الإسلام والتجارة

حرص الإنسان منذ فجر التاريخ على توفير احتياجاته الأساسية من غذاء وكساء ومتاع، ومقايضة الفائض منها مع الآخرين بسلع أخرى يحتاجها، فكانت هذه أول أشكال التجارة التي تعلمها الإنسان، ثم نمت وتطورت مع تطور حياة الإنسان من الكهوف إلى الأكواخ ثم المنازل في القرى والأرياف وصولاً إلى المدن والنهضة العمرانية الحديثة. وقد كانت قبيلة قريش، سائدة على كل من يجاورها من قبائل العرب، وذلك لأسباب من أهمها الحرص على التجارة، وذلك باستثمار أموالها عن طريق اتصالها بمراكز النفوذ الاقتصادي والتجاري في ذلك الزمان، فكانت تسيّر قوافلها إلى اليمن شتاء والتي كانت تخضع لنفوذ مملكة الأحباش، بينما تسيّر قوافلها إلى الشام صيفاً وكانت تخضع لنفوذ الرومان، وبذلك تمكنت قريش من توثيق عُرى التجارة في الجزيرة العربية وأصبحت قوة اقتصادية لا يستهان بها بين القبائل العربية.. وكان كبار الصحابة يتاجرون بأموالهم قبل البعثة وبعدها. وعلى ما تقدم فإننا نجد أن الإسلام قد تعرف على أشكال التجارة الوافدة من كل حدب وصوب، فهذبها، وشذبها، وأقر الصالح منها وأبعد الضار أو قومه فأصلحه، ومن الواقع العملي لما كانت عليه التجارة في صدر الإسلام الأول والعهد النبوي الشريف، وما تعاقب عليه الأمراء في زمن الخلافة الراشدة فإننا نستنبط ونستشف ما ينبغي على ولاة الأمر والمسؤولين القيامُ به من واجبات تجاه عموم المسلمين في وجه بعض الأنواع من التجارة ومن يوردها من التجار من جوانب سواء في تعديهم من جانب إحلالهم ما حرم الله تعالى باستيراده وتوريده مثل حرمة الخمور كما هو معلوم ونقلها لمشتريها أو شاربها والتساهل في ذلك، كما نرى ذلك في بعض وسائل النقل والفنادق لعموم قوله سبحانه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» [سورة المائدة:90] ومن جانب مكافحة النفعيين من التجار الذين تمادوا في طمعهم وجشعهم فأثقلوا كاهل المواطن والمقيم، وأشغلوهم في أرزاقهم ومعايشهم برفعهم للأسعار تحت مبررات وحجج كثيرة. وإليك بعض المواقف المشهودة في الإسلام ووجه الدلالة المستفادة منها: أولاً: سلطان المحاسبة (من أين لك هذا؟) محاسبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابنه عبدالله عندما قدم إلى المدينة بتجارته، فقام ببيعها وإعطائه فائدة بسيطة وإرجاع الزائد إلى بيت مال المسلمين، تورعا وتقوى لله سبحانه، لما رأه أمير المؤمنين بأنه (محسوبية) فما كان لتاجر أن يبيع ابن أمير المؤمنين فيغلي عليه البضاعة إنما زهد في ثمن بضاعته إما خوفاً ومهابة أو تواضعاً منه لمقام الخلافة وأقدمية الصحبة لرسول الله ﷺ. ثانياً: الإسلام حرم الاحتكار، لأنه سبب رئيسي من أسباب الغلاء ورفع الأسعار على الناس، ومن وسائل علاج الغلاء مقولة حكيمة من أقوال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مفادها وجوب أن نتعلم الكف عن الاستهلاك لغير حاجة، فيجب أن نعمل بها ونعلمها لأطفالنا. فالواجب على التاجر المسلم أن يراقب الله تعالى فيما يشتري ويبيع، وأن يتعامل مع الناس بما يرضي الله سبحانه وابتغاء ما عنده، كذلك يتوجب على الإدارات المعنية أن تُهرع لإغاثة الناس عبر المراقبة الحثيثة على الأسعار وحث التجار وتشجيعهم على عدم الاحتكار والضرب على أيديهم إذا أخطأوا.