alsharq

د. علي محمد الصلابي

عدد المقالات 83

إعمار الأرض وإصلاحها ضرورة دينية وإنسانية

13 يونيو 2024 , 10:14م

امتاز هذا الدين العظيم – الإسلام - بشموليته التي لا تترك جانباً من جوانب حياة الإنسان إلا وضعت له مقاصده وأحكامه وضوابطه، ومنها شؤونه الدنيوية وما ينفعه في معيشته وما يخدم مجتمعه، وذلك وفق المقاصد الإسلامية الأساسية وفيما يرضي الله تعالى، فالإسلام يحث المسلمين على إعمار الأرض واستصلاحها، وجعل ذلك أحد المقاصد الأساسية من خلق الإنسان واستخلافه في الأرض، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]؛ فالإنسان المسلم من مسؤوليته تعمير الأرض ورعايتها لكي تصبح صالحة للحياة المستقرة السعيدة، ولكي ينتفع من خيراتها ويقوم بوظيفة الاستخلاف على أكمل وجه، فيحقق بذلك مرضاة الله تعالى، ويخدم أهله وبني جنسه، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]. وتأتي دعوة الإسلام لإعمار الأرض ضمن منهجه المتوازن في مراعاة متطلبات الروح والجسد عند الإنسان، فيطلب من المسلم أن يسعى فيما ينفعه ويعمل على رعاية أهله وخدمة مجتمعه وبلده. ولأن الله تعالى جعل عمارة الأرض وإصلاحها وظيفةً للإنسان ومقصداً من مقاصد خلقه واستخلافه فيها، فقد حرم الفساد والإفساد في الأرض، فالفساد نقيض الإعمار والإفساد ضد الإصلاح، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وكرر الله تعالى بغضه للفساد والمفسدين فقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]، وقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64]، ولأن الله تعالى يحرّم الفساد وينهى عن الإفساد في الأرض، فقد جعل لارتكاب تلك الجريمة أشد العقوبات وأقساها في الدنيا والآخرة فقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33]. وعمارة الأرض لها جوانب وصور متعددة، ومنها الجوانب المادية كالزراعة والصناعة واستخراج ثروات الأرض وخيراتها، فالله تعالى سخر جميع ما في هذا الكون لخدمة الإنسان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]. وقال سبحانه: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [ الجاثية: 13]. ولذلك فقد مارس جميع الأنبياء والصالحين المهن والحرف المختلفة كسبل لإعمار الأرض والعمل بها بما يخدمهم وينفعهم، قال الله تعالى عن سيدنا داود عليه السلام: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 80]، والله عز وجلّ خصّ الحديد بالذكر في سياق التذكير بهذه النعمة والحكمة من خلقها، فقال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [الحديد: 25]. والله سبحانه وتعالى أباح للناس السعي في الأرض وطلب الرزق بشتى الأساليب والطرق طالما كانت ضمن دائرة ما أحل الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [ الجمعة: 10]. ونجد في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تحض على إعمار الأرض والإصلاح في كل زمان ومكان، فحث على العمل والكدح والسعي في طلب الرزق الحلال، وذلك في الحديث الذي رواه المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ» (البخاري: 2072). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أو يَزْرَعُ زَرْعًا فيَأْكُلُ منه طيرٌ ولا إنسانٌ إلا كان له به صدقةً»(البخاري: 2320)، وفي حديثٍ آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها» (أحمد: 12512).

فقه القيادة وأبعاده الحضارية في قصة ذي القرنين

إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك -ذي القرنين- (1)، مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة...

سليمان عليه السلام ... التمكين المؤيَّد بالوحي والعلم والحكمة

تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء...

التنظيم والانضباط في دولة الزنكيين

اهتم عماد الدين زنكي بالجيش اهتماماً كبيراً، وبرز هذا الاهتمام في شكل ووظيفة الدواوين التي كانت تختص بشؤون الجيش والعسكر، وأيضاً في طرق وأساليب عماد الدين زنكي في إدارة المؤسسة العسكرية. 1 ـ الجيش: كانت...

إدارة الشؤون الداخليَّة في خلافة أبو بكر الصديق

أراد الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أن ينفِّذَ السياسة التي رسمها لدولته، واتَّخذ من الصَّحابة الكرام أعواناً يساعدونه على ذلك، فجعل أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة (وزير الماليَّة) فأسند إليه شؤون بيت...

حريـة الاعتـقـاد بين الإسلام وغيره من العقائد والمذاهب

يقف الإسلام بين الأديان والمذاهب والفلسفات شامخاً متميزاً في هذا المبدأ الذي قرر فيه حرية التدين، فهو يعلنها صريحة لا مواربة فيها ولا التواء، أنه: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ...

«الأخذ بأسباب الوحدة والاتحاد والاجتماع»

إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام...

الشورى في دولة الفاروق

اهتمّ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته، ومن أقواله في الشورى: «إنَّ المشورةَ والمناظرةَ بابُ رحمةٍ، ومفتاحُ بركةٍ، لا يضلُّ معهما رأيٌ، ولا يفقدُ معهما حزم». وكان أول قرارٍ اتخذه...

أبو بكر الصديق في «بدر الكبرى»

ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ رايته العظمى يوم تبوك،...

الأخلاق القيادية في شخصية داود عليه السلام

بين القرآن الكريم أن داود عليه السلام كان مجاهداً في جيش طالوت، وممن نجحوا في الامتحان العسير الذي قرّر رئيس الجيش أن يخوضه جميع جنوده فسقط من سقط وعبر من عبر، فقد رفع داود عليه...

دفاع أبي بكر الصديق -- عن النبي ﷺ

كان من صفات الصِّدِّيق التي تميَّز بها: الجرأة، والشَّجاعة، فقد كان لا يهاب أحداً في الحقِّ، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله، والعمل له، والدفاع عن رسوله (ﷺ)، فعن عروة بن الزُّبير، قال:...

«الواحد»

اسم «الواحد» هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد...

نماذج علمائية ملهمة ابن حزم «إمام أهل الأندلس»

هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع...