ما الدنيا إلا ممر

قال صلى الله عليهِ وَسَلَّمَ: «لَقَابَ قوس أحدكم - أو موضع قدم - من الجنة، خيرٌ من الدنيا وما فيها»، إن هذا الحديث الشريف لخير خلق الله دل على أن الدنيا لا تسوى عند الله جناح بعوضة وان كل نعيمها لا يمثل شيئا لأقل نعيم في الجنة. فما الدنيا إلا محطة وممر إلى دار المستقر والرجال الحقيقيون لا تلهبهم هذه العجوز الشمطاء مهما تزينت وتجملت وتعددت وسائل إغرائها، ومهما أبرزت مفاتنها؛ لأنهم يدركون حقيقة وجهها المزيف القبيح البشع، فلم تتعلق بأذيالها نفوسهم، ولم تكن أكبر همهم. عزيزي القارئ.. تأمل جيدا حال الدنيا.. هل دامت الأحد؟ أم هي فانية زائلة مهما طالت؟ وما حال الإنسان بعد رحيله وبعد توديع أقرب الناس له إلى مثواه الأخير؟ فهل يتذكره أحد؟ يقول صلى الله عليهِ وَسَلَّمَ: (أنه يتبع الميت أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلَهُ. فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله) .. وتأمل معي حفظك الله وقل لي بالله عليك: ما مصير الأموال الطائلة والأوسمة والشهادات والدروع بعد رحيل صاحبها ؟! هل رأيت أحدا من ذويه يقوم بوضعها بجانب جثمانه ؟! أم تراهم يتنفسون الصعداء وهم يذهبون به إلى حفرته الأبدية ليهيلوا عليه التراب ليطويه الزمن ثم يسرعون بالعودة إلى منازلهم ومشاغلهم وتجارتهم وآمالهم وتطلعاتهم، وسرعان ما تجف دموعهم، وتلهيهم تلك الفانية، فلا يشعروا بأنفسهم إلا وقد اقترب أجلهم، وزارهم هادم اللذات ومفرق الجماعات فما أتعسك أيها الإنسان تنقضي بك الأعوام وتمر بك السنون لتجد نفسك فجأة وفي غمضة عين كهلا فشيخا تساقطت أضراسه، وتعفر شموخه وتقوس ظهره، وتقاعست همته وذوت آماله ورغباته، وافترسته الأمراض، وانتظر محبوه رحيله بعد أن ضاقوا ذرعا بآلامه وأتينه الذي لا ينقطع... بعد كل ذلك ماذا تنتظر من الدنيا؟ فافهم ترشد أيها القارئ الحبيب، وكن فيها كعابر سبيل، فليس لك منها سوى بيت تسكنه، وثوب تلبسه وقوت يقيم صلبك كما قال صلى الله عليه وسلم. والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: ( فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَن الهوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هي المأوى ) (النازعات: 37 ،41) القارئ العزيز.. أوصيك ونفسي بتقوى الله وخشيته في السر والعلانية ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) [التوبة: 38]... ولتجعل جل همك ذكر الله وطاعته واجتناب نواهيه والإكثار من الطاعات وتجنب الشهوات، ولا تكن غافلا طويل الأمل، ولا تغريك ملذات الدنيا المؤقتة، ولا مناصبها وأموالها الزائلة، وتذكر أن الموت قادم لا محالة، ومصيري ومصيرك واحد خرقة بيضاء في قبر مواصفاته وَاحِدَةً، تَرَابُ فِي تراب.. فو الله إن نعيمها لزائل، ووقتها القصير سيفضي حتمًا، فانتبه قبل فوات الأوان، ولا تجعلها أكبر همك، يقول عز وجل: «من الْمُؤْمِنِينَ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عَلَيْهِ فَمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» فلنزرع لتحصد الثمار، ولنجتهد في تجنب حبائل الشيطان التي ينصبها لنا ولأبنائنا في كل مكان... والله من وراء القصد. @nasserqt