: اعتراني ذات يوم السأم، وشعرت بأنواع الألم، وجفا عينيّ الكرى، وعادت صحّتي القهقرى، فراودتني الرغبة في الخروج، والاستئناس بين المروج، ودُللتُ على قرية تُسمّى «سراج»، شعارها «لدينا كلّ ما تحتاج»،...

أقوى من النسيان: التشنّج الأوروبي من الاستفتاء التركي

كان الرئيس التركي، أردوغان، محقّا في اتهامه عدداً من دول الاتحاد الأوروبي بالارتهان للفاشية والنازيّة إثر إلغاء ألمانيا عدداً من التجمّعات الانتخابيّة التي كان من المقرّر أن يحضرها وزراء أتراك في مدن ألمانيّة، ومنع هولندا...

«أرب آيدل»: فلسطين تعرف نجمها!

قُبيل إعلان اسم «الفائز» في برنامج «أرب آيدل» الذي تبثّه قناة إم بي سي، طار رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، إلى بيروت، ليستقبل متسابقي البرنامج ولجنته التحكيمية، ويهمس للمطربة الإماراتية أحلام: «أنا متابعك منيح...