التواصل غير العنيف لغة حياة «3»

إن التعبير التام عن الغضب رؤية قيمة من كتاب مارشيل روزنبرج، ولكنها بإجماع من أعضاء مجموعة (ومضات) ليست أقيم ولا أنفع من كلام سيد الخلق أجمعين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عندما قال لمن طلب منه النصح: (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب) أي اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلب الغضب، كأنه جمع في هذه النصيحة خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يؤول إلى البغضاء، والتقاطع ومنع الرفق وإلى فساد ذات البين، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينقص ذلك من الدين، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بالحالقة أي حلاقة الدين بسبب هذا التضاغط قال: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا ولا تسلموا حتى تحابوا، أفشوا السلام تحابوا، وإياكم والبغضة فهي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين). وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الذي يملك نفسه عند الغضب، قائلا: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعةِ، إنما الشديد الذي يملِكُ نفسه عند الغضب)) وقال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]. إن الفكرة الأساسية التي يشير إليها الكاتب مارشيل روزنبرج هي التغيير الحقيقي في نظرتنا للغضب، أي أن نفرق بين المثير والسبب، ويقول الكاتب الخطوة الأولى للتعبير التام عن الغضب في التواصل غير العنيف أن نخلي الطرف الآخر من أي مسؤولية عن غضبنا، بمعنى أن لا نشير لأي شخص على أنه هو سبب الغضب، وأن نحاول تخليص أنفسنا من تلك الفكرة وهي رمي السبب على الطرف الآخر، أو لقد أغضبني فلان، لأن التفكير بهذه الطريقة يقودنا للتعبير عن ضدنا بسطحية وبإلقاء اللوم على الآخر، وكأن الآخر عندما ينضبط سيجعل موجات الغضب تنتهي من على الأرض، فأما أن نلومه أو نعاقبه لأنه تسبب في غضبنا الذي بدوره أذانا نفسيا وصحيا وجعلنا نقول كلاما لا نريده، وهذا ليس هو الحل، ويضع الكاتب مثالا يقول لو كان عندك موعد مع أحد الأشخاص وحضر متأخرا ما الذي يحرك الغضب عندك؟ وكم مقدار الغضب؟ ليس بسبب الذي عمله، وإنما هو مثير لسبب نابع عندك، فإن كنت بحاجة إلى الاطمئنان والتأكد من اهتمامه بك وكان تأخره في منطقة عدم اهتمامه وتقديره لموعدك، ستشعر بإهانة وجرح في مشاعرك، حيث أغضبك لعدم تقديره لك، وإن كانت حاجتك لهذا الوقت المتاح الذي تأخر فيه لإنجاز عمل بناء، وتحقيق أهداف مهمة، فإن تأخره سيشعرك بالإحباط، ولو كنت منهمكا بشيء، وأتى موعدك وجاءت رسالة منه بتأخيره بالاعتذار لعشر دقائق، فهذا الاعتذار سيكون طوق نجاة لإنهاء ما كان يشغلك، وفي كل الأحوال أنت ملتزم بموعدك، ولكن في نفس الوقت تحتاج لبعض من الوقت، ولكن لو جاء الاعتذار في غير ذلك وأنت مستعد للموعد يمكن نفس هذه الرسالة تحدث شعورا مختلفا فما يأتي من الخارج مثير والسبب هو بداخلنا، وهذا ما يقودنا إلى تغيير كبير في طريقة تفكيرنا نحو الغضب.