عشق الشيوخ

هذه العبارة وردت على لسان الجسمي في أغنية بعنوان عشق الشيوخ، وفيها يقول: عشقي أنا عشق الشيوخ ما في معنى للرضوخ لقد سمعت هذه الأغنية صدفة، ولكن توقفت لأتفهم ماذا يريد أن يقول الشاعر؟ هل هناك مبادئ جديدة طرأت على الشعر العربي غيرت من المفاهيم الرئيسية التي درسناها وكانت من الثوابت. مثل تذلل المحب لمن يحب، وإظهار أقصى درجات التعب والوهن والشوق انتظاراً أن يجود عليه من يحب بكلمة أو نظرة أو ابتسامة. عندما نسمع الكلمات التي يتغنى بها المطربون اليوم فأنت تتعرض لصدمة حضارية وثقافية ولغوية.. خاصة لمن درس الأدب العربي وعرف بواطنه وخفاياه.. الشاعر يشير إلى أنه يعشق محبوبته مثل الشيوخ، لأن هذه الطبقة من الناس لا تعرف الرضوخ. ولا أدري ما هذه القسمة المبنية على الطبقية والأحساب والأنساب والوضع المادي. كل شعراء العربية من أمراء وفقراء ووزراء ومساكين عرفوا الرضوخ في الحب، بل كانوا يتباهون بإظهار حالتهم البائسة بفراق من يحبون، وهذا أبو فراس يقول: إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر وأبو تمام يقول: دع عنك هذا السيف الذي جردته عيناك أمضى من مضارب حده كل السيوف قواطع إن جردت وحسام لحظك قاطع في غمده إن شئت تقتلني فأنت مخير من ذا يعاقب سيداً في عبده أنا لا أعرف أن الشيوخ حبهم لا يعرف الرضوخ، هل هي معركة أو قرار سياسي يتبع الأوضاع المادية والطبقية؟ أم هي حالة شعورية تسيطر على كل المحبين فيخرجون عن جو السيطرة وامتلاك القرار؟ إن الشعراء اليوم حتى يحافظوا على القافية أصبحوا يسوقون المعاني التي لا معنى لها وهم موقنون تمام اليقين أن المطرب والمستمع لا يمتلك تلك الثقافة الشعرية المستمدة من دراسة الأدب العربي حتى يدققوا فيما يقدم من كلمات وطرب. إن الأدب العربي وما يحمل من جماليات وثوابت استطاع أن يبهر العالم بنقل صورة الفارس العربي المقدام، والذي يفقد كامل شجاعته وإقدامه أمام حبه لامرأة، هذه الحقيقة استفاد منها شكسبير في كتابة الرواية الشهيرة «روميو وجولييت» الرجل يموت ويتذلل ويرضخ من أجل المرأة. وهذا ليس من العيب بل من باب الشهامة والشجاعة وامتلاك عاطفة صدرناها للعالم وكنا أسيادها، حتى وإن كنا في ظل العولمة لا نؤمن بهذه المبادئ، لكن علينا أن نحافظ عليها فهي تحفظ للرجل تمام فروسيته وللمرأة تمام حيائها والإحساس بأنوثتها، فذلك الصنديد لا يملك إلا أن يرضخ معلناً استسلامه لجاذبيتها. أما تلك المرأة الجريئة، والتي تخرج عن كل حدود اللياقة والذوق العام لتنشر صورة ما عرفها الشعر العربي، زد على ذلك سلوكيات لا تقرها أديان أو أعراف أو أدب مثل تلك التي تغني: بغازله وبامشي وراه وأنا بابدأ بالغزل أي امرأة هذه رخصت من نفسها، وفقدت أبسط جماليات المرأة العربية، والتي جسم لها الشعر العربي إكليلاً ارتوت زهوره من دموع عين المحبين، انظر للمتنبي يقول: وقد كنت ألوم أهل العشق حتى ذقته فصرت أعجب كيف يموت من لا يعشق؟ تحياتي لكل متذوقي جماليات الأدب العربي بكل ما فيه من ثوابت عملت على الارتقاء بذوق الإنسان العربي. وقفة: الاهتمام باللغة العربية جزء من الاهتمام بصناعة الذات، إننا نعبد الله بها وبها سنلقاه، فلا تنزعوا عنها أجمل حللها.