حنـين الصـايغ تكشــــف الغــــموض في «ميثــــــاق النـــــساء»

في بداية حياتي العملية، سمعت زميلا لي من الجنسية اللبنانية يحكي بأنه لا يصوم رمضان بناء على ديانته، وأكمل جملته بأنه درزي، فتحت عيني على وسعها، وأنا أسمع لأول مرة عن الدرزية، وانتشارها في مناطق الشام بالأخص، ثم تعرفت على جبل الدروز الذي يضم عدداً من العائلات الدرزية مثل عائلة الأطرش. ولأن الأدب باب كبير للمعرفة، فقد تناولت بشغف كل ما كُتب عن عالم الدروز من روايات تفتح ستاراً صغيراً على عالم تملؤه الأسرار، والحكايات، حتى وصلتني رواية حنين الصايغ، الكاتبة اللبنانية «ميثاق النساء» والتي تتحدث فيها عن عالمها عالم الدروز، وتحكي حكاياته الصغيرة، وبعض أسراره ومنها تلك التي تتصل بعالم النساء، من خلال بطلة الميثاق أمل بونمر، التي تشرح لنا أن الدروز سلسلة، كلمة تتردد في مجتمع الدروز لأنهم يتعرفون على بعضهم البعض بسهولة، إنهم لا يزيدون في عددهم، ولا يعملون على نشر الديانة بالتبشير، أو الدعوة، هذه الرواية التي منحتنا هذا الكم من المعرفة عن خصائص عالم شبه مجهول لنا، تضفر كل ما ورد فيها حول هذا العالم بنسيج روائي سلس، تجعل من القراءة متعة تستمر بها حتى تنتهي من الأربعمائة صفحة، فكتاب الحكمة الذي يعود إليه الدروز ككتاب مقدس، تأتي به الكاتبة في ثنايا علاقة الأب، والجد بالمشيخة، مشيخة الدروز، يجتمع المشايخ، يمثلهم الأب، ومن قبله الجد، في بيت الخلوة لتدارس أمور الدين والحياة، إذ يقتصر ذلك على مجتمع الشيوخ، والشيخات فقط، في حين أن صديقتنا أمل بونمر والتي نتعرف عليها، وهي بعد طالبة على أعتاب الدخول إلى المدرسة الثانوية، لا تنتمي إلى عالم المشايخ، ولا تريد سوى أن تختار حياة حرة قريبة من روحها، وعقلها، لتصطدم بالزواج من سالم، أحد أثرياء الطائفة، تجد نفسها زوجة تفرض عليها التقاليد طاعة عمياء للزوج، فهو من له الحق في كل شيء لتتقلص حقوق الزوجة إلى أدنى مستوى. ندخل مع أمل عالم التحدي الناعم مع الزوج، تناضل لأجل كل حق صغير، إكمال الدراسة الثانوية، الدخول إلى الجامعة، الدراسات العليا، قيادة السيارة، العمل الأكاديمي والبحث العلمي، كل ما هو حق مكفول لها، ترسم أمل خطوات جريئة للطلب المغلف بالخوف من الرفض، ثم متابعة الطلب، وتقديم التنازلات، وكأن كل حق من تلك الحقوق له مقابل ثقيل، مثل التعرض لمحاولات الحمل المخبري المرهق لها جسدياً، لكنها تحصل في النهاية على ما تريد. رواية ميثاق النساء تقدم بسلاسة شديدة عدداً من التحولات التي تصيب الإنسان ليصير على الضفة الأخرى من قناعاته السابقة، كما حدث لنرمين أخت أمل التي سافرت مع زوجها إلى أمريكا، تنشد الحرية تماماً مثل أمل، لكنها تعود بعد سنوات من الغياب لتدخل إلى عالم المشايخ بإرادة كاملة. هذه الرواية التي تفتح ستراً أوسع من غيرها حول عالم الدروز، تفتح أيضا ستراً أكثر اتساعاً حول عالم المرأة بين المعتقد الديني الصارم، والأمومة من جانب والحياة مع الحب، والحرية من جانب آخر.