


عدد المقالات 103
كنا عائدين من حفل استقبال أقامه عمدة «فيلنيوس» عاصمة «ليتوانيا» الضلع الثالث لدول البلطيق، وقد جاورتني «خديجة» الصحافية النشطة سياسيا، والتي تعمل مقدمة برامج في فرع الإذاعة الدولية التي أقامتها الولايات المتحدة الأميركية في كثير من دول العالم، والتي نستقبل بثها التلفزيوني في منطقتنا العربية باسم «قناة الحرة» وراديو «سوا»، ضحكت خديجة حين علمت أني مصرية، وقالت: تمثال رئيسكم السابق كاد يتسبب في ثورة في أذربيجان. بينما الثورة المصرية متأججة في ميدان الحرير وكافة ميادين مصر، تهافت آلاف من مواطني أذربيجان إلى حديقة الصداقة المصرية الأذربيجانية قرب «باكو» عاصمة أذربيجان طلبا لإزالة التمثال رمز الديكتاتورية، مرددين شعارات ضد الظلم والفساد. وقد دشن تمثال الرئيس السابق «حسني مبارك» وهو جالس في عظمة، وفي الخلف منه أهرامات ثلاثة في عام 2007 كرمز للصداقة بين البلدين، إلا أنه ومع اشتعال الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير لهذا العام، ثار أيضا شعب أذربيجان مساندا طلب المصريين في الحرية والديمقراطية، ورافضا استضافة تمثال ديكتاتور آخر، وهم من يعانون من قرينه القابع على سده الحكم والذي قمع شعبه وسرق ثروة الوطن. وأذربيجان التي تسكن في قلب آسيا الوسطى، سقطت في قبضة الاتحاد السوفييتي عام 1920، ثم شهدت مظاهرات دموية في يناير 1990 ضد الحكم السوفييتي واستطاع القوميون الأذربيجانيون بسط سيطرتهم عبر انتخابات حرة، لكن إثر انقلاب عسكري عام 1993 دخلت الجمهورية تحت سيطرة رجل الاستخبارات السوفييتي السابق «حيدر علييف» الذي حكم البلاد حتى عام 2003 ثم خلفه ابنه «إلهام علييف» لاستكمال مسيرة الجمهورية الوراثية في هذه البلد الغني بالنفط، حيث إن ثُلثي أذربيجان تحتوي على موارد نفطية. ولا تشكل أذربيجان استثناء في قائمة الأنظمة المستبدة رغم وجود مؤسسات سياسية وانتخابات، وعلى شاكلة النظام المصري السابق يترأس رئيس الدولة «إلهام علييف» الحزب الحاكم وهو «حزب أذربيجان الجديدة». أما المعارضة، فقد همشت بكل أطيافها العلمانية والإسلامية. تجمع آلاف العسكر حول تمثال الرئيس السابق حسني مبارك يحمونه من غضب الشباب الأذربيجاني الذي يحاول تكسير التمثال، أصر المتظاهرون، وأصر العسكر، وتحول التظاهر إلى اعتصام حتى يتم تكسير التمثال أو رفعه، وهكذا انتصف تمثال مبارك الميدان محاطا بعسكر كما كان دوما والتمثال والعسكر أحيطوا بالمتظاهرين الرافضين لكل رموز الديكتاتورية، فقد اكتفى الشعب من مظاهر الظلم والاستبداد والاعتقالات والأصوات المغلقة، كان التظاهر مناسبة لطلق مطالبهم وتواصلا مع ثورة المصريين برغم المسافات التي تفصل بينهم، لكن نبض المصريين وصلهم وأشعل حماسهم وأكد لهم أننا أي الشعب أصحاب اليد الطولي وإن لم نمتلك السلاح. قبل أن أقاطع خديجة للاستفسار عن نتيجة الصراع بين العسكر والمتظاهرين، وعن مصير التمثال، فاجأتني بقولها: السيدة سوزان قرينة رئيسكم السابق تطالعنا يوميا في التلفزيون الوطني، كما أن إحدى مدارسنا قد حملت اسمها أيضا. لم أهتم بالمدرسة حقيقة لكني كنت مندهشة من أمر طلة التلفزيون، أوضحت خديجة قائلة: أثناء الزيارة التاريخية للرئيس السابق مبارك بصحبة قرينته إلى أذربيجان، كان أن التقت روحا السيدتين الأوليين وجمعت بينهما صداقة وود تبلور في قصيدة مهداة من قبل السيدة سوزان إلى قرينة الرئيس «إلهام علييف»، فما كان من الثانية رداً لجميل الأولى إلا أن طلبت من كبار فناني أذربيجان تلحين القصيدة وإخراجها وإلقائها على مسامع ومرأى المشاهدين ليل نهار عقابا لهم على سكناهم وطنهم. وهكذا عوقب الشعب الأذربيجاني بزيارة رئيسنا السابق عقابا متواصلا، فما إن يطل الصباح حتى تبدأ طيور التلفزيون في الغناء للقرينة في صحبة صديقتها المصرية. وتضحك خديجة سائلة: هل كانت السيدة الأولى لديكم ضيفة مستمرة في الإعلام الوطني أيضا؟ تلعثم عقلي في الرد، فالسيدة والسيد والأبناء كانوا كالماء والهواء المقرر إجباريا على المساجين، صورهم تلقاك في الطريق إلى المنزل وإلى العمل، وإن كنت بلا عمل، فصورهم تقفز إليك من التلفزيون، وإن كنت أفقر من أن تمتلك تلفزيوناً كانوا يسقطون عليك من الإذاعة، وإن دفعك اليأس إلى تحطيم المذياع، كانوا يظهرون لك في الأحلام. ضاق المتظاهرون بالعسكر وضاق العسكر بتمثال مبارك، فكان أن جاءهم الأمر برفع التمثال، ومنع إذاعة الأغنية التي أهدتها السيدة الأولى السابقة إلى السيدة الأولى التي مازالت أولى والتي يسعى شعبها ومعارضوها بكل دأب إلى إهدائها لقب «السيدة السابقة».
إنه اللقاء بكل شغفه ولهفته وقوته وطاقته القادرة على إحياء الأمل وبعثه من باطن اليأس. إنه اللقاء.. فلم أجد لفظة أخرى تصف العيون المتلألئة ولا الخطوات المندفعة ولا تلك الحياة التي عادت تجري فكست الوجوه...
سمعت تلك الكلمة للمرة الأولى في منزلنا بينما جارتنا تأخذ قسطا من الراحة لدينا. اعتذرت عن كوب الشاي الذي أعدته أمي قائلة «لازم احضر العشا للاجئين اللي عندي». أخبرتني أمي أن «اللاجئ « مصطلح يطلق...
في الطابق التاسع كنت أسكن. ومن أعلى رأيت أطفال الجيران يرسمون في الشارع الإسفلتي خطا أبيض. ثم احتكروا لأنفسهم المساحة الأكبر وتركوا للطفل الأسمر وأقرانه ما تبقى. والأسمر كان في مثل عمرهم. وكذلك فريقه الذي...
«لقرون طويلة حكيت عني يا شهرزاد, غطى صوتك على صوتي» لكنى الآن وبدون ندم أشيعك إلى مثواك وأعلم أني لن أسبح في الفرح, لكني سأعيش بهجة غسل تراثك. وفى حضرة الحكاية علينا أن نبدأ القصة...
المشهد الأول: كان أن تحدث مرشح الرئاسة عن برنامجه الطموح لقيادة مصر في مرحلة مفصلية, واستعرض مجالات عدة ثم قال «وأما عن المياه فسوف نزيد مياه النيل بالدعاء». المشهد الثاني: صوت جهوري لرئيس الجمهورية آنذاك،...
طرقة واحدة مفاجئة، ثم ضاع الضوء وانسحبت الكهرباء إلى أسلاكها وتركتنا في عتمة قاتمة، بنظرة واحدة على الشارع أدركت أننا نصفان، نصف مضيء ونصف معتم، كان جانبنا صامتا وكأن الحياة قد توقفت عنه، حارسة العقار...
أعادته مرة أخرى إلى الطبق الصغير عقب الرشفة الأخيرة، ثم انتظرتْ دقائق وقَلَبَتْه فسال اللون الداكن برائحته النفاذة وتلون الخزف الأبيض. وأكملت هي حوارها تاركة لي الحيرة من أمر تلك القهوة التي تجمع جدتي بجارتنا...
أيمكن أن يصدق عاقل أن «فارس» حمل عتاده وسلاحه وسافر طويلا لكي يحمي «مالك» الذي لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئا. البعض قال لي لا بد أن «فارس» ملاك في جسد بشر. لكن آخرين كانوا...
كان يكفي أن أنظر للسماء لأعلم لما لا يرد شقيقي على الهاتف. متحفزا. مكتملا. باهيا. كان قرص القمر في قلب السماء. متألقا وسط النجوم. مدركا حجم ضوئه وعمق أثره. مختالا بنوره الذي يوقظ كل الصحاري...
في مايو ومنذ ما يزيد على ثلاثة وخمسين عاما, وقبل أن تهبط الأحلام على النائمين انفجر غضب ما من باطن الأرض فقسمها وضرب مبانيها وأهال التراب على ما يزيد على ثلاثة آلاف نسمة. يومها لم...
الشاب ذو الصوت الصادق حاصرني, كما كان لأسئلته تفرد مدهش فلم أملك إلا الانتظار, سار بي خطوات قليلة ثم أشار إلى سمكتين لونهما أزرق يتوسطان لوحة القماش المعلقة, وقال: «أتعرفين لماذا وُلدنا؟». صمت من هول...
أتصدقون أن بين وحشين كبار عاشت الغزالة الصغيرة آمنة حالمة, لكن الأهم أنها عن حق سعيدة, ثم عَنَّ لها أن تجرب الجنون, فإذا بها تعلن بصوت عال أنها في طريقها لتصدير السعادة, ولو لم أكن...